د. رامي كمال النسور *
أصبح انخفاض معدلات المواليد اتجاهاً ديموغرافياً محدداً في العديد من البلدان المتقدمة والنامية. ومع انخفاض معدلات الخصوبة إلى ما دون مستويات الإحلال المعدل اللازم للحفاظ على استقرار السكان فإن العواقب المترتبة على النمو الاقتصادي كبيرة ومتعددة الأوجه. وفي حين قد تختلف التأثيرات عبر المناطق، فإن التأثير الشامل لانخفاض معدلات المواليد، يشير إلى تحديات وفرص عميقة لصناع السياسات والشركات والمجتمعات على نطاق واسع.
لكي نفهم موضوع الانخفاض في معدلات المواليد، نود التوضيح أنه قد انخفضت معدلات الخصوبة على مستوى العالم، بسبب مجموعة من العوامل، بما في ذلك:
1- التنمية الاقتصادية:
مع تطور البلدان، يسهم التحضر ومستويات التعليم الأعلى، وتحسين الوصول إلى وسائل منع الحمل في انخفاض معدلات الخصوبة. وتؤخر النساء بشكل متزايد الولادة لمتابعة حياتهن المهنية، ما يقلل من الخصوبة مدى الحياة.
2- التحولات الثقافية:
لقد تغيرت المعايير المجتمعية حول حجم الأسرة. أصبحت الأسر الأصغر حجماً هي القاعدة، متأثرة بارتفاع تكاليف المعيشة، وتغير المواقف تجاه الزواج والأبوة.
3- الشيخوخة السكانية:
في البلدان التي تعاني الشيخوخة السكانية، يسهم عدد أقل من النساء في سن الإنجاب في الولادات الجديدة، ما يخلق حلقة مفرغة من انخفاض السكان.
4- فجوات السياسات:
يؤدي الدعم غير الكافي للآباء العاملين، مثل إجازة الوالدين غير الكافية، وخيارات رعاية الأطفال، والقدرة على تحمل تكاليف الإسكان، إلى تثبيط عزيمة الأفراد عن إنجاب المزيد من الأطفال. وبناء على ما ذكرت سابقاً، ما هي التأثيرات الاقتصادية لانخفاض معدلات المواليد في البداية، يأتي انكماش القوى العاملة، حيث يؤدي انخفاض معدلات المواليد إلى انخفاض عدد الشباب، الذين يدخلون سوق العمل، ما يقلل من المعروض من العمالة بمرور الوقت. يمكن أن يؤدي انكماش القوى العاملة إلى إبطاء الإنتاجية الاقتصادية، وإعاقة الإبداع، وزيادة ضغوط الأجور.
كما تؤدي معدلات المواليد المنخفضة إلى تسريع شيخوخة السكان، ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الإعالة (نسبة كبار السن غير العاملين إلى الأفراد في سن العمل). وهذا يخلق ضغوطاً مالية أكبر على الرعاية الصحية والمعاشات التقاعدية وأنظمة الضمان الاجتماعي.
وتؤدي أعداد السكان الأصغر إلى انخفاض الطلب على السلع والخدمات، وخاصة في قطاعات مثل الإسكان والتعليم وتجارة التجزئة. يمكن أن يؤدي الانخفاض الطويل الأجل في إنفاق المستهلك إلى إضعاف النمو الاقتصادي.
كما أنه من هذه التأثيرات، غالباً ما يقود الشباب الابتكار وريادة الأعمال. قد يؤدي انخفاض عدد العمال الشباب إلى تباطؤ تبني التقنيات الجديدة وانخفاض عدد الشركات الناشئة، ما قد يقلل من قدرة الدولة على المنافسة.
وأخيراً، فإن انخفاض معدلات المواليد في منطقة واحدة من الممكن أن يؤدي إلى تفاقم الاختلالات الاقتصادية العالمية. وقد تصبح البلدان التي تعاني الشيخوخة السكانية أكثر اعتماداً على الهجرة أو أسواق العمل الأجنبية لدعم النمو، الأمر الذي قد يؤدي إلى توترات سياسية واجتماعية.
والحقيقة أن هذه الظاهرة تنسحب الآن على كل دول العالم، لكن بنسب متفاوتة فمثلاً الاختلافات الإقليمية تعاني دول مثل اليابان وإيطاليا وألمانيا بالفعل التأثيرات الاقتصادية لانخفاض معدلات المواليد. على سبيل المثال، شهدت اليابان ركوداً في النمو الاقتصادي، وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية مع تقدم سكانها في السن. ومع ذلك، فقد خففت السياسات الاستباقية في دول مثل فرنسا والسويد، والتي تشمل إجازات سخية للوالدين ودعم رعاية الأطفال، من بعض هذه التأثيرات.
وفي حين لا يزال العديد من الدول النامية تعاني معدلات خصوبة مرتفعة نسبياً، تشهد دول مثل الصين وكوريا الجنوبية انخفاضات سريعة، بسبب التحضر والضغوط الاقتصادية. تواجه هذه الدول التحدي المزدوج المتمثل في إدارة انخفاض الخصوبة، أثناء الانتقال من مرحلة النمو المرتفع، فالصين مثلاً بعد عقود من فرض سياسة الطفل الواحد، أصبحت تكافح الآن مع شيخوخة السكان وتقلص القوى العاملة. وقد قدمت الحكومة تدابير مثل الإعفاءات الضريبية وإجازة الأمومة الموسعة لتشجيع الخصوبة الأعلى، لكن التأثيرات الاقتصادية لتحولها الديموغرافي محسوسة بالفعل.
أما الدول العربية، فإنها حتى الآن ما زالت تشهد معدلات نمو سكاني ملحوظة، وهذا من شأنه تغذية الطلب على السلع والغذاء والسكن والوظائف، ما يرتب على هذه الدول ضرورة السعي إلى المزيد من المشاريع، من أجل خلق فرص عمل تغطي هذه المعدلات من النمو.
في الختام يتعين على الحكومات والشركات والأفراد التكيف مع هذا الواقع الديموغرافي الجديد، مع إدراك أن النمو الاقتصادي المستدام سيتطلب حلولاً مبتكرة وسياسات شاملة ورؤية طويلة الأجل. ومع تطور ديناميكية السكان العالمية، يجب أن يتطور أيضاً نهجنا، لتعزيز الرخاء في عصر انخفاض معدلات المواليد.
* مستشار الأسواق المالية والاستدامة
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.