د. لويس حبيقة* هل يمكن للمصارف أن تصحح أوضاعها من الداخل، أو لا بد من تدخلات خارجية لمراقبة الأعمال والسلامة؟تشير كل الوقائع إلى أنه لا يمكن ترك المصارف تعمل من دون رقابة جدية من المصارف المركزية ومن خبراء المحاسبة وأجهزة الرقابة، ومن بقية المؤسسات المتنوعة، التي تختلف مهماتها من دولة إلى أخرى. في الولايات المتحدة، حصلت كارثة 2007-2008، بسبب عدم قيام أجهزة الرقابة بواجباتها تجاه المواطنين وأصحاب الودائع. مؤسسات الرقابة تقول إن إادارة الرئيس جورج بوش طلبت منها بشكل أو آخر غض النظر عن التهور والمخالفات، طالما أن النتائج المالية إيجابية ومرتفعة.لا بد من وجود أجهزة رقابة، تؤدي واجباتها دون أي تدخل في أعمالها، فالمصارف لن تصحح نفسها ولا بد من تدخل الأجهزة الرسمية لدفها نحو تطبيق مؤشرات السلامة الدولية. في لبنان، أعمال الرقابة المصرفية الرسمية كانت ضعيفة بالرغم من وجود رقابة خاصة داخلية وخارجية. الوهج غير المبرر الذي تمتع به مصرف لبنان، غطى على كل معايير وإجراءات الرقابة والسلامة، وبالتالي دفع لبنان نحو المجهول.هل يمكن لأصحاب المصارف أن يقوموا بالإصلاحات اللازمة، بالتعاون مع الزبائن الذين يمكن أن يضغطوا على الإدارة لتقوية السلامة المالية؟تشير التجارب إلى صعوبة ذلك لأن العديد من أصحاب الأسهم، كما العدد الأكبر من الزبائن المودعين والمقترضين، لا يملكون الكفاءة التقنية لتحسين أوضاع المصارف وتطوير أعمالها. من الأفضل الاستفادة من الخبراء أو من شركات الاستشارات.هل يمكن للقطاع العام وأجهزة الرقابة أن يقوما بإصلاح المصارف؟يمكن ذلك إذا لم يكن موجوداً، تضارب مصالح يحصل عندما يملك المصرف مسؤولين حكوميين أو رسميين كبار. في الدول التي يغيب عنها الفساد أو يكون ضعيفاً، تلعب الأجهزة الرسمية دوراً كبيراً في تصحيح عمل المصارف، عبر قوانين وقرارات تصب في مصلحة الاقتصاد والرأي العام والمواطن. في لبنان، تضارب المصالح موجود ومزدهر في كل القطاعات وخاصة المصرفي ولا من يراقب.هل يمكن توقع حصول أزمات مصرفية عالمية مستقبلية أم أن هذا أصبح مستحيلاً؟جميع التجارب تشير إلى إمكانية التكرار، خاصة بسبب الفساد والقوانين والإجراءات، التي تسمح كلها عن قصد أو غير قصد لأصحاب الجشع، باستغلال براءة المواطن لتحقيق أرباح كبيرة. مهما كانت الإجراءات صارمة، لا يمكن القول إن الأزمات العميقة لن تتكرر.الضمانة الوحيدة لحسن عمل المصارف هي نوعية الأشخاص الذين يديرونها من ناحيتي الخبرة والنزاهة. هناك جشع كبير عند بعض المسؤولين المصرفيين، لذا يجب التنبه لقراراتهم.هنا تكمن أهمية الرقابة الداخلية والخارجية. للأسف كان القطاع المصرفي عالمياً مضرب مثل للقطاع المنتج، وأصبح اليوم عكس ذلك. إذا استمر القطاع المصرفي على ما هو عليه، سيتأثر سلباً الاقتصاد الدولي في التجارة والنمو. سقوط القطاع المصرفي العالمي، بالإضافة إلى ضعف النمو الاقتصادي، يرفعان مستوى المخاطر العامة. ما يحصل اليوم هو نتيجة خلل في الأنظمة العامة يهدد الاستقرار الاجتماعي.* كاتب لبناني