يتجه مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الأسبوع المقبل لاتخاذ قرار بخفض معدلات الفائدة بواقع ربع نقطة مئوية على الأقل، في خطوة، لو تمّت، ستكون الأولى من نوعها في 2025. القرار المرتقب قد لا يكون الأخير، إذ تفتح التطورات في سوق العمل وتباطؤ التضخم المجال أمام سلسلة من التخفيضات الإضافية خلال ما تبقى من العام. كان الفيدرالي قد أجرى العام الماضي ثلاثة تخفيضات متتالية لمعدلات الفائدة بمجموع 1%، بدأت في سبتمبر/أيلول 2024. وكما جرت العادة، لا يخلو أي قرار اقتصادي من رابحين وخاسرين، حتى لو كان منسجماً مع متطلبات المرحلة.الرابحون من خفض الفائدةأولاً: الذهب والملاذات الآمنة، حيث تزداد جاذبية الذهب في بيئة الفائدة المنخفضة، إذ يتجه المستثمرون لتنويع محافظهم بعيداً عن الأصول ذات العائد الثابت. ومع تصاعد التوترات الجيوسياسية والتجارية خلال العام الجاري، ارتفع المعدن النفيس إلى مستويات قياسية تجاوزت 3600 دولار للأونصة، وقفزت العقود الآجلة بنسبة تقارب 40% منذ مطلع العام.ثانياً: أسواق الأسهم الأمريكية، وتُعد «وول ستريت» المستفيد الأبرز من أي قرار لخفض الفائدة، إذ يعزز انخفاض العائد على أدوات الدين شهية المستثمرين نحو المخاطرة. وسجلت المؤشرات الرئيسية مكاسب قوية منذ بداية العام، مدفوعة بتوقعات الخفض ونتائج أعمال قوية، خاصة في قطاعات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. وبهذا الصدد، ارتفع مؤشر «إس آند بي 500» وحده بنحو 12% حتى منتصف سبتمبر/أيلول الجاري.ثالثاً: سوق العقارات، ومن المتوقع أن يحرّك خفض معدلات الفائدة الطلب على العقارات وشراء المنازل في الولايات المتحدة مع توقعات بتراجع معدل الرهن العقاري تأثراً بالقرار، إلى جانب خفض التكلفة على المطورين الذين يقترضون من أجل تنفيذ مشروعاتهم. وبالفعل، تراجع متوسط الفائدة على الرهن العقاري لأجل 30 عاماً إلى 6.35% الأسبوع الماضي، وهو أدنى مستوى في عام تقريباً.رابعاً: المقترضون من الأفراد، سيكون أصحاب القروض وبطاقات الائتمان ذات العائد المتغير من أبرز المستفيدين من خفض معدلات الفائدة، مع تراجع كلفة الاقتراض وانخفاض احتمالات التعثر. ورغم بقاء الفائدة على البطاقات مرتفعة نسبياً عند 20%، إلا أنها لا تزال منخفضة عن ذروة 20.79% المسجلة في أغسطس/آب 2024.خامساً: الحكومة الفيدرالية، عادة ما يخفف تراجع معدلات الفائدة كلفة تمويل الحكومة، وبالتالي الدين العام، ويقلص العجز الكلي. ولذلك، لم يتردد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الضغط على الفيدرالي لتسريع هذه الخطوة، مبرراً أنها ستوفر مئات المليارات من مدفوعات الفوائد.سادساً: الشركات والاقتصاد الكلي، حيث إن تكلفة الاقتراض الأقل تعني استثمارات أكبر ونشاطاً اقتصادياً أوسع. كما أن تراجع تكلفة التمويل يعزز الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري، وهو ما ينعكس إيجاباً على حجم الاقتصاد ونمو الشركات وأرباحها.سابعاً: أسعار النفط، يرفع انتعاش النشاط الاقتصادي نتيجة خفض معدلات الفائدة توقعات الطلب على الوقود المستخدم في الأنشطة الاقتصادية، وبالتالي زيادة أسعار النفط الخام.الخاسرون من خفض الفائدةأولاً: المدخرون، حيث سيواجه المدخرون من أصحاب الودائع البنكية عوائد أقل، ما قد يدفع بعضهم للبحث عن بدائل استثمارية أكثر ربحية، ونقل أموالهم إلى قنوات ادخارية أعلى من حيث معدلات العائد.ثانياً: البنوك، تتعرض المصارف، وخاصة التجارية منها، لضغوط على هوامش الفائدة، إذ يتباطأ انعكاس الخفض على ودائع العملاء مقارنة بالقروض. ورغم ذلك، قد تعوض بعض البنوك الكبيرة هذا الضرر بزيادة نشاط الإقراض أو الاستثمار في الأصول الرابحة، مثل الذهب والأسهم.ثالثاً: مستثمرو السندات، حيث يتأثر أصحاب الاستثمارات الجديدة في سندات الخزانة الأمريكية بخفض الفائدة سلباً، من خلال تراجع العائد على تلك السندات مقارنة بالقديمة المصدرة. لأنه من منظور حاملي السندات، عندما تنخفض أسعار الفائدة، ترتفع قيمة القديمة منها، لأن عوائدها تصبح أكثر تنافسية مقارنة بالسندات الجديدة ذات العوائد الأقل. تحفيز النمو ودعم الأسواق يظل قرار الفيدرالي سلاحاً ذا حدين، يفتح الباب أمام تحفيز النمو ودعم الأسواق، لكنه يضغط في المقابل على المدخرين والبنوك. والسؤال الأهم، هل سيتحول هذا الخفض إلى بداية دورة طويلة من التيسير النقدي، أم أنه مجرد خطوة تكتيكية لتهدئة مخاوف الاقتصاد الأمريكي في هذه المرحلة؟