اقتصاد / صحيفة الخليج

هل تعيد روسيا اختراع اقتصادها؟

يرزان توكبولات*

اتفقت المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي على فرض حزمة عقوبات اقتصادية جديدة على روسيا بعد أن تبددت آمال وقف إطلاق النار مع أوكرانيا. وعلّق فرنسي قائلاً: «حان الوقت لخنق» الاقتصاد الروسي.
ومنذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية عام 2022، عانى اقتصاد موسكو بلاشك. وأدت العقوبات المفروضة على البلاد إلى انخفاض قيمة الروبل، وارتفاع التضخم، وجموح أسعار الفائدة بشكل كبير، والنتيجة ركودٌ نسبي في الاقتصاد. ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما هو تأثير الإجراءات الجديدة، خصوصاً أن لفلاديمير بوتين تاريخ في تجاوز الصعوبات الاقتصادية.
فعندما تولى الرئاسة قبل أكثر من 25 عاماً بقليل، كان اقتصاد روسيا في حالة يرثى لها. ولم تُجدِ محاولات سلفيه ميخائيل غورباتشوف وبوريس يلتسين لبناء نظام أكثر انفتاحاً ورأسمالية نفعاً مع معظم المواطنين الروس.
وبدلاً من ذلك، استفادت مجموعة صغيرة من الأوليغارشيين، في الغالب، من موجة سريعة من عمليات الخصخصة، والتي أمل الإصلاحيون أن تُسهم في بناء مؤسسات قوية، مستغلين ضعف الدولة آنذاك وفسادها للاستيلاء على أصول النفط والغاز والمعادن الرئيسية.
قاوم هؤلاء الإصلاحات القانونية، ونقلوا ثرواتهم إلى الخارج، وفشلوا في الاستثمار في الاقتصاد المحلي، وسيطروا تدريجياً على الشركات الكبرى ووسائل الإعلام، موسّعين بذلك نفوذهم السياسي. وبحلول عام 1995، انغمس أكثر من نصف الروس في حالة فقر شديد. وفاقمت أزمة عام 1998 الوضع أكثر، حيث أدى الركود العالمي وانخفاض أسعار السلع الأساسية إلى اختلالات مالية وشكوك حول قدرة موسكو على خدمة ديونها والحفاظ على سعر الصرف الثابت. فرفع البنك المركزي أسعار الفائدة إلى 150% في محاولة لتثبيت الروبل، لكن هذه المحاولة باءت بالفشل. ما أفسح المجال في لتعويم العملة، التي فقدت نحو ثلثي قيمتها.
وعندما تولى بوتين السلطة عام 2000، واجه تحدي إعادة بناء الاقتصاد الروسي. ولحسن حظه، حفّزت طفرة النفط والغاز، حتى عام 2008، نمو الناتج المحلي الإجمالي، ما أدى إلى زيادة الدخول، وسمح بالسداد المبكر للديون الوطنية. فتلقى بوتين دفعة اقتصادية وشعبية قوية رسّخت حكمه.
كما ساعد ارتفاع عائدات على دعم استقرار الاقتصاد، ومكّن الدولة من إحكام قبضتها على القطاع. وبحلول عام 2006، بلغت حصة شركة «غازبروم» 20% من عائدات الضرائب الحكومية.
ثم حوّل بوتين تركيزه إلى أوروبا. وبدعم ألماني، اكتمل خط أنابيب نورد ستريم في عام 2011، والذي أتاح تصدير الغاز مباشرة إلى أوروبا الغربية متجاوزاً أوكرانيا، ما أدى إلى زيادة الاعتماد الأوروبي على الطاقة الروسية.
إلا أن نموذج بوتين الاقتصادي القائم على النفط والغاز واجه صعوبة في الحفاظ على النمو، وبحلول عام 2013، تراجعت شعبية الزعيم الروسي إلى أدنى مستوى لها منذ عام 2000، لكن دورة الشتوية في مدينة سوتشي عزّزت تلك الشعبية. ومع ذلك، لم تُسهم هذه الإنجازات في معالجة المشاكل الاقتصادية الجوهرية التي تواجهها روسيا، وخاصةً فشلها في بناء اقتصاد متنوع.
وبحلول عام 2018، واجه الاقتصاد الركود من جديد، مع ضعف العملة وتراجع مستويات المعيشة. وسادت شكوك واسعة النطاق حول نموذج بوتين للازدهار الدائم، الذي اعتمد على النمو الذي تقوده الدولة، ولكنه اتسم بعدم الاستقرار والاعتماد على الموارد وتنامي الطموح الجيوسياسي.
وفي ضوء ذلك، بدت حرب روسيا على أوكرانيا تكتيكاً مألوفاً لتعزيز الدعم. وبحسب بعض استطلاعات الرأي، ارتفعت نسبة تأييد بوتين شعبياً إلى 83% بعد الحرب، لتتطابق مع المستويات التي سُجلت بعد ضم شبه جزيرة القرم عام 2014. وظلت شعبيته مرتفعة منذ ذلك الحين، متجاوزة حاجز ال 80%.
لكن الاقتصاد الروسي لا يزال يدور في دوامة من القلق. إذ لا يمكن أن يستمر «اقتصاد الحرب»، الذي يركز فيه التصنيع والاستثمار على الصراع إلى الأبد، لا سيما وأن المنتج الصناعي ينضب بسرعة مع استخدامه من قبل الجيش الروسي في الميدان. وقد أدى الاعتماد على السلع الأساسية إلى تفاقم تأثير العقوبات، ما أثر في بنوك وشركات طاقة رئيسية مثل «غازبروم» و«روسنفت».
وإذا تم الاتفاق على وقف إطلاق النار، فإن ذلك سيُتيح لروسيا فرصة إعادة تنظيم صفوفها والتعافي اقتصادياً. فغالباً ما تكون العقوبات مؤقتة، ولا يزال الطلب العالمي على النفط والغاز قوياً، وبالتالي قد تستأنف بعض الدول نشاطها التجاري معها.
في المقابل، ربما يُغذي الركود الاقتصادي المستقبلي الحرب مرة أخرى. وما لم تُجرِ روسيا إصلاحات هيكلية وتُعيد تعريف دورها في الاقتصاد العالمي من خلال تقليل الاعتماد على صادرات الموارد، والانخراط بشكل بنّاء أكثر في الأسواق العالمية، فربما تتكرر دورة المواجهة، مع عواقب عالمية بعيدة المدى.
* محاضر في المالية، جامعة «كوينز بلفاست» *ذا كونفرزيشن

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا