اقتصاد / صحيفة الخليج

مشاريع القرن

د. محمد الصياد *

في 25 مايو 2025، وصل أول قطار شحن من مدينة شيان «Xi’an»، عاصمة مقاطعة شنشي في وسط ، والتي كانت في الماضي تشكل النقطة النهائية الشرقية من طريق الحرير - إلى حوض «إبرين الجاف Aprin dry port» في إيران، إيذاناً بالتدشين الرسمي لخط سكة حديد مباشر بين البلدين. يقع حوض «إبرين الجاف» على بُعد 21 كيلومتراً فقط جنوب غرب طهران، ويشكل محطة الحاويات المركزية للسكك الحديدية الداخلية في إيران. القطار قطع المسافة في 15 يوماً فقط، بدلاً من 40 يوماً بحراً، مارّاً بمدينة ألماتي عاصمة كازاخستان السابقة، وبيشكك عاصمة قرغيزستان، ومدينتي طشقند وسمرقند الأوزبكستانيتين، وعشق أباد عاصمة تركمانستان، وصولاً إلى طهران، ما يمكِّن إيران من تصدير نفطها إلى الصين براً، فيما يمكِّن الصين من إيصال بضائعها عبر إيران إلى أوروبا.
في جنوب شرق آسيا، استثمرت الصين بكثافة في مشاريع البنية التحتية الضخمة في لاوس وكمبوديا، تطبيقاً لمبادرة الحزام والطريق. في لاوس، أنشأت الصين خط سكة حديد لاوس-الصين فائق السرعة (معروف أيضاً باسم خط سكة حديد بوتن-فينتيان)، يربط العاصمة اللاوسية فيينتيان ب«كونمينغ» العاصمة الحديثة ومركز النقل في مقاطعة يوننان جنوب الصين، بطول 1037 كيلومتراً، وبتكلفة بلغت 6 مليارات دولار. ويحقق المشروع الذي افتتح في 2021 للمسافرين، هدفه في تحويل لاوس الى دولة متصلة براً، وتسهيل التجارة والنقل، ومشاريع الكهرومائية. كما تنفذ الصين مشاريع بنية تحتية (طرق سريعة ومطارات) في كمبوديا. فيتنام أيضاً وافقت مؤخراً على بناء خط سكة حديد فائق السرعة عابر للحدود إلى الصين بحلول نهاية عام 2026. ويتم التفاوض حول جهة التنفيذ والتمويل. كما تقوم مجموعة بناء صينية ببناء مشروع جسر كبير في هانوي.
على هامش قمة «بريكس+» السابعة عشرة التي عقدت في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية خلال الفترة من 6-7 يوليو 2025، وقّعت البرازيل والصين مذكرة تفاهم، لإنشاء ممر سكك حديدية جديد بين المحيطين الأطلسي والهادي بطول 4500 كيلومتر، يمتد من ميناء إيلهيوس في ولاية باهيا البرازيلية الشمالية على المحيط الأطلسي، ويعبر جبال الإنديز إلى ميناء تشانكاي العملاق في بيرو الذي بنته الصين على المحيط الهادي بتمويل من مبادرة الحزام والطريق الصينية، ما سيُخفّض أوقات الشحن من البرازيل إلى آسيا بما يصل إلى 12 يوماً (من 40 يوماً حالياً إلى 28 يوماً) مقارنة بالطرق الأطلسية الحالية التي تمر عبر قناة بنما. الممر سيربط لأول مرة خطوط النقل في البرازيل بين الشمال والجنوب، والغرب والشرق، والوسط والغرب، في شريان واحد عابر للقارات، وسيفتح المناطق الداخلية البرازيلية المهملة منذ زمن طويل، ليس للاستخراج، بل للتنمية الصناعية. وسيتجاوز هذا الممر بنما، ويتفادى نقاط الاختناق التي تسيطر عليها الولايات المتحدة والدولار ، ويُبطل مبدأ مونرو. هذه عيِّنة من مشاريع القرن التي ستغير الجغرافيا الاقتصادية العالمية، بما يشمل ذلك قطاعات التجارة والنقل والتمويل. وهو ما سيُلقي بظلاله، بطبيعة الحال، على هياكل ومؤسسات النظام الاقتصادي الدولي الذي شادته الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وهذا ما يفسر مسارعة المستشار الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ماوريسيو كلافير كاروني، للدعوة قبل بضعة أشهر لفرض تعريفات جمركية تصل إلى 60% على أي شركة تستخدم ميناء تشانكاي في بيرو للتجارة مع الصين، بما يدل على النهج المتناقض لكلا البلدين (أمريكا والصين) تجاه بلدان أمريكا اللاتينية والكاريبي الواقعة على المحيطين الأطلسي والهادي. يتنافس الطرفان على طريقة خلق القيمة الاقتصادية. في هذا التنافس الشرس، تعتقد الولايات المتحدة أن مكاسب الآخرين هي خسارتها، بينما في الواقع، لو فكرت قليلاً في الأمر، فإن الولايات المتحدة ستستفيد كثيراً أيضاً من أمريكا اللاتينية الأكثر ثراءً وتطوراً. فمن ناحية، سيحسن ذلك بشكل كبير قضايا الهجرة غير الشرعية لديهم، وسيخلق ثروة وبنية تحتية للسلع والخدمات الأمريكية أيضاً.
هنا، يلح السؤال التالي: أين نحن في العالم العربي من هذه المشاريع الكبرى لمبادرة طريق واحد حزام واحد الصينية؟ هذا ما سنحاول الإضاءة عليه في الوقفة القادمة إن شاء الله.
*خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية

[email protected]

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا