كتب عبد الحليم سالمالإثنين، 05 مايو 2025 04:43 م أكد الدكتور محمود محيي الدين، مبعوث الأمم المتحدة لتمويل التنمية المستدامة والمكلف من أمين عام الأمم المتحدة برئاسة فريق الخبراء لوضع حلول لأزمة الديون العالمية، أن إدراك الدول لطبيعة النظام العالمي الجديد الذي بدأ يتشكل وتعزيز توجهاتها نحو توطين التنمية والتعاون الإقليمي هم الأساس للعب دور رائد في هذا النظام الجديد. ,جاء ذلك خلال مشاركته في جلسة نقاشية مع المشاركين في برنامج زمالة الحكومات العربية للاستدامة الذي يعقد في بدعم من معالي عهود الرومي، وزيرة الدولة الإماراتية للتطوير الحكومي والمستقبل، بالمشاركة مع المنظمة العربية للتنمية الإدارية. وقال محيي الدين إنه مع اقتراب نهاية برنامج ٢٠٣٠ للتنمية المستدامة الذي بدأ عام ٢٠١٥ بتدشين ١٧ هدفًا رئيسيًا للتنمية المستدامة بإجماع دولي، نجد هناك توجهات متباينة لتحقيق هذه الأهداف بدلًا من الالتفاف حول توجه دولي واحد وهو تسريع تحقيق التنمية المستدامة وحشد التمويل والتعاون الفني من أجل تحقيق هذه الأهداف، موضحًا أن هذا التباين يصعب معه إيجاد أجندات دولية موحدة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وهو ما عزز التوجه نحو العمل المحلي والإقليمي لتحقيق هذه الأهداف. وأضاف أن العالم يشهد حاليًا ٣ توجهات بشأن التنمية المستدامة، التوجه الأول تتبناه بعض الدول مثل مجموعة الآسيان ودول الخليج العربي والدول الإسكندنافية وبعض الدول الأفريقية وهو تسريع تنفيذ أهداف التنمية المستدامة وربطها ببعضها البعض، لكن التوجه الأكثر تأثيرًا هو التوجه الثاني والذي تتبناه بعض الدول المؤثرة سياسيًا واقتصاديًا مثل الولايات المتحدة التي تعلن عبر سياساتها عدم الاكتراث بأهداف التنمية المستدامة، بل أن هذه الدول تنسحب أيضًا من اتفاقيات مرتبطة بالتنمية المستدامة مثل اتفاق باريس للمناخ، أما التوجه الثالث فهو اعتراف بعض الدول بأهمية تحقيق التنمية المستدامة دون أن يكون هناك حاجة ملحة لتنفيذ أهدافها بالسرعة المطلوبة. وبسؤاله عن مسار العمل المناخي وأهميته بالنسبة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة الأخرى، أوضح محيي الدين أن مؤتمري الأطراف السابع والعشرين بشرم الشيخ والثامن والعشرين بدبي حسما الأمر بأن العمل المناخي هو عمل تنموي، وأن التقاعس عن تنفيذ العمل المناخي هو تقاعس عن العمل التنموي، وبالتالي لا سبيل للفصل بين أهداف التنمية المستدامة وتحقيق بعضها وغض الطرف عن البعض الآخر، مؤكدًا أن هدف الحصول على الطاقة وهو الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة هو في صلب العمل المناخي، كما لا يمكن تحقيق التقدم في التعليم والصحة وهما هدفان من أهداف التنمية المستدامة بدون توفير الطاقة النظيفة الآمنة، أما ملف التكيف مع تغيرات المناخ فهو وثيق الصلة بأهداف توفير المياه وحماية الشواطئ والحياة البحرية وحماية المدن ومواجهة التصحر وكلها أهداف حيوية من أهداف التنمية المستدامة. وأفاد، في هذا الصدد، بأن القمة الثلاثين للمناخ التي ستعقد في البرازيل ستراجع الالتزامات المحددة وطنيًا، ومدى التزام الدول على اختلاف توجهاتها وتصوراتها للعمل المناخي والتنموي بالتعامل مع التغير المناخي، وأجنداتها لتحقيق هذه الالتزامات من خلال اللاعبين المحليين مثل القطاعين العام والخاص والشركات وغيرهم. وردًا على سؤال بشأن مقاييس جودة الحياة وتحقيق النمو والتنمية في المجتمعات والدول المختلفة، قال محيي الدين إن إجمالي الناتج المحلي معيار مهم لقياس النمو الاقتصادي والتنمية ولكنه ليس المعيار الوحيد، وأضاف أن المقاييس يجب أن ترتبط بالإسهام في ما وراء هذا المعيار أو ما أصبح يعرف بمعايير "ما وراء إجمالي الناتج المحلي Beyond GDP"، وهو اتجاه أممي مهم يستهدف قياس رأس مال المجتمعات والدول من الطبيعة وحجم الإسهام في العمل البيئي والمناخي وأهداف التنمية المستدامة ككل، موضحًا أن هذا التوجه الجديد يعتمد مجموعة مؤشرات تتكامل مع بعضها البعض لقياس التقدم الفعلي في تحقيق الأهداف التنموية والاقتصادية. ووجه أحد المشاركين سؤالًا بشأن قدرة الدول العربية على تحقيق النمو والتنمية في ظل الاضطرابات السياسية والعسكرية والأزمات الاقتصادية، فأوضح محيي الدين أن عناصر السياسة والاقتصاد والتغيرات الجيوسياسية كلها مؤثرة وشديدة الارتباط ببعضها البعض، لكن الأهم في هذا الأمر هو كيفية تعامل الدول معها وتحويلها من كبوات إلى فرص، مضيفًا أن عام ٢٠٢٥ أبرز نهاية النظام السياسي والاقتصادي العالمي غير الكفء وغير العادل والذي بدأ عقب الحرب العالمية الثانية، وأصبح هناك تداعيات كثيرة لانهيار هذا النظام ومطالبات بمراجعة أدوار المنظمات الدولية المختلفة. وقال إن النظام العالمي الجديد سيراعي القوى السياسية والاقتصادية الصاعدة، وسيكون للجنوب العالمي دور في رسم سياسات هذا النظام الجديد، وأكد أن كفة العالم تتجه شرقًا نحو التجارب التنموية والاقتصادية الناجحة في آسيا، كما أصبح هناك اهتمام بالتوجه الإقليمي في ظل تراجع التعاون والثقة على المستوى الدولي، مشددًا على أن إدراك بلداننا العربية بطبيعة هذا العالم الجديد، وتفهمها لأهمية التعاون الإقليمي العربي والمتوسطي والأفريقي والآسيوي، والاهتمام بشكل أكبر بالبعد المحلي للنمو وتوطين التنمية، هي كلها عناصر من شأنها تمكين الدول العربية من لعب دور رائد في النظام العالمي الجديد ورسم ملامحه. وبسؤاله عمّا إذا كان بإمكان الدول متوسطة ومنخفضة الدخل تحقيق النمو والتنمية في ظل التغيرات الحالية على الساحة العالمية، قال محيي الدين إن هذه الدول يجب أن تستفيد من تجربة مجموعة الآسيان وما حققته من قفزات في النمو الاقتصادي والتنمية، مضيفًا هذه المجموعة جديرة بالدراسة في تجاربها المحلية من التحول من الفقر إلى الغنى والتنمية من خلال الاهتمام بالعنصر البشري، وتعزيز الاستثمارات، وتمتين الاقتصاد من الصدمات الخارجية، وتنويع مصادر التمويل الداخلي والخارجي مع تقليص الاعتماد على الاستدانة إلى حد كبير. وأكد أن هناك تجارب في مجموعة الآسيان لدول كانت تمر بالحروب والأزمات السياسية في زمن ليس ببعيد ثم تحولت إلى النمو والتنمية في فترات زمنية قياسية، وهو ما يمنحنا الأمل في أن تحقق مجتمعاتنا العربية التي تشهد صراعات وحروب أو تقع تحت براثن الاحتلال مثل فلسطين أن تحقق التنمية والنمو في أعوام قادمة. وردًا على سؤال بشأن أهمية التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي للدول العربية، أكد محيي الدين أن التعامل مع مستحدثات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والرقمنة أصبح أمرًا ضروريًا لأي مجتمع ينشد تحقيق التنمية في مختلف المجالات، كما أكد أن الدول التي ستعزل نفسها عن هذه المستحدثات ستتخلف عن ركب التقدم التكنولوجي والتنمية بشكل عام، مشيرًا إلى أهمية تكييف التكنولوجيا مع المجتمعات المحلية واحتياجاتها، والتعاون في تحقيق التقدم التكنولوجي بين الحكومات والقطاع الخاص. وفي هذا السياق، أشار محيي الدين إلى دولة الإمارات لإدراج المواد العلمية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي والرقمنة ضمن المناهج الدراسية الإلزامية، كما نوه عن المبادرة الرائدة في مصر للمشروعات الخضراء الذكية التي تمثل نموذجًا لتوطين التكنولوجيا والعمل البيئي والمناخي والتحول للاقتصاد الأخضر بالتعاون بين القطاعين العام والخاص ومشاركة جميع اللاعبين المحليين المعنيين بتحقيق التنمية. وبسؤاله عن التجربة المصرية مع العمل المناخي والتنموي بشكل عام، قال محيي الدين إن مصر الدولة الأكبر سكانًا عربيًا وفي الشرق الأوسط، ولديها تنوع كبير في المصادر الاقتصادية مثل الزراعة والصناعة والسياحة وغيرها من المجالات، وهو ما يجذب المستثمرين ورجال الأعمال، موضحًا أن مصر حققت مؤخرًا نقلة في البنية الأساسية وعليها اليوم أن تعطي الأولوية لجذب الاستثمارات والقطاع الخاص في مجالات الإنتاج الصناعي والزراعي والسياحة والنقل ودفع المشاركة مع القطاع الخاص في مشروعات البنية الأساسيةوأضاف أن مصر لديها ثروة بشرية هي أهم ذخائرها، وهي بحاجة إلى إكساب هذا الزخم البشري مهارات التعامل مع الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي بما يساعدها في تحقيق أهدافها التنموية، كما تتمتع بمصر بمقومات أخرى للنجاح الاقتصادي والتنموي مثل موقعها الجغرافي شديد الأهمية وإرثها الحضاري منقطع النظير، وإلى جانب التجارب المصرية والإماراتية، أشار محيي الدين إلى التجربة المغربية لتحقيق النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة، منوهًا عن اهتمام المغرب بالاستثمار في العنصر البشري والتركيز على التحول الرقمي والاستدامة في مختلف القطاعات. ووجه مشارك آخر سؤالًا لمحيي الدين بشأن فجوة تمويل العمل التنموي، فأجاب بأن فجوة تمويل أهداف التنمية المستدامة على المستوى العالمي بلغت نحو أربعة تريليونات دولار، موضحًا أن مؤتمر تمويل التنمية الرابع الذي سيعقد في أشبيلية الشهر القادم يستهدف دعم أدوات حشد التمويل المحلي والدولي والعام والخاص مع إدارة الديون بما يدعم الدول في مساعيها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. ونوه محيي الدين، في هذا السياق، عن التقرير الرائد الأول من نوعه الذي أصدرته مصر عن تمويل التنمية عام ٢٠٢٢ بالتعاون مع الجامعة العربية، وقال إن أهمية التقرير تكمن فيما قدمه من تحليل متكامل لوضع التمويل التنموي على المستوى الوطني، مشددًا على أهمية مثل هذه التقارير بالنسبة للدول العربية لرصد موقف التمويل التنموي لديها. وأشار محيي الدين إلى ضرورة ربط الموازنات العامة للدول بأجنداتها التنموية، حيث تحدد الموازنات العامة للدول أولويات الإنفاق، كما لفت إلى أهمية دور الصناديق السيادية في مساندة الموازنات العامة للدول فيما يتعلق بتحقيق أهداف التنمية المستدامة، والمساعدة على حشد التمويل المحلي مع تراجع وتيرة المساعدات الإنمائية الدولية. وأضاف أن السندات بمختلف أنواعها لها أن تساعد في حشد التمويل، كما أوضح أن الإدارة المنضبطة لهذه السندات سيساهم في توفير التمويل اللازم وتحقيق الهدف منها، مشيرًا في هذا الإطار إلى السندات الخضراء التي أطلقتها مصر كأول دولة عربية تصدر سندات لحشد التمويل لأهداف مكافحة التغير المناخي وحماية البيئة والتحول إلى الاقتصاد الأخضر. وفي ختام المناقشة، قال محيي الدين إن العمل الحكومي يمنح القائم به فرصة للخدمة العامة ويساعد الموظف على اكتساب خبرات هامة، لكن يجب على الموظف الحكومي كقيادة مستقبلية كذلك الانخراط في برامج تنفيذية لصقل المواهب واكتساب خبرات من القطاع الخاص، موضحًا أن بعض الحكومات أصبحت تشجع على جذب خبرات من الشركات والمجتمع المدني للجمع بين خبرات ومهارات القطاعين الحكومي والخاص بما يعزز من كفاءة الموظف الحكومي ويساهم في التنفيذ الأمثل لخطط العمل