اقتصاد / صحيفة الخليج

سباق الهيمنة على صناعة السفن

د. رامي كمال النسور*

رغم أن الأضواء الإعلامية تتركز غالباً على النزاعات التجارية وحروب التكنولوجيا بين الولايات المتحدة والصين، إلا أن هناك جبهة أخرى تدور بصمت، لكنها لا تقل أهمية: صناعة السفن. هذه الصناعة، التي تمثل العمود الفقري للتجارة العالمية والقوة البحرية، أصبحت ساحة صراع اقتصادي واستراتيجي بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم.
وخلال العقدين الماضيين، تمكنت من إزاحة المنافسين التقليديين في صناعة السفن، لتصبح أكبر منتج عالمي، متفوقة على كوريا الجنوبية واليابان، وبعيدة عن الولايات المتحدة التي تراجع إنتاجها المدني بشكل كبير. تستحوذ الشركات الصينية اليوم على نحو 50% من إنتاج السفن التجارية عالمياً، مع تركيز خاص على ناقلات النفط العملاقة، وسفن الحاويات، وسفن الغاز الطبيعي المسال.
في المقابل، تركز الولايات المتحدة على صناعة السفن العسكرية، معتمدة على شركات مثل Huntington Ingalls Industries وGeneral Dynamics. إلا أن ضعف الإنتاج المدني جعلها تعتمد على أساطيل تجارية أجنبية في جزء كبير من وارداتها وصادراتها، وهو ما تعتبره واشنطن تهديداً للأمن القومي.
وللخوض أكثر في تفاصيل هذا الأمر نجد ما يلي:
• في عام 2024، استحوذت أحواض بناء السفن الصينية على ما يقارب 70% من الطلبات العالمية، متفوقة على منافسيها الذين لم تتجاوز حصتهم مجتمعةً 30%.
• بالنسبة للإنتاج المكتمل، والعقود الجديدة، والطلبات المتاحة، استحوذت الصين على 55.7%، و74.1%، و63.1% من السوق العالمية على التوالي.
• أنتجت إحدى شركات بناء السفن الصينية المملوكة للدولة، عام 2024، حمولة تفوق ما بنته الصناعة الأمريكية بأكملها منذ الحرب العالمية الثانية.
• تشير التقارير إلى أن قدرة تصنيع بناء السفن في الصين تتجاوز قدرة الولايات المتحدة بمقدار 232 مرة.
• اعتباراً من عام ، سلّمت الصين 42.32 مليون طن ساكن، مسجلة زيادة بنسبة 11.8%، مع ارتفاع الطلبات بنسبة 56.4%، وتوسع تراكم الطلبات بنسبة 32% على أساس سنوي. في المقابل، لم تُمثّل الولايات المتحدة سوى 0.1% من حمولة بناء السفن العالمية، عام 2023.
ولا يقتصر الأمر على المنافسة الاقتصادية، بل يتعداه إلى النفوذ الجيوسياسي، فالصين، عبر مبادرة «الحزام والطريق»، تستثمر في بناء وإدارة موانئ في آسيا، إفريقيا، وأوروبا، مدعومة بقدرتها الهائلة على تصنيع السفن، بينما تحاول الولايات المتحدة مواجهة هذا النفوذ، عبر تحالفات مع وكوريا الجنوبية وأستراليا، إضافة إلى تعزيز الأسطول البحري .
كما يدور التنافس أيضاً في مجال التكنولوجيا البحرية، مثل السفن ذات الانبعاثات الصفرية، وأنظمة الدفع الكهربائي، والسفن ذاتية القيادة. الصين تضخ استثمارات ضخمة في أبحاث السفن الخضراء، تماشياً مع أهدافها البيئية، في حين تركز الولايات المتحدة على دمج الذكاء الاصطناعي والأنظمة القتالية المتطورة في سفنها العسكرية.
إن هذا الصراع الخفي، ينعكس على سلاسل الإمداد العالمية وأسعار الشحن البحري، خصوصاً في أوقات الأزمات مثل جائحة أو التوترات في مضيق تايوان. ومع استمرار التنافس، قد يشهد العالم انقساماً أكبر في صناعة السفن بين معسكرين: معسكر تقوده الصين ويهيمن على النقل التجاري، وآخر تقوده الولايات المتحدة مع تفوق عسكري.
في الختام، إن الحرب الخفية في صناعة السفن ليست مجرد منافسة على عقود أو حصص سوقية، بل هي صراع على النفوذ العالمي، في عصر يعتمد أكثر من 80% من تجارته على النقل البحري. ومع تزايد أهمية الأمن البحري والتكنولوجيا الخضراء، فإن هذه المواجهة مرشحة لتصبح أكثر حدة في السنوات المقبلة.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا