شهدت واردات الصين من الفحم الحراري المنقول بحراً قفزة كبيرة هذا الشهر، مسجّلة أعلى مستوياتها منذ بداية العام، في وقتٍ تتراجع فيه واردات الهند من المصدر نفسه إلى أدنى مستوى منذ ثلاث سنوات ونصف. مشهدٌ متناقض في أكبر مستوردَين عالميَين لهذا الوقود، يكشف كيف تتقاطع سياسات الطاقة المحلية مع التحوّل المتسارع نحو مصادر متجددة.
وبحسب بيانات «كبلر»، يُتوقع أن تصل واردات الصين من الفحم الحراري عبر البحر في أغسطس/آب إلى نحو 25.6 مليون طن متري، ارتفاعاً من 22.7 مليون في يوليو/تموز، وهو المستوى الأعلى منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي. الجزء الأكبر من هذه الكميات يأتي من إندونيسيا المصدّر الأول عالمياً التي ارتفعت شحناتها إلى الصين لأعلى مستوى في خمسة أشهر عند 16.3 مليون طن، تليها أستراليا التي تواصل تعزيز حصتها للشهر الثالث على التوالي إلى 5.8 مليون طن.
قد يبدو هذا التوجه غريباً للوهلة الأولى، إذ تُظهر بيانات رسمية تراجع إنتاج الطاقة الحرارية من الفحم بنسبة 1.3% خلال الشهور السبعة الأولى من العام الجاري، نتيجة ارتفاع مساهمة الطاقة الكهرومائية والمتجددة. لكن الأرقام تكشف أن يوليو وحده شهد قفزة في إنتاج الكهرباء الحرارية بنسبة 4.3% مقارنة بالعام الماضي، في وقت انخفض فيه الإنتاج المحلي من الفحم إلى أدنى مستوى، وبنسبة 3.8% منذ إبريل/نيسان 2024. هذا المزيج بين الطلب المتزايد والإنتاج المتراجع فتح شهية بكين للاستيراد، خاصة مع تدنّي الأسعار العالمية.
في المقابل، انخفض سعر الفحم الإندونيسي، بطاقة 4200 كيلو كالوري لكل كيلوجرام، مطلع يوليو إلى أدنى مستوى في أربع سنوات عند 40.45 دولار للطن، قبل أن يرتفع مع تحسّن الطلب الصيني إلى 43.3 دولار للطن في أغسطس. وتكرر المشهد ذاته نفسه مع الفحم الأسترالي، بطاقة 5500 كيلو كالوري لكل كيلوجرام، الذي صعد إلى 71.9 دولار للطن، من 65.7 دولار في يونيو، وهو أعلى مستوى في خمسة أشهر.
بدورها، تشهد الهند تراجعاً حاداً في وارداتها من الفحم الحراري المنقول بحراً، وبحسب تقديرات «كبلر»، يُتوقع أن تبلغ الشحنات الواردة في أغسطس 9.7 مليون طن فقط، نزولاً من 12 مليوناً في يوليو/تموز، وبانخفاض يقارب النصف عن ذروة مايو التي بلغت قرابة 18 مليون طن.
يأتي هذا الهبوط مع تراجع حصة الفحم في مزيج الكهرباء الهندي إلى أدنى مستوى في خمس سنوات، بانخفاض 4.2% على أساس سنوي. في المقابل، قفز إنتاج الطاقة الكهرومائية بنسبة 22.4%، فيما ارتفعت مصادر الطاقة المتجددة 14.4%، وهي نسب كافية لتغطية الزيادة في إجمالي توليد الطاقة. يضاف إلى ذلك أن نيودلهي تمضي بخطى متسارعة نحو تعزيز إنتاجها المحلي من الفحم، مع دخول شركات خاصة جديدة على خط التعدين، وسط توقعات بأن يرتفع الإنتاج في السنة المالية الحالية إلى 1.15 مليار طن، متجاوزاً الرقم القياسي السابق، عند 1.05 مليار طن.
المغزى المباشر لهذا التباين أن السوق العالمية للفحم الحراري البحري لا تزال أسيرة الإنتاج المحلي في الصين والهند، حيث تمسك بكين بدفّة الأسعار. لكن الأبعد من ذلك أن البلدين يسيران معاً في مسار مزدوج، يستهدف توسيع الاعتماد على الطاقات المتجددة من جهة، وزيادة الإنتاج المحلي من الفحم من جهة أخرى.
هذا يعني أن اعتماد الصين والهند على الواردات مرشّح للتراجع على المدى الطويل، حتى لو شهدت السوق بين حين وآخر قفزات في الطلب عند انخفاض الإمدادات المحلية أو ارتفاع قدرات توليد الكهرباء بالفحم.
في المحصلة، ما نراه اليوم ليس مجرّد أرقام متقلبة في حركة الاستيراد، بل إشارة إلى تحوّل استراتيجي طويل الأمد في عالم يتّجه تدريجياً نحو تقليص الاعتماد على الفحم المستورد، ولو عبر مسارات متباينة بين بكين ونيودلهي.
* كاتب متخصص في أسواق السلع والطاقة الآسيوية
(رويترز)
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.