د. لويس حبيقة* لم يستطع الفلاحون الروس، قبل الثورة الشيوعية زيادة إنتاجهم وتحسين أوضاعهم المعيشية. كانت المساحات الزراعية متوفرة، إذ إن روسيا دولة شاسعة، لكن المشكلة كانت في طرق الإنتاج البدائية، فالأوضاع الاقتصادية العامة غير المريحة، إضافة إلى غياب الحريات، شكلا قنبلة انفجرت لتطيح بالنظام، وتدعو الشيوعيين إلى الحكم. حصول الحرب العالمية الأولى في وقتها، أسهم أيضاً في تعجيل موت النظام السابق، إذ إن روسيا لم تكن جاهزة لها، وبالتالي حصلت خسائر كبرى لم يستطع النظام تجنبها أو حتى تبريرها. حتى لينين المنفي في سويسرا، لم يكن يتوقع حصول الثورة بهذه السرعة، بل قال مراراً إن التغيير السياسي لن يحصل في حياته.في فبراير/شباط 1917، كانت روسيا تعيش تحت سلطة قوية مركزية غير مرنة. في وقتها كانت تشكل نصف أوروبا وثلث آسيا وكانت فيها سلطة سياسية واحدة يحسب لها حساب وهي سلطة القيصر. كانت من أقوى الدول ونظامها الأكثر تشدداً. خلال أيام قليلة انهارت سلطة سلالة آل رومانوف Romanov، التي حكمت لعدة قرون. بعدها بأشهر قليلة تسلمت السلطة مجموعة «بولشيفية» اعتمدت الشيوعية لحكم البلاد، عبر نظام مركزي قوي حاول تدريجياً تغيير المجتمع. لم يكن هذا التغيير الكبير ليحصل لو كان الشعب راضياً عن الحكم القيصري. في الحقيقة كان الشعب غير راضٍ، ويعيش تحت القمع ومن دون السلة الاستهلاكية الدنيا المطلوبة. 85% من الشعب كان من الفلاحين، ويعيش في نظام لا يعطيه حقوقه المعيشية الدنيا.من الأنظمة السياسية التي انهارت فيما بعد، وتحتاج إلى المزيد من التحليل والدرس هو الاتحاد السوفييتي، القوة العظمى التي تفتتت بسرعة. هناك أسباب عدة لهذا الانهيار السريع، لكن السبب الأهم هو عدم قدرة الإدارة السوفييتية المركزية على تأمين الحاجات الاستهلاكية للمواطنين، إضافة طبعاً إلى إنتاج سلع وخدمات لم تراع التطور التكنولوجي، وتغير الطلب والأذواق، فالتركيز على الصناعة الثقيلة مثلاً، ربما كان في محله في المراحل الأولى للنظام، لكن التغيير كان مطلوباً بسرعة، تماشياً مع تطور التكنولوجيا الصناعية وأذواق الناس. لم تستطع الإدارة السوفييتية التأقلم مع الواقع الجديد، وبدت واضحة ملامح السقوط السريع.يتكون الاقتصاد من أربعة أقسام يشكل مجموعها الناتج المحلي الإجمالي GDP، وهي الاستهلاك والاستثمار والإنفاق العام والميزان الخارجي. لكل قسم أهميته ودوره في تحديد المستوى المعيشي الوطني. أهم شيء هو تأثير حجم الناتج في رفاهية الإنسان في بلد ما، مقارنة بإنسان في بلد آخر. الأقسام الأربعة مهمة وتؤثر في بعضها البعض، لكننا نعلم أن أهم ما يسعد الإنسان هو قدرته على الاستهلاك، ليس فقط السلع والخدمات الأساسية، بل أيضاً وخاصة المميزة والفاخرة. مستوى ومحتوى الاستهلاك يشيران إلى نوعية الحياة، وهو ما يسبب سعادة الإنسان في مجتمعه. معظم الأنظمة السياسية التي تغيرت أو أطيح بها، كان السبب فشلها في تأمين الرفاهية لشعوبها، أي القدرة على استهلاك الخدمات والسلع الأساسية، كذلك الفاخرة المطلوبة.*كاتب اقتصادي لبناني