شون ويليامز* شهد هذا الشهر نشاطاً استثنائياً لمساهمي «بيركشاير هاثاواي»، وللمستثمرين الذين يتابعون عن كثب أفكار الرئيس التنفيذي للشركة، الملياردير وارن بافيت، ونشاطه التجاري.ففي 3 مايو/ أيار، عقدت بيركشاير اجتماعها السنوي، بحضور نحو 40 ألف شخص، وأعلنت نتائجها التشغيلية للربع الأول. وتتضمن اجتماعات الشركة السنوية عادة نصائح ورؤىً استثمارية قيّمة من عرّاب أوماها وكبار مستشاريه، إلا أن العنوان الأبرز لحدث هذا العام، كان إعلان بافيت تنحيه عن منصب الرئيس التنفيذي وتسليم الراية إلى غريغ أبيل، بحلول نهاية العام الجاري.ولكن وراء هذا الإعلان تكمن قصة أكثر دلالة، فتصرفات بافيت الأخيرة تُرسل رسالة قوية لا يُمكن للمستثمرين تجاهلها.لقد اكتسب بافيت سمعته، بفضل تفوقه المستمر على السوق، فمنذ توليه رئاسة «بيركشاير» قبل ستة عقود وحتى 12 مايو، ارتفع العائد التراكمي لأسهم الشركة من الفئة «أ» بنحو مذهل، عند 6,230,236%، مقارنةً بإجمالي عائد مؤشر «ستاندرد آند بورز»، البالغ نحو 39000% خلال الفترة نفسها.ويعود نجاحه إلى الاستثمار طويل الأجل، وتفضيله للشركات ذات المزايا التنافسية المستدامة، وتلك التي تُعيد رأس المال، من خلال توزيعات الأرباح أو عمليات إعادة الشراء. كما شجّع باستمرار على استثمار رأس المال، سواء من خلال عمليات الاستحواذ أو محفظة استثمارات الشركة في الأسهم. ولكن تبقى هناك مشكلة واحدة، وهي أن الملياردير العجوز كان بائعاً صافياً للأسهم، ولفترة طويلة.ووفقاً لتقارير التدفقات النقدية لـ «بيركشاير هاثاواي»، باع بافيت، خلال الثلاثين شهراً الماضية، أسهماً أكثر مما اشترى بكثير، بلغت قيمتها 174.4 مليار دولار، منها 1.49 مليار دولار، في الربع الأول من عام 2025. وهذا البيع المستمر لم يكن سلوكاً نموذجياً لمدير أموال عريق، بنى أسطورته المهنية بالكامل حول اغتنام فرص الاستثمار في شركات أخرى.ظاهرياً، يبدو أن شيئاً لم يتغير. إذ يؤمن بافيت، إلى جانب مساعديه تود كومبس وتيد ويشلر، إيماناً راسخاً بالاقتصاد الأمريكي وسوق الأسهم على المدى الطويل، ولطالما حذّر المستثمرين من الرهان ضد بلاده. ومع ذلك، فإن بيانات التدفقات النقدية لشركته لا تكذب. لقد كان بائعاً صافياً للأسهم لعشرة أرباع متتالية، وهناك تفسير واحد فقط وراء ذلك، وهو «التقييم».يُعرف عن بافيت تفاؤله بشأن الأسواق الأمريكية، ولكنه أيضاً مستثمر منضبط، ويرفض دفع مبالغ زائدة، مقابل أي أصل، مهما كان جذاباً، إن لم يكن تقييمه منطقياً. وتردده في الشراء، يُؤكد وجهة نظره بأن التقييمات الحالية مُبالغ فيها.يمكن القول إنه لا يوجد كيان أقرب إلى قلب بافيت من «بيركشاير»، فبعد أن عدّل مجلس الإدارة بعض القواعد التنظيمية في منتصف يوليو/ تموز 2018، أعاد الرئيس التنفيذي، وعلى مدار 24 ربعاً متتالياً، شراء ما قيمته 78 مليار دولار من أسهم شركته. وهذا يوفق ما استثمره في شركات «أبل»، و«بنك أوف أمريكا»، و«أمريكان إكسبريس»، و«كوكا كولا»، و«شيفرون»، و«أوكسيدنتال بتروليوم» مجتمعة.رغم ذلك، ولثلاثة أرباع متتالية، من يوليو 2024 إلـــى مارس/ آذار 2025، لـــم تُعِـــد «بيركشاير» شراء سهم واحد. والسبب؟ أن السهم يتم تداوله بعلاوة تتراوح بين 60% و80% من قيمته الدفترية، وهي نسبة أعلى بكثير من نطاق العلاوة الذي تراوح بين 30% و60%، من منتصف عام 2018 إلى منتصف عام 2024. بالتالي، حتى أسهم شركته، لم تعد تُلبي تعريفه الصارم لـ «القيمة». بعبارة أخرى، أثبتت تقييمات القيمة السوقية العالية باستمرار عدم استدامتها على المدى الطويل، ما أدى إلى انخفاضات كبيرة في أسعار الأسهم.ورغم أن تصحيح الرئيس دونالد ترامب لسوق الأسهم في مؤشر «ستاندرد آند بورز» القياسي، الناجم عن الرسوم الجمركية، خفّض لفترة وجيزة جداً مكرر «شيلر» للسعر إلى الربح، المعدل دورياً، من ثالث أغلى تقييم له، خلال سوق صاعدة مستمرة منذ 154 عاماً، إلا أن الانتعاش الذي شهده في الأسابيع الأخيرة دفع مكرر ربحية «شيلر» إلى ما يقرب من 36 مرة أخرى.وينطبق الأمر نفسه على «مؤشر بافيت»، وهو أداة تقييم، وصفها العرّاب نفسه عام 2001 بأنها «ربما أفضل مقياس منفرد لحالة التقييمات»، تقيس إجمالي القيمة السوقية للأسهم الأمريكية، مقسوماً على الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.تتمثل الحقيقة غير السارة للمستثمرين، في أن مبيعات بافيت الصافية من الأسهم، والتي بلغت 174 مليار دولار، ليست مجرد تحركات مالية، بل هي بمثابة بيان أن الأسواق لا تزال باهظة الثمن تاريخياً، وقيمتها نادرة، والمخاطر آخذة في الارتفاع.إن التقييمات المرتفعة الحالية تعني أن العائدات المستقبلية للمستثمرين، ستكون مخيبة للآمال ما لم تتحسن الأرباح ويتعزز النمو الاقتصادي. وقد يكون التصحيح ضرورياً في هذه المرحلة لاستعادة فرص الاستثمار الجذابة.في النهاية، بافيت لا يتخلى عن السوق، بل ينتظر بصبر، مستعداً للهجوم عندما يكون السعر مناسباً. ومن الحكمة أن يحذو المستثمرون حذوه.* كاتب عمود متخصص في شؤون الرعاية الصحية والاقتصاد الكلي «إم إس إن»