د. رامي كمال النسور* أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، في يوليو/ تموز 2025، عن اتفاق تجاري طال انتظاره، يُنهي حالة التوتر التي سادت بين الجانبين، منذ بداية العهد الثاني للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتضمنت الاتفاقية فرض رسوم جمركية بنسبة 15% على معظم الصادرات الأوروبية إلى الولايات المتحدة، مقابل التزام أوروبي بشراء كميات ضخمة من الطاقة الأمريكية، وتسهيلات استثمارية ضخمة لصالح واشنطن. لكن من المستفيد الحقيقي من هذه الصفقة، ومن الطرف الذي قد يكون تنازل أكثر مما ينبغي؟بداية، فلنلقِ نظرة عامة على الاتفاقية، حيث سيتم تطبيق رسوم جمركية أمريكية بنسبة 15% على نحو 70% من صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة، مما يرفع المعدلات بشكل حاد عن متوسط ما قبل ترامب، الذي تراوح بين 1.4% و4.8% تقريباً، والأهم من ذلك تجنب مستوى 30%، الذي تم التهديد به سابقاً في المقابل، يلتزم الاتحاد الأوروبي بشراء منتجات طاقة أمريكية بقيمة 750 مليار دولار والعمل على توفير استثمارات تبلغ نحو 600 مليار دولار، خلال السنوات القادمة.أما الحديث عن الفائز والخاسر من هذا الاتفاق، فنجد أن الفائزين الرئيسيين هما الولايات المتحدة (إدارة ترامب) والاقتصاد الأمريكي، فهو بمثابة انتصار رمزي وسياسي، يُظهر الاستخدام الناجح للضغوط التجارية للحصول على تنازلات. كما أنه من المتوقع أن يستفيد مصدرو الطاقة الأمريكيون (النفط، والغاز الطبيعي المسال، إلخ) بشكل كبير من التزامات الاتحاد الأوروبي بشراء الطاقة.أتت بعدهم أسواق الأسهم التي استجابت بشكل إيجابي، حيث رحّب المستثمرون باليقين، مقابل احتمال تصعيد الرسوم الجمركية، كما ستجني الولايات المتحدة عائدات جمركية كبيرة.وآخر الرابحين، بعض قطاعات الاتحاد الأوروبي (شركاء تنفيذ الطاقة)، حيث قد تستفيد شركات الطاقة والدفاع الأمريكية ومستثمروها من الاستثمار الرأسمالي المرتبط بالتزامات الشراء المتفق عليها مع الاتحاد الأوروبي.أما عند الحديث عن أكبر الخاسرين، فسنجد في المقدمة المصدرين الأوروبيين (بشكل عام)، حيث يواجه معظم مصدري الاتحاد الأوروبي الآن رسوماً جمركية أمريكية بنسبة 15%، وهي أعلى بكثير من متوسط المعدلات السابقة، مما يؤثر سلباً في قدرتهم التنافسية وأرباحهم، كما تواجه قطاعات رئيسية مثل السيارات والأدوية عوائق تكلفة أعلى أمام المستهلكين الأمريكيين، على الرغم من بعض الإعفاءات.وبالإضافة إلى الصعوبات، التي يرزح تحتها يأتي قطاع صناعة السيارات الألمانية (من بين قطاعات أخرى) كأحد الخاسرين من هذا الاتفاق، على الرغم من انخفاض الرسوم الجمركية على واردات السيارات من المستويات، التي كان يُخشى منها (25-30%)، إلا أن المعدل الجديد البالغ 15% لا يزال يزيد من تكاليف دخول الولايات المتحدة، ويهدد حجم الصادرات.أيضاً، من ضمن هؤلاء الخاسرين المستهلكون ودافعو الضرائب الأوروبيون، حيث قد تواجه حكومات الاتحاد الأوروبي ضغوطاً سياسية، لدعم الصناعات المحلية المتضررة أو تقديم أدوات تجارية للتخفيف من حدة الاضطراب الاقتصادي.ومن أكبر الخاسرين أو الخسائر، هو التماسك السياسي في الاتحاد الأوروبي، الذي أصبح مؤخراً على المحك. لقد انتقد العديد من قادة الاتحاد الأوروبي، ولا سيما من فرنسا والمجر، الاتفاق بشدة، ويرون فيه استسلاماً تحت ضغط الولايات المتحدة، مما يُقوّض قوة الاتحاد الأوروبي التفاوضية ووحدته.ومن الجدير بالذكر، أنه تحت بند هذه الخسائر ثمة من سيدفع الثمن المترتب على هذا الاتفاق، وهم المصدرون الأوروبيون وخاصة العاملين في القطاعات غير المعفاة، يليهم المستهلكون في كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والذين قد يواجهون ارتفاعاً في الأسعار أو زيادات غير مباشرة في التكاليف.ختاماً، إن اتفاقية ترامب وأوروبا للرسوم الجمركية، تعود بالنفع على الولايات المتحدة بشكل كبير، حيث تحقق مكاسب اقتصادية لقطاعات محددة ونفوذاً جيوسياسية أوسع. أما بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فتمثل هذه الاتفاقية حلاً وسطاً - تفضيل الاستقرار على حساب زيادة أعباء التصدير وضعف الموقف التفاوضي. وقد أثار هذا الهيكل غير المتوازن انتقادات محلية، وصفت الاتفاقية بأنها أساسية ولكنها غير عادلة.في حين ابتهجت الأسواق في البداية، لا تزال ديمومة هذا الاتفاق وعدالته على المدى الطويل موضع تساؤل، لا سيما بين أصحاب المصلحة في الاتحاد الأوروبي، الذين يواجهون ضغوطاً داخلية وديناميكيات التجارة العالمية المستقبلية.بمعنى آخر، إن الاتفاق يُمكن اعتباره توازناً هشّاً بين تجنب تصعيد تجاري خطير، وبين تنازلات أوروبية واضحة لصالح الولايات المتحدة. ترامب فاز سياسياً واقتصادياً، وضمن لبلاده مكاسب مالية واستراتيجية، بينما أوروبا اختارت الاستقرار على المدى القصير، لكنها دفعت ثمناً من قدرتها التفاوضية ومن موقعها الصناعي.إن كانت السياسة فن الممكن، فإن هذا الاتفاق يمثل بوضوح ما يمكن تحقيقه تحت الضغط، لكن السؤال الأكبر يظل: ما مدى استدامة هذا التوازن؟*المستشار في الأسواق المالية والحوكمة والاستدامة