جيسي ريتشمان * تستعد المحكمة العليا الأمريكية لإصدار قرار مصيري حول ما إذا كانت الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب ستبقى سارية أم لا. ففي الثالث من سبتمبر، طلب محامي ترامب من المحكمة تسريع مراجعتها للقضية إلى أقصى حد ممكن، بحجة أن وجودها في جدول الأعمال يعرقل المفاوضات الدولية.وفي مؤتمر صحفي عُقد بمناسبة عيد العمال، أوضح بيتر نافارو، المستشار الأبرز للرئيس ترامب في شؤون التجارة والتصنيع، أن جوهر القضية يتمثل فيما إذا كانت هذه الرسوم تدخل ضمن صلاحيات «قانون السلطات الاقتصادية الطارئة الدولية». وجادل بأن ترامب يستخدم الرسوم الجمركية لمواجهة ثلاث أزمات طارئة في آن واحد، العجز التجاري الضخم للولايات المتحدة والبالغ 1.3 تريليون دولار سنوياً، والذي يُهدد مستقبل أمريكا الاقتصادي. تهريب المخدرات التي أودت بحياة مئات الآلاف من الأمريكيين. بالإضافة إلى الأمن القومي، عبر إعادة بناء سلاسل التوريد الحيوية اللازمة لإنتاج الأسلحة.بخصوص الأزمة الأولى، يزخر التاريخ بأمثلة لدول عظيمة فقدت قوتها الاقتصادية والعسكرية لأنها تجاهلت معالجة عجزها التجاري. ومنها إسبانيا، التي، بعد أن كانت أغنى دولة في العالم عقِب اكتشاف القارة الأمريكية، تعثر اقتصادها وفقدت صناعاتها لصالح إنجلترا وفرنسا اللتين اعتمدتا الرسوم الجمركية.وأيضاً الجمهورية الهولندية، التي كانت في منتصف القرن السابع عشر من أكثر الدول ابتكاراً وقوة في أوروبا، لكن عدم ردها بالمثل على الرسوم الأوروبية أفقدها صناعاتها وقوتها ومستعمراتها، بما في ذلك «نيو أمستردام» التي أصبحت لاحقاً نيويورك. أما بريطانيا، وبفضل الثورة الصناعية مطلع القرن التاسع عشر، فتصدرت العالم اقتصادياً وعسكرياً. لكن رفضها فرض الرسوم الجمركية في أواخر القرن نفسه أفقدها هيمنتها تلك. ليساهم الفراغ الذي خلّفه تراجع قوتها لاحقاً في اندلاع الحربين العالميتين الأولى والثانية.لقد فشل كثير من الاقتصاديين في إدراك أهمية التوازن التجاري، وتناسوا أن الرسوم الجمركية مفيدة للاقتصادات التي تعاني عجزاً كبيراً، وتحوّلت نظرية «الميزة النسبية» التي طرحها ديفيد ريكاردو عام 1817 إلى ذريعة ضد الرسوم الجمركية. ريكاردو نفسه كان ينتمي لعائلة هاجرت من هولندا، البلد الذي عانى العجز التجاري، إلى بريطانيا الفائضة تجارياً، حيث لاقت نظريته رواجاً.وأيضاً، في أواخر القرن التاسع عشر، عارض ألفريد مارشال، أبرز اقتصادي بريطاني آنذاك، فرض الرسوم رغم معاناة بريطانيا عجزاً تجارياً، مما ساهم في خسارة كثير من صناعاتها. وعلى عكس مارشال، وبعد أربعين عاماً، تمكّن مواطنه، كبير الاقتصاديين الآخر جون ماينارد كينز، من إقناع المسؤولين بفرض رسوم انتشلت البلاد من الكساد الكبير بحلول 1934. وشدّد كينز لاحقاً على أن التوازن التجاري أساس الاستقرار الاقتصادي، محذراً من أن العجز المستمر يؤدي إلى ركود دائم.وعلى الرغم من أن محكمة أدنى درجة قضت مؤخراً بأن الكونغرس لا يمكنه تفويض سلطته على الرسوم الجمركية، إلا أن الواقع التاريخي يظهر أنه فعل ذلك مراراً. فمنذ «قانون الاتفاقيات التجارية المتبادلة» عام 1934، مُنح الرؤساء صلاحيات واسعة للتصرف في السياسة التجارية. أما «قانون السلطات الاقتصادية الطارئة الدولية» الذي استند إليه ترامب، فقد ورث نصوصاً من «قانون التجارة مع الأعداء» لعام 1917، والذي استُخدم سابقاً لفرض رسوم.*أستاذ مشارك في العلوم السياسية والجغرافيا بجامعة أولد دومينيون الأمريكية (أمريكان ثينكر).