ديفيد ليفير دود (23 أغسطس 1895 – 18 سبتمبر 1988) هو أكاديمي أمريكي ومحلل مالي ومؤلف واقتصادي ومستثمر، ويُعرف بشكل خاص كشريك لبنجامين غراهام، الأب المؤسس لما يُعرف بـ«الاستثمار القيمي». لعب دود دوراً محورياً في تشكيل هذا النهج الاستثماري المحافظ، الذي لا يزال يؤثر في عالم المال والاستثمار حتى اليوم. وُلد دود في مدينة مارتينسبيرغ بولاية فيرجينيا الغربية، حيث تخرج من مدرسة «هاي ستريت» الثانوية في عام 1916، وكان والده حينها مدير المدرسة. حصل على شهادة البكالوريوس في العلوم من جامعة بنسلفانيا في عام 1920، ثم على الماجستير من جامعة كولومبيا بعد عام واحد فقط، وهو ما مهد لبداية مسيرته الأكاديمية اللامعة هناك. عندما وقع الانهيار الكبير في «وول ستريت» في عام 1929، خسر غراهام معظم ثروته، ما دفعه لإعادة التفكير جذرياً في أساليب الاستثمار. قرر أن يعلّم أفكاره الجديدة في جامعة كولومبيا، لكن بشرط أن يتولى شخص ما تدوين محاضراته. تقدم دود، وكان حينها محاضراً شاباً، للقيام بهذه المهمة. تحولت هذه الملاحظات إلى كتاب «تحليل الأوراق المالية» الذي صدر في عام 1934، ويُعد حجر الأساس في منهج الاستثمار القيمي، ويعدّ أطول كتاب مالي بقاءً في الطباعة حتى اليوم. بدأ دود مسيرته أستاذاً في الاقتصاد في كولومبيا في عام 1922، ثم تنقّل بين التدريس في المالية والاقتصاد حتى حصل على الدكتوراه في عام 1930. تولّى بعد ذلك عدة مناصب أكاديمية في كولومبيا حتى تقاعده في عام 1961 كأستاذ متميز. كما شغل منصب نائب عميد كلية إدارة الأعمال بين عامي 1948 و1952. في الذكرى الخمسين لصدور كتاب «تحليل الأوراق المالية»، منحته جامعة كولومبيا درجة الدكتوراه الفخرية تقديراً لإنجازاته. وقد حضر التكريم الرئيس الجامعي مايكل سوفيرن خلال حفل التخرج رقم 230 للجامعة. خدم دود في البحرية الأمريكية خلال الحرب العالمية الأولى من عام 1917 إلى 1919، وترقى من رتبة بحار إلى ملازم. بعد الحرب، عمل كمساعد بحثي في بنك التجارة الوطني في نيويورك، ثم كمستشار مالي للعملاء الأفراد، ولاحقاً شريكاً في صناديق استثمارية يديرها بنجامين غراهام. ارتبط اسم دود ارتباطاً وثيقاً بمصطلحات مثل «الاستثمار القيمي»، «هامش الأمان»، و«القيمة الجوهرية». وعلى الرغم من صعود نظرية المحفظة الحديثة (MPT) في خمسينات القرن العشرين وما بعدها، بقي الاستثمار القيمي نهجاً صلباً قاوم التيار السائد في الأوساط الأكاديمية والمالية. في حين تُؤمن «MPT» بأن سعر السوق يعكس القيمة الحقيقية للسهم، يرفض المستثمرون القيميون هذا الافتراض، ويرون أن السوق يخطئ أحياناً في تقييم الأصول. وبهذا المنظور، يصبح انخفاض سعر السهم فرصة للشراء إذا كانت أساسيات الشركة سليمة، لا دليلاً على الخطر كما ترى نظرية المحفظة الحديثة. وفي العقود التي تلت وفاته، شهد الاستثمار القيمي نهضة جديدة بقيادة الأكاديمي بروس غرينوالد، الذي أعاد إحياء منهج غراهام ودود في جامعة كولومبيا، ليصبح محوراً أساسيا في تعليم المالية. وبدلاً من اعتباره مجرد مهارة مهنية، أصبح يُدرس كعلم متكامل مدعوم بالبيانات والنجاحات العملية. وحتى في مواجهة الإحصاءات الحديثة التي تحاول نسب نجاح وارين بافيت إلى الصدفة، لا يمكن إنكار أن نظرية دود وغراهام قدمت إطارا متماسكاً أثبت فعاليته لعقود من الزمن. تزوج دود من إلسي مارجريت فيرور في عام 1924، وعاش في حي «مورنينغسايد هايتس» بنيويورك في خمسينات وستينات القرن العشرين. توفي في الـ 18 من سبتمبر من عام 1988 عن عمر يناهز 93 عاماً في ولاية ماين. ترك وراءه إرثاً فكرياً ضخماً، وتواصل ابنته باربرا دود أندرسون دعم هذا الإرث من خلال مركز هايلبرون للاستثمار القيمي في جامعة كولومبيا. واليوم، يُعدّ ديفيد دود أحد الرواد الحقيقيين في عالم الاستثمار، ليس فقط بفضل مساهماته الفكرية، بل لأنه ساعد على ترسيخ مبدأ جوهري في عالم المال: أن الاستثمار الناجح لا يقوم على التوقعات بل على التحليل العميق والانضباط والسعي خلف القيمة الحقيقية. ولا يزال اسم «غراهام ودود» يُمثل حتى الآن حجر الزاوية في عالم الاستثمار المدروس.