د. لويس حبيقة الثورة التكنولوجية حاصلة اليوم وتتطور بشكل مختلف عن الماضي لتنذر قيادات الشركات الكبرى والصغرى بضرورة التأقلم مع متطلباتها وخصائصها. هنالك تحولات كبرى تحصل في الاقتصاد الدولي وداخل كل دولة، لكنها مختلفة عما حصل خلال العقود الماضية. فالتكنولوجيا تطورت كثيراً وما زالت تتطور. دخلنا منذ زمن غير بعيد إلى العالم الرقمي والمشفر، ومن لا يعتمد على الذكاء الاصطناعي وما يتبعه من تطورات تقنية كبيرة أو أقله من لا يحاول استيعاب التغييرات والتأثيرات، يخرج عملياً من سوق الإنتاج والعمل والتوقعات والتسويق.فالتكنولوجيا لها تطورات وتأثيرات تختلف، لكن ما يحصل اليوم هو أن الاقتصاد الدولي كما المحلي تغيرا أيضاً، وبالتالي يتجاوبان بطرق مختلفة عن الماضي في ما يخص التأثيرات الأساسية. في الماضي كان توزع الإنتاج يختلف من تأثير كبير للزراعة إلى تأثير كبير للصناعة. أما اليوم فالقطاع الأهم على المستوى العالمي هو الخدمات الذي يتأثر بالتكنولوجيا بطرق مختلفة وهذا طبيعي وواقعي ومنتظر.تأثيرات التكنولوجيا ستكون كبيرة في أسواق العمل من ناحيتي نسب البطالة التي يمكن أن ترتفع ومن ناحية محتوى العمل الذي سيكون مختلفاً. من مخاطر التكنولوجيا الحالية إمكانية استبدال العامل بالماكينات المتطورة التي تتعلم وتنتج وأصبحت دقيقة وفعالة في عملها. أما في محتوى العمل، لم يعد كافياً للعامل والموظف أن يتصرفا كالسابق ليحافظا على عملهما بل عليهما تطوير نفسيهما حتى يفوزا على الماكينات ويثبتا أن لا بديل عنهما في الأسواق. من الطبيعي أن يكون لهذه التأثيرات الكبيرة في أسواق العمل انعكاس على النمو العام كما على الاستقرار والبحبوحة الاجتماعية التي نسعى جميعاً إلى تحقيقها.هنالك رابط يقوى بين العولمة والتطور التكنولوجي من الصعب تجنبه بل من المستحيل مقاومته. فالعولمة ستعود إلى الواجهة بفضل التقدم التكنولوجي والاقتصاد الجديد الذي يربط العالم أكثر فأكثر ببعضه. عندما كان الاقتصاد مرتكزاً على الزراعة وثم الصناعة كان من الصعب توزيع الإنتاج جغرافياً، بل كانت هنالك ضرورات كبيرة لبقاء المنتجين يعملون وجهاً لوجه في الإنتاج والاستهلاك والتسويق. أما اليوم، فالشركات التي تعمل وتنتج في دولة ما يمكنها أن تتكل على من يساعدها في دول أخرى وهذا ما يؤمنه قطاع الاتصالات كما التطورات التكنولوجية الكبرى المستمرة. خصائص الإنتاج كما ركائز المنافسة تغيرت جداً.تعودنا في كل الاقتصادات على وجود حماية قوية لمعظم الخدمات المهنية بسبب ضرورة تواجد المتعاملين وجهاً لوجه في نفس المكان، وهذه كانت حال مثلاً الخدمات الطبية والتعليمية والصحية. أما اليوم فلم يعد هذا مطلوباً بسبب إمكانية الحصول على تلك الخدمات أو الاستشارات عبر التكنولوجيا التي قتلت المسافات وقوت الاتصالات بين الطلب والعرض. من كان يعتقد أن الاستشارة الطبية يمكن أن تتم عن بعد. أما اليوم فلم يعد هذا عجيباً بل معتمداً خاصة في الدول غير المتطورة طبياً، كما أصبح ممكناً القيام حتى بالعمليات الجراحية عن بعد وهذا مدهش.* كاتب لبناني