علي علاواله*
تمكنت الإمارات العربية المتحدة من ترسيخ مكانتها كوجهة رائدة لإدارة الثروات المالية، حيث توفر بيئة جذابة للأفراد ذوي الثروات العالية (HNWIs) والمستثمرين الذين يسعون لتنويع استثماراتهم. وبفضل نظامها المالي المتين، وإطارها التنظيمي القوي، وقاعدة متنامية من شركات إدارة الثروات والأصول، تواصل الدولة جذب تدفقات رأسمالية كبيرة. ومع ذلك، وبعيداً عن إدارة الثروات التقليدية، تمتلك الإمارات فرصة ذهبية لقيادة مجال لا يزال يعاني نقصاً كبيراً في الخدمات، ألا وهو حلول الثروة المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.
هناك طلب كبير على المنتجات المالية الإسلامية، لكن الوصول إليها يبقى محدوداً على المستوى العالمي. ففي العديد من مناطق إفريقيا وأوروبا والأمريكتين تندر خيارات الاستثمار المتوافقة مع الشريعة، وحتى في الأسواق الآسيوية التي تضم أعداداً كبيرة من المسلمين، فإن الخيارات المتاحة للمستثمرين لا تتجاوز العقارات أو الذهب أو الودائع المصرفية، مع العلم أن إمكانات النمو في هذا القطاع هائلة، حيث تُقدّر ثروة الأفراد المسلمين ذوي الدخل المرتفع في دول مجلس التعاون الخليجي وإفريقيا وآسيا بنحو 3.7 تريليون دولار، منها 2.3 تريليون دولار في دول مجلس التعاون الخليجي وحدها. ومع ذلك، فإن توفر الصناديق المتوافقة مع الشريعة، والصكوك، والتكافل، والمنتجات الاستثمارية المهيكلة يبقى متفرقاً، ما يخلق فجوة واضحة في السوق.
وتمتلك الإمارات العربية المتحدة -بوصفها مركزاً مالياً عالمياً يتمتع بخبرة عميقة في إدارة الثروات- المقومات اللازمة لسد هذه الفجوة. إذ يضم مركز دبي المالي العالمي (DIFC) نحو 400 مدير للثروات والأصول يشرفون على أصول تزيد قيمتها على 450 مليار دولار، ما يعزز مكانة الدولة كمركز استثماري إقليمي. ومن خلال الاستفادة من هذه البنية التحتية يمكن للإمارات توسيع نطاق عروضها لتصبح الوجهة الأولى لإدارة الثروات المتوافقة مع الشريعة، والتي لا تلبي فقط احتياجات المستثمرين المسلمين، بل أيضاً أولئك الذين يبحثون عن حلول مالية أخلاقية ومستدامة. إذ يوجد تداخل كبير بين التمويل الإسلامي والاستثمار المسؤول، حيث تحظر مبادئ الشريعة الاستثمار في قطاعات مثل الأسلحة والتبغ والقمار، ما يجعل هذه المنتجات جذابة لنطاق أوسع من المستثمرين.
ومع وجود مثل هذا النظام المتين لإدارة الثروات يمكن للإمارات أن تضيف إنجازاً جديداً إلى سجلها من خلال أن تصبح أيضاً المركز العالمي ل«حلول الثروة المتوافقة مع الشريعة». فعلى سبيل المثال، يواجه المسلمون في العديد من أنحاء العالم خيارات محدودة للاستثمار المتوافق مع الشريعة لتنمية ثرواتهم. فعدد البنوك الإسلامية أو شركات إدارة الأصول التي تقدم منتجات متوافقة مع الشريعة قليل جداً في إفريقيا وأوروبا والأمريكتين. وحتى في العديد من الدول الآسيوية التي تضم أعداداً كبيرة من المسلمين، لا تزال خيارات المنتجات الاستثمارية المتوافقة مع الشريعة مثل الصناديق الاستثمارية والصكوك والتكافل محدودة، لذا نجد غالباً أن الأفراد الذين يفضلون الاستثمارات المتوافقة مع الشريعة يستثمرون في فئات الأصول التقليدية مثل العقارات أو الذهب أو الودائع الثابتة في البنوك.
وجدير بالذكر أن حلول الثروة المتوافقة مع الشريعة لها جاذبية أوسع، ولا تقتصر على المسلمين فقط. ففي الواقع، يشارك العديد من المستثمرين من مختلف الأديان في المنتجات المتوافقة مع الشريعة وذلك نظراً للتداخل الكبير بين التمويل الإسلامي والتمويل الأخلاقي أو التمويل المستدام. فعلى سبيل المثال، لا تمول البنوك الإسلامية القطاعات التي قد يكون لمنتجاتها تأثير سلبي على المجتمع كالأسلحة، والذخائر، والتبغ، والقمار. وبالتالي، فإن الحلول المتوافقة مع الشريعة تحظى بتقدير الجميع تقريباً، سواء أولئك الذين يبحثون عن حلول متوافقة مع الشريعة أو غيرهم ممن يسعون لتنويع استثماراتهم.
ويتطلب بناء نظام شامل للثروة المتوافقة مع الشريعة جهوداً مشتركة من الجهات التنظيمية والبنوك ومديري الأصول ومقدمي التكافل. لذلك، يجب إطلاق المزيد من الصناديق المتوافقة مع الشريعة التي تغطي قطاعات ومناطق جغرافية متعددة، ما يضمن حصول المستثمرين المسلمين على فرص تنويع مماثلة لتلك المتاحة للمستثمرين التقليديين. كما أن تطوير صناديق الاستثمار العقاري، ومركبات رأس المال الاستثماري، والمنتجات المهيكلة، وصناديق الاستثمار المتداولة (ETFs) سيعمّق السوق. كما تمتلك البنوك وشركات الصناديق فرصة لإنشاء عروض ثروة إسلامية حصرية، تشمل حلول إدارة الزكاة وهياكل الوقف التي تتماشى مع الأهداف الخيرية الطويلة الأجل.
وجدير بالذكر أن توسيع إمكانية الوصول للمنتجات المالية الإسلامية يشكل أمراً بالغ الأهمية لاعتمادها بشكل كبير، حيث لا تقتصر حلول الثروة المتوافقة مع الشريعة على المستثمرين من فئة المؤسسات أو ذوي الثروات. فمن خلال الابتكار الرقمي مثل مستشاري الاستثمار الآليين المتوافقين مع الشريعة، يمكن تقديم حلول استثمارية فعالة من حيث التكلفة للعملاء، ما يجعل إدارة الثروات في متناول المستثمرين الشباب والمحترفين. وإضافة إلى ذلك، فإن إطلاق صكوك تجزئة لذوي الدخل المنخفض، مثل 500 أو 1000 درهم إماراتي، سيشجع ثقافة الادخار والاستثمار الطويل الأجل، ما يعزز المشاركة في السوق ويجذب تدفقات رأس المال.
ولكي تحقق دولة الإمارات إمكاناتها الكاملة كمركز عالمي لإدارة الثروات المتوافقة مع الشريعة يجب التعاون بشكل وثيق بين مؤسسات القطاع المالي مع وجود الدعم الحكومي. كما يجب على البنوك ومديري الأصول والجهات التنظيمية العمل معاً لتوسيع نطاق خيارات الاستثمار المتاحة، ما يضمن حصول المستثمرين على نفس الفرص الواسعة المتاحة لأقرانهم من قبل المؤسسات المالية التجارية. وفي الوقت نفسه، فإن الدفع الاستراتيجي من قبل الحكومة سيوفر الزخم اللازم لتسريع النمو، ما يعزز ريادة الإمارات في الابتكار المالي. فمع وجود سوق شاسع وغير مستغل بالكامل، وبنية تحتية مالية راسخة، واهتمام عالمي متزايد بالاستثمار الأخلاقي والمسؤول، تمتلك الإمارات فرصة فريدة لتشكيل مستقبل حلول الثروة المتوافقة مع الشريعة وترسيخ دورها كوجهة أولى للتمويل الإسلامي.
* رئيس إدارة الثروات والخدمات المصرفية للأفراد في «ستاندرد تشارترد»
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.