اقتصاد / صحيفة الخليج

عالم بثلاث كتل نقدية

بينما ينتهج الرئيس دونالد ترامب سياسة «أمريكا أولاً»، قد تجد أوروبا وآسيا فرصة ذهبية لإعادة تشكيل النظام المالي العالمي، وذلك عبر خلق كتل نقدية إقليمية ثلاثية تقوّض سطوة الدولار، وتفتح الباب لعالم اقتصادي أكثر توازناً. ورغم أن العملة الأمريكية شهدت انتعاشاً مؤقتاً، عقب الإعلان عن اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي، فإن هذا الصعود القصير لا يغيّر الاتجاهات البنيوية، التي تُضعف موقع الدولار كعملة احتياط مهيمنة.
السباق نحو هرم الاقتصاد العالمي في العقود المقبلة، لن يُحسم فقط بالمال أو النفوذ، بل بالقدرة على توفير طاقة نظيفة ورخيصة لتغذية تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. وبدلاً من أن تقود هذا التحوّل، يمكن القول إن الولايات المتحدة تسير عكس التيار.
قلّصت إدارة ترامب بشكل حاد دعم المتجددة، مُراهِنةً على أن الاعتماد على الوقود الأحفوري المحلي، سيكفي للحفاظ على التفوق الأمريكي في قطاع الطاقة، غير أن هذه المقامرة قد تكلّف واشنطن كثيراً، خاصة وأن تتصدر بالفعل قطاعات الطاقة الشمسية والمركبات الكهربائية. ويرى المؤرخ الاقتصادي آدم توز، أنه للمرة الأولى منذ قرنين، لم يعد الغرب رائداً في تقنيات المستقبل، بل تابع.
ورغم شعارات ترامب، حول تعزيز الاستقلالية الاقتصادية، تشير أرقام الميزانية وعجز الحساب الجاري، إلى اعتماد متزايد على رؤوس الأموال الأجنبية، فمشروع الميزانية الأخير، وفقاً لمكتب الميزانية في الكونغرس، سيضيف نحو 3.4 تريليون دولار إلى العجز، خلال العقد المقبل، ما قد يرسّخ عجزاً سنوياً يتراوح بين 6 و7%.
يُضاف إلى ذلك عجز في الحساب الجاري بنسبة تقارب 4%، على مدى السنوات القليلة الماضية، وقد اتسع هذا العجز إلى 6% من الناتج المحلي الإجمالي، في الربع الأول من عام 2025، ما يضع الولايات المتحدة في موقع أكبر مستورد لرأس المال عالمياً. ومن خلال الإنفاق بما يتجاوز إمكانياتها ووجود هذين العجزين، ستظل الولايات المتحدة بحاجة إلى تدفقات رؤوس أموال أجنبية كبيرة.
وتسارعت، منذ الجائحة، موجة إعادة تموضع سلاسل الإمداد، وازدادت وتيرتها مع محاولات ترامب لإعادة التصنيع إلى الأراضي الأمريكية. وفي ظل تنافس القوى الكبرى على تأمين مواردها الاستراتيجية، كالمعادن الحيوية والنادرة، تتهيأ الظروف لنشوء كتل نقدية إقليمية في آسيا وأوروبا والأمريكتين.
هذه الكتل قد تعيد التوازن إلى الاقتصاد العالمي، وقيم العملات، وأسواق رأس المال، ما قد يوفر اقتصاداً عالمياً أكثر توازناً بثلاثة أقطاب للعرض والطلب، كل منها متناغم مع ديناميكياته الإقليمية الخاصة، بدلاً من الوضع الحالي الذي يستجيب فيه الاقتصاد العالمي بشكل أساسي للاحتياطي الفيدرالي والديناميكيات الداخلية الأمريكية. وتحدثت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، مؤخراً عن لحظة «اليورو العالمي»، مدعومة بمشروع اتحاد أوروبي للادخار والاستثمار مصمم لتطوير أصول آمنة وأسواق رأس مال أكثر عمقاً وسيولة، يمكن أن تنافس سندات الخزانة الأمريكية، وتمول البنية التحتية والابتكار في القارة. ورغم أن ديون الولايات المتحدة تفوق حجم نظيرتها الأوروبية بثلاثة أضعاف، فإن احتفاظ أوروبا بجزء أكبر من فوائضها المالية، التي تُقدَّر ب400 مليار دولار سنوياً، قد يشكل نقلة نوعية. في المقابل، دعا محافظ البنك المركزي الصيني بان غونغ شينغ إلى دور أكبر لليوان في عالم العملات متعدد الأقطاب، عبر تحسين بيئة الاستثمار للأجانب وتوسيع فرص الصينيين في الخارج، وعلى الرغم من بقاء حساب رأس المال الصيني مغلقاً نسبياً، فإن معظم العملات الآسيوية باتت ترتبط باليوان أكثر من الدولار.
ومع أن التنين الآسيوي يواجه تحديات كبرى، في ما يتعلق بكبح التضخم السلبي، فإن جهود بكين لتحفيز الاستهلاك وتقييد المعروض المفرط، لا سيما في مجال الطاقة المتجددة، قد تجعلها في نهاية المطاف أكثر جذباً لرؤوس الأموال العالمية.
قد يبقى الدولار مهيمناً في المدى القريب، لكن الصخب اليومي لأسواق الصرف يُخفي إشارات أكثر أهمية يجسدها عالمٌ بثلاث كتل نقدية: كتلة آسيوية، وأخرى أوروبية، والثالثة أمريكية. عالمٌ أكثر توازناً، لا يعتمد على عملة واحدة، بل يستند إلى واقع جيوسياسي جديد يتشكّل بهدوء، ولمن ينظر بعيداً، هذه ليست أزمة، بل بداية تحوّل.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا