اقتصاد / صحيفة الخليج

هل تضاءلت مزايا أمريكا التنافسية؟

جون مانزيلا *

لا يختلف اثنان على أن الولايات المتحدة تُعد قوة اقتصادية لا تُضاهى، فهي تمثل 4% من سكان العالم، و24% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وعند مقارنة النجاح الاقتصادي لأمريكا بالاقتصادات الكبرى الأخرى، يتضح حجم إنجازاتها. فعلى سبيل المثال، كانت الولايات المتحدة ومنطقة اليورو متساويتين تقريباً في الحجم الاقتصادي، حتى عام 2008، أما اليوم فقد تضاعف الاقتصاد مرتين، مقارنة بنظيره الأوروبي.
وينبع جزء كبير من هذا الأداء الاستثنائي من التزام أمريكا التقليدي بالأسواق الحرة، وقدرتها على جذب ألمع العقول وأكثرها ابتكاراً في العالم. ومع ذلك، وبسبب التحولات السياسية، تواجه الهيمنة الاقتصادية الأمريكية تهديدات متزايدة، تُقوّض مزاياها التنافسية الأساسية، وتُضعف مكانتها الاقتصادية بشكل جذري.
وتشمل نتائج هذه التحولات في السياسات ما يلي: (1) التخلي عن النظام التجاري الدولي، وعزل حلفائنا في وقت تشتد الحاجة إليهم لمواجهة . (2) إضعاف قوة الابتكار الأمريكية، من خلال وقف تمويل المؤسسات البحثية، ورفض أذكى طلاب العالم. (3) تفاقم نقص العمالة في الولايات المتحدة، من خلال ترحيل المهاجرين الملتزمين بالقانون.
لقد صُمم المحرك الاقتصادي الأمريكي، الذي يزدهر بفضل وفورات الحجم، لإيجاد حلول ل8 مليارات مستهلك في العالم، وليس فقط ل340 مليون مستهلك أمريكي. والصادرات ليست سوى جزء من المعادلة، ففي كل عام تنتج الشركات الأمريكية المتعددة الجنسيات العاملة في الخارج، وتبيع ما يزيد بمرتين ونصف عن صادراتها من الوطن، وقد أفاد هذا الانخراط الدولي الولايات المتحدة بشكل كبير.
لكن التجارة طريق ذو مسارين، ففي عام 2024، بلغ متوسط معدل التعريفة الجمركية الفعلي، أو المرجح في الولايات المتحدة على الواردات 2.4%، ومنذ ذلك الحين، أدت سياسات التعريفة الجمركية، التي وضعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لعام 2025، والتي شملت تعريفات عامة أو مرتبطة بقطاعات محددة، أو تعريفات خاصة بكل دولة وأخرى متبادلة، لا سيما تلك التي فُرضت في «يوم التحرير» التي أُعلن عنها في إبريل/ نيسان 2025، إلى رفع الرسوم الجمركية الأمريكية إلى أعلى مستوياتها، منذ ثلاثينات القرن الماضي. ونتيجة لهذه الإجراءات، التي طُبّقت على أقرب حلفائنا وخصومنا على حد سواء، انسحبت الإدارة فعلياً من النظام التجاري الدولي.
وأدى عدم اليقين الناجم عن نهج التعريفات المتقطع والفوضوي ظاهرياً، إضافة إلى قرارات سياسية أخرى، إلى ارتفاع مؤشر عدم اليقين في السياسة الاقتصادية، الذي يقيس التقلبات، إلى أعلى مستوى له منذ 40 عاماً. كما ساهم ذلك في ارتفاع مؤشر التقلب «فيكس» إلى مستويات لم يشهدها التاريخ الأمريكي إلا مرات قليلة.
ويرتبط صعود مستويات عدم اليقين بهبوط مستويات ثقة الشركات، ما يؤخر أو يمنع استثمار الشركات في مشاريع جديدة. وليس من المستغرب أن تشير التوقعات الاقتصادية الصادرة عن مجلس الاحتياطي الفيدرالي في يونيو/ حزيران 2025 إلى انخفاض النمو الاقتصادي الأمريكي، خلال عامي 2025 و2026، مقارنة بتوقعاته السابقة في مارس/ آذار 2025. كما توقع الفيدرالي ارتفاع التضخم بشكل رئيسي جموح الأسعار بسبب الرسوم الجمركية. ولا يتوقف هذا التأثير المتسلسل عند هذا الحد، فوفقاً لتقرير البنك الدولي الصادر في يونيو 2025 بعنوان «الآفاق الاقتصادية العالمية»، سيؤدي الارتفاع الكبير في الحواجز التجارية، وآثار عدم اليقين السياسي، إلى تباطؤ النمو العالمي وصولاً لأدنى مستوياته منذ الركود الكبير عام 2008. ويُشير البنك الدولي إلى أن هذا الوضع قد يتفاقم، إذا تصاعدت القيود التجارية أو إذا استمر عدم اليقين السياسي.
إن المسار الاقتصادي الناتج عن انسحاب إدارة ترامب من النظام التجاري الدولي يشبه في بعض جوانبه خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي عام 2020. ومثلما تعلمت الأخيرة من «بريكست» فإن حالة عدم اليقين سببت ركوداً حاداً في الاستثمار الرأسمالي والبحث والتطوير من قبل الشركات الخاصة. وهذا بدوره سيؤدي إلى تراجع مزمن في معدلات نمو الإنتاجية، وركود في الدخول الحقيقية. وبدلاً من الاستفادة من التاريخ الحديث والكئيب فإن الأمريكيين الآن يستوعبون هذا الدرس بشكل مؤلم من خلال تكراره.
درس آخر مستفاد، وهو أنه إذا استمرت التعريفات الجمركية لفترة طويلة، أو أصبحت دائمة، فإن غياب المنافسة سيؤدي إلى ظهور منتجات باهظة الثمن ورديئة الجودة، فقد شهدت هذه الظاهرة بنفسي في برلين الشرقية أثناء سقوط جدار المدينة. كانت الشوارع مليئة بسيارات مهجورة ومعطلة، أو رديئة الصنع، تعود للحقبة السوفيتية، صُنعت في ألمانيا الشرقية بين عامي 1957و1991. ورغم أنها كانت تُباع بأسعار مرتفعة آنذاك، كان المشترون يتحملون قوائم الانتظار لاقتنائها.
لقد بُنيت الهيمنة الاقتصادية الأمريكية على الانفتاح والابتكار والمشاركة العالمية، وبالعودة فقط إلى هذه المبادئ الأساسية يمكننا ضمان بقاء القرن الحادي والعشرين قرناً أمريكياً. أما استمرار العزلة، والتخريب الذاتي، وتنفير الحلفاء بالتهديدات والرسوم الجمركية، فسيؤدي إلى مستقبل تصبح فيه أمريكا اقتصاداً من الدرجة الثانية في عالم كانت تقوده يوماً ما.

* متحدث وكاتب في مجال الأعمال والسياسات التجارية والرأسمالية والاتجاهات الاقتصادية. (فير أوبزيرفر)

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا