خالد حسن
خرج المدير رفقة سكرتيرته ومحاسب الشركة لتناول وجبة الغدَاء بالقرب من مقر العمل. في الطريق لاحظ ثلاثتهم مصباحاً ملقى على رصيف الشارع يغطيه التراب. التقط المدير المصباح ومسحَه بمنديل ليَلمع ويتوهج، ثم خرج منه دخان كثيف تلاه ظهور عفريت. تَكلم العفريت ليشكر المدير على تحريره من المصباح، ثم عَرض على ثلاثتهم تحقيق أمنية لكل واحد منهم.
بدون تَفكير قالت السكرتيرة «أنا أولاً، أنا أولاً». نظر إليها العفريت وقال ما هو طلبك؟ فأجابت السفر إلى جزر الباهاماز، لأستمتع بالبحر وأستجم لأطول فترة ممكنة. قال العفريت اذهبي فإذا بالسكرتيرة تختفي ويتبقى المحاسب والمدير. بسرعة قال المحاسب «أنا التالي، أنا التالي، أريد أن أقضي إجازة مع أسرتي في جزر الكاريبي». قال له العفريت اذهب، ليختفي المحاسب ويتبقى المدير وحده غاضباً. قال له العفريت ما هو طلبك؟ فردّ المدير بوجه عابس: أريد أن يعود كلاهما هنا فوراً.
يستطيع المدير الذكي أن يتجاوز أي أزمة تواجهه بسرعة بديهته وقدرته على الإبداع. أما المدير الحكيم، فلديه الخبرات المتراكمة ليتفادى ظهور الأزمات من الأساس. ماذا لو احتفظ المدير بالمصباح، وقام بتنظيفه في مكتبه بمفرده. المؤكد أنه لم يكن ليتسبب في إحباط السكرتيرة والمحاسب، وخلق أزمة نفسية، قد يظهر أثرها في صور مختلفة ترتبط بإدارة العمل.
توضح هذه الطرفة أو القصة الخيالية أهمية إدارة خلافات أو صراع العمل بشكل علمي، بما يضمن حلها بدلاً من المساهمة في إشعالها وتفاقمها. وتعتبر إدارة الصراعات Conflict Management، أحد تخصصات علم الإدارة المهمة، والتي تتناول كيفية التعامل مع الصراعات، في ما بين زملاء العمل في مؤسسة ما وبشكل علمي. وتهدف إدارة الصراع إلى تقليل الآثار السلبية لخلافات الزملاء، بما يسهم في تحسين الأداء وزيادة التعاون بين الموظفين بدلاً من الصراع، الذي ينتهي بتدمير سمعة المؤسسة وتراجع مستويات أدائها. وتعدّ كفاءة إدارة الخلافات داخل المؤسسة مؤشراً من المؤشرات، التي ترفع من مستوى ثقة المتعاملين معها، كما تسهم في تحقيق الاستفادة القصوى من كافة مواردها، بما يسهم في تحقيق أهدافها.
إن مشاكل العمل اليومية في أي مؤسسة، هي حقيقة لا مَفرّ منها، والمؤكد أن أبسط الخلافات قد تتحول إلى نزاعات معقدة طويلة الأمد، إذا تم تجاهل وجودها أو التقليل من حجمها. ووجود خلافات مستمرة يعني بيئة عمل متوترة غنية بالعلاقات السامة بين الزملاء، وفقيرة في الثقة المتبادلة بينهم، وهو ما يؤدي في النهاية إلى أداء ضعيف ومرتبك للجميع. تخيل مثلاً أن حارس مرمى فريق كرة قدم في خلاف كبير مع مدافعي فريقه، والمدافعون لا يحبون بعضهم البعض، من المؤكد أنه سيترتب على الخلاف والكراهية خسارة الفريق وبشكل مخزٍ، مهما كانت كفاءة كل لاعب في الفريق. على العكس إذا ما كان هناك «مناخ عمل صحي» بين اللاعبين واحترام متبادل، سيؤدي ذلك إلى ما يسّمونه في كرة القدم «روح الفانلة»، كنَاية عن روح التفاني الجماعية، التي تجعلهم يبذلون قصارى جهدهم، لتحقيق الفوز طوال الوقت.
وهناك أنواع كثيرة للخلافات أو صراعات العمل. هناك النزاع بين المدير ومرؤوسيه، بسبب أسلوب الإدارة ومدى استجابة الموظف له، كما أن هناك صراعات بسبب وجود موظف مبتكر أو آخر غريب الأطوار، فكلاهما قد يصعب التعامل معه، أولاً: بسبب رؤيته التي قد تكون أوسع وأشمل من رؤية المدير، وثانياً: بسبب افتقاره لأسس الالتزام. كما قد تظهر الصراعات بسبب الاختلاف في السلوكيات والمبادئ الحاكمة للسلوك الشخصي للموظفين. وهناك خلافات تكون بسبب تضارب الوظائف، وغياب التنسيق أو عدم وجود ضوابط واضحة للعمل.
والصراع أو خلافات العمل غالباً ما تنتهي من ثلاث: إما أن يكون طرفا الصراع خاسرين، أو أحدهما منتصراً والآخر خاسراً أو كلاهما منتصراً. والمؤكد أن غياب الإدارة الجيدة لهذه الخلافات، تؤدي في النهاية إلى خسارة المؤسسة.
والإدارة الرشيدة يجب أن تفهم كيف يتصرف الموظف حال وجود الخلافات أو الصراعات، وبناء على هذا الفهم تستخدم مهارتها في التواصل والوساطة أو الإقناع، لتنهي أي صراع أو خلاف قبل أن يتفاقم وبما لا يضر بمصلحة المؤسسة.
وقد طور كل من Kenneth Thomas وRalph Kilmann عالما الإدارة، أداة في سبعينات القرن الماضي تحدد السيناريوهات الممكنة لاستجابة الفرد، أو تَصرفه حيال أي خلاف أو صراع، في ما يسمّى أداة وضعية الصراع Thomas-Kilmann Conflict Mode Instrument. وحددت الأداة خمسة سيناريوهات لاستجابة الفرد في أي صراع، سواء في العمل أو حتى في الحياه الشخصية. الأسلوب الأول هو التعايش Accommodation، ويعني تضحية طرف أو استسلام طرف من أطراف الصراع، إذا ما اعتقد أن موضوع الصراع ليس بالأهمية الكافية، ويساعد هذا الأسلوب على وضع حل سريع لكن قد يكون مؤقت، إلا في حالة شعور طرف الصراع بخطئه.
الأسلوب الثاني، هو التجنب Avoidance وهو تجاهل وجود الصراع وعدم التعامل معه. غالباً يتم التجاهل إذا ما كان الضرر المحتمل من الخلاف يفوق المنافع المحتملة عند الدخول في صراع، أو قد يكون التجاهل وسيلة لتوفير الوقت اللازم لفهم تفاصيل الصراع قبل اتخاذ أي قرار. وفي بعض الأحيان يكون حل الصراع غير ممكن، بسبب وجود اختلافات جوهرية في ما بين الشخصيات المتنازعة، وبالتالي التجاهل هو الحل الوحيد الممكن.
الأسلوب الثالث، هو الحل التوافقي Compromise وهو الحل الوسط، الذي يضمن عدم وجود منتصر أو مهزوم. وهو حل مؤقت للخلافات المعقدة، خاصة إذا كان طَرفا الصراع يعرفان قدر بعضهم البعض، وأن خسائر الصراع قد تكون فادحة لكليهما.
الأسلوب الرابع، هو المنافسة Competition، وتعني فرض انتصار أحد طرفي الخلاف على الآخر، لأن الصراع لا يحتمل أي نتيجة غير النصر لأحد طرفي الصراع.
أما آخر الأساليب، فهو أسلوب التعاون Collaborating أو إدارة حوار حول الصراع أو الاختلاف وفهم طبيعته وأسبابه، وتكريس الوقت اللازم للحديث والتعبير عن المشكلة بشكل مفصّل، وهو ما يشبه علاجاً تدريجياً للصراع من خلال المصارحة والاسترسال في تفسير أبعاد المشكلة بين أطراف المشكلة، وهو ما ينتهي غالباً باقتراح حلول مناسبة قد يقبلها طرفي النزاع.
* خبير الاقتصاد الدولي
[email protected]
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.