مايك دولان * يتركّز القلق في الأسواق العالمية حالياً حول الارتفاع الحاد في عوائد السندات الحكومية طويلة الأجل، وهو ملف أعقد بكثير من معالجة تقلبات أسواق الأسهم. فالوصفة التقليدية المتمثلة في تشديد السياسة النقدية أو المالية لمواجهة التضخم المتصاعد والديون العامة المتنامية قد تأتي بنتائج عكسية، إذ إنها قد تضغط على النمو وتفاقم مشكلات الإيرادات الضريبية.وعلى مدى عقود، عرف المستثمرون ما يُسمى ب«الخيار الوقائي للفيدرالي» أو «Fed Put»، وهو بمثابة شبكة أمان للأسواق تقوم على خفض أسعار الفائدة وضخ السيولة كلما واجهت الأسهم هبوطاً حاداً. وقد اشتهر هذا النهج منذ عهد رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأسبق آلان غرينسبان في التسعينات، ونجح في تهدئة الأسواق بدعوى تجنّب تقويض الثقة أو التأثير السلبي في ثروة الأسر. غير أن هذا النهج شجّع على المخاطرة المفرطة، وساهم لاحقاً في أزمة 2007–2008.وبعد تلك الأزمة، لجأت البنوك المركزية إلى التيسير الكمي وطباعة النقود، ما أعاد ترسيخ فكرة وجود «خيار وقائي» دائم. لكن هذه السياسات لم تُحوّل الأسهم الأمريكية إلى أصول شبه خالية من المخاطر فحسب، بل سمحت أيضاً للحكومة بتضخيم ديونها، خاصة مع قيام الفيدرالي بشراء كميات هائلة من السندات. واليوم، يشير أداء السندات طويلة الأجل بوضوح إلى أن الأسواق لم تعد تتسامح مع هذا التوسع غير المحدود في المديونية.والمعضلة أن تطبيق «الخيار الوقائي» في سوق السندات ليس بالسهولة نفسها. فالتضخم الأمريكي ما زال أعلى بكثير من المستهدف، بينما يُنظر إلى الفيدرالي على أنه فاقد لقدر من استقلاليته في ظل ضغوط سياسية متزايدة من إدارة الرئيس دونالد ترامب المطالِبة بخفض الفائدة سريعاً. وإذا استجاب الفيدرالي لهذه الضغوط في وقت يتجاوز فيه النمو 3% وتتوفر فيه السيولة الائتمانية، فإن السوق قد يُسعّر تضخماً مستقبلياً أعلى بكثير من 2%، وربما بشكل دائم. بالفعل، تتوقع الأسواق حالياً متوسط تضخم يبلغ 2.5% خلال العقد المقبل.وهذا الغموض وحده كافٍ لرفع علاوة المخاطر على السندات الأمريكية طويلة الأجل. ومع استبعاد أي تقشف مالي قريب، فمن المرجح أن ترتفع العوائد طويلة الأجل أكثر، حتى مع خفض الفائدة. وهو ما يعني أن «الخيار الوقائي» الذي يُعتمد عليه في أسواق الأسهم لا يعمل مع السندات الطويلة.إن المشهد يتضح أكثر مع مراقبة انعكاس منحنى العائد الأمريكي الذي شهد أشد عملية انحدار في نحو عقد من الزمن تزامناً مع توقعات التيسير. وفي أوروبا، ورغم أن عدة بنوك مركزية خفضت الفائدة هذا العام، فإن عوائد السندات طويلة الأجل ارتفعت إلى أعلى مستوياتها منذ عشر سنوات، مع انحدار المنحنيات بشكل أكبر من الولايات المتحدة، ما يعكس مخاوف تضخمية مماثلة.وفي واشنطن، يُطرح حلٌّ بديل عبر ضغط مزدوج: إلزام الفيدرالي بالتيسير، مع قيام وزارة الخزانة بإعادة هيكلة الدين العام لصالح السندات قصيرة الأجل التي تستفيد أكثر من خفض الفائدة، وتقليص الاعتماد على السندات الطويلة التي تتأثر بمخاطر التضخم. هذا ما يشبه عملية «تويست» جديدة، لكنها أعقد بكثير وتتطلب دقة في التنفيذ لتجنب اضطرابات متكررة.وحتى إذا نجح هذا النهج، فلن يبدد مخاوف المستثمرين من احتمال بقاء التضخم بعيداً عن الهدف على المدى الطويل، ما يبقي الضغوط قائمة على عوائد السندات الطويلة. في النهاية، يبدو أن «الخيار الوقائي» في عالم السندات الطويلة مملوء بالثغرات، على عكس ما عرفه المستثمرون في أسواق الأسهم.* محلل أسواق (رويترز)