ويسي دو تويت*
«إذا أردتم صفع الصين، فسترد الصين الصفعة». هذا ما صرّح به فيكتور غاو، المحامي والمؤيد القوي للحزب الشيوعي الصيني الحاكم، في مناظرة جرت مؤخراً مع إليوت أبرامز، المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأمريكية.
كان تحدي غاو المباشر والصارم نموذجاً للنبرة التي اعتمدتها بكين في بداية حربها التجارية الأخيرة مع واشنطن. فبينما رفع دونالد ترامب الرسوم الجمركية على السلع الصينية إلى 145%، قبل الاتفاق الأخير، ردّت الصين برسوم بلغت 125%، وبأنها غير مهتمة بالتفاوض ما لم يتراجع ترامب عن سياسته أولاً.
يتوافق هذا الكبرياء والنزعة الهجومية مع نظرة العالم للصين في الوقت الراهن، «سفينة محكمة القيادة، وفي وضع يسمح لها بأن تكون المستفيد الأول من انهيار الولايات المتحدة». لكن نظرة مُعمّقة تُظهر أن الصورة أكثر تعقيداً بكثير.
لقد أتقنت الصين إخفاء معدلات ديونها المرتفعة ومستويات الدخل المنخفضة في الصورة الاقتصادية التي تُقدمها للعالم. وقد أدى تدخل الحكومة في الاقتصاد إلى هدرٍ كبير واستثمارات مُفرطة في قطاعات غير مُنتجة. صحيحٌ أن النمو المذهل للصين حقيقي، لكن القوة الكامنة لاقتصادها على المحك في هذه الحرب التجارية.
مع ذلك، ووسط هذه الفترة المُضطربة، يبدو أن الصين تمتلك بعض الأوراق الرابحة. ببساطة، يصعب على الولايات المتحدة استبدال الواردات الصينية، والعكس «غير صحيح». فمن بين السلع التي تُوردها الصين، التي لديها فائض تجاري قدره 300 مليار دولار مع الولايات المتحدة، شحنات قيّمة من الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر، والآلات الصناعية، والمعادن الأرضية النادرة المستخدمة في مختلف المنتجات عالية التقنية مثل بطاريات السيارات الكهربائية والأسلحة المتطورة. فيما تشمل الصادرات الأمريكية إلى الصين بعض السلع المتطورة مثل قطع غيار الطائرات والمواد الكيميائية، كما تُركّز على الوقود الأحفوري، والمنتجات الزراعية كفول الصويا.
علاوة على ذلك، فإن نحو 40% من واردات الولايات المتحدة من الصين هي مكونات يستخدمها قطاع التصنيع الأمريكي نفسه. لذا، فإن رسوم ترامب الجمركية لن تُلحق الضرر بالمستهلكين الأمريكيين فحسب، بل ستُؤذي المصانع والمزارع الأمريكية أيضاً.
لقد استغلت الصين موقعها كمركز تصنيع عالمي للهيمنة على سلاسل توريد العديد من الموارد والمنتجات الحيوية. وتُعدّ اليابان والهند وأستراليا من بين الاقتصادات الرئيسية التي تتاجر معها أكثر من الولايات المتحدة، ولن يكون استبدال الواردات الصينية بالأمر السهل عليها مقارنة بالأمريكية.
يتساءل البعض، إذا كانت بكين واثقة من قدرتها إلى هذا الحد، فلماذا خففت النبرة، ووافقت على التفاوض مع واشنطن لخفض الرسوم الجمركية على الجانبين؟ وإذا اعتبرت نفسها قوة اقتصادية هائلة، تبيع سلعها حول العالم، فلماذا نسمع باستمرار أنها غارقة في الديون؟ وفي هذا الصدد، لماذا يُعد الشعب الصيني في المتوسط فقيراً، مع دخل لا يتجاوز 6000 دولار للفرد سنوياً، وفقاً للهيئة الوطنية للإحصاء في البلاد؟ تشير هذه التساؤلات إلى أن النموذج الاقتصادي الصيني، على الرغم من نقاط قوته التي لا شك فيها، يُعاني بثوراً عميقة.
ويُجمع الاقتصاديون على أن الصين بحاجة ماسة إلى التحول نحو مستويات أعلى من إنفاق الأسر. فبدلاً من ضخّ الأموال على المزيد من مشاريع السكك الحديدية والسيارات وآلات المصانع، ينبغي على الحكومة أن تسعى إلى رفع القدرة الشرائية للمستهلكين الصينيين، ما يخلق طلباً محلياً على السلع والخدمات. وقد خطت البلاد بالفعل بعض الخطوات، ولكن المترددة، في هذا الاتجاه.
ولخّص شيانغ سونغتسو، الخبير الاقتصادي في جامعة الشعب ببكين، مشاكل البلاد في عام 2019 قائلاً: «إن اقتصاد الصين في الأساس مبني بالكامل على المضاربة، وكل شيء مُثقل بالديون». وكان المثال الأبرز على ذلك قطاع العقارات، وهو فقاعة عملاقة شكلت أكثر من ربع الناتج الاقتصادي الوطني قبل أن تنهار في عام 2021. والنتيجة، عشرات الملايين من الشقق الخالية، ومثلها قيد البناء ولم تُستكمل، أما المأهولة منها، فقد انخفضت قيمتها بشكل كبير. ناهيك عن الخسائر المالية التي تكبدتها الحكومات المحلية والشركات الكبرى.
وضاعف انهيار سوق العقارات الاقتراض الصيني، ليبلغ دين القطاع الحكومي، بما في ذلك أدوات تمويل الحكومات المحلية والصناديق المرتبطة بها، 124% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، في حين بلغ إجمالي دين الصين 312% من الناتج المحلي الإجمالي. وقد ارتفع كلا الرقمين بشكل حاد خلال السنوات الخمس الماضية.
لا يعني هذا أن الصين سستسلم، أو أن انهيارها مؤكد في حرب تجارية طويلة الأمد. فهي لا تزال تملك نقاط قوة حقيقية، أهمها قبضتها الفولاذية على سلاسل التوريد العالمية، ودرجة عالية من الاعتماد على الذات، وقدرة فائقة على منافسة الولايات المتحدة في التكنولوجيات المتقدمة.
ومع ذلك، فإن حرص الصين الواضح على التفاوض بشأن التعريفات الجمركية يؤكد اعتمادها المتزايد على الفوائض التجارية بوصفها واحدة من الطرق القليلة التي يمكن لبكين من خلالها تحقيق النمو دون تحمل المزيد من الديون.
* كاتب مستقل «منصة بيرسويغن»
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.