اقتصاد / ارقام

اتجاه الترند .. هل تحدد وسائل التواصل قرار السفر أكثر من أسعار التذاكر؟

  • 1/4
  • 2/4
  • 3/4
  • 4/4

مع بداية الصيف الحالي، قرر "ليو ماكس" أن يخوض تجربة مختلفة عن رحلاته المعتادة إلى المدن الأوروبية الكلاسيكية، فأثناء تصفحه لتطبيق تيك توك، عشرات المقاطع المؤثرة التي تُظهر مدينة آسيوية صغيرة كأنها قطعة من الجنة.

 

 

واستعرض العديد من المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي المياه الفيروزية، والأكواخ الخشبية الجذابة على المسطحات المائية، التي تتمتع بها تلك المدينة ما أعطى انطباعًا لدى الكثيرين بأنه يجب عليهم زيارة هذا المكان الفريد.

 

ورغم الصعوبات التي واجهها "ماكس" للوصول لهذه الوجهة إلا أنه كان مقتنعًا أن كل تلك المشقة ستهون مع استكشاف هذا المكان الجديد الذي ظن أنه سيمنحه متعة لا تضاهيها أي رحلة تقليدية خاضها في السابق.

 

لكن حين وصل إلى هناك، اكتشف أن الواقع مختلف تمامًا حيث كان هناك ازدحام خانق، وطوابير طويلة لالتقاط الصور في نفس الزوايا التي شاهدها في المقاطع، هذا إلى جانب ارتفاع الأسعار.

 

وبعد يومين، وجد نفسه يفتقد رحلاته السابقة الهادئة حيث كان يستمتع في المقاهي بوجهاته دون أي عناء، أدرك "ماكس" حينها أن ما شاهده عبر وسائل التواصل لم يكن سوى لحظات منتقاة بعناية، وأن السحر الرقمي لا يتوافق دائمًا مع الواقع.

 

هذه القصة ليست استثناءً، فمع هيمنة المحتوى البصري والمؤثرين على قرارات السفر، تتزايد الحالات التي تتحول فيها الوجهات "التي أشعلها الإنترنت" إلى تجارب مخيّبة أو مزدحمة تفقد جوهرها الأصلي.

 

ومع ذلك، يبقى السؤال الأعمق: هل تحدد وسائل التواصل الاجتماعي وجهاتنا أكثر من الأسعار، أم أن التكلفة ما زالت الحاجز الحقيقي بين والواقع؟

 

المنصات الرقمية كمحركات لاكتشاف الوجهات

في العقد الأخير، غيّرت منصّات التواصل الاجتماعي الطريقة التي يكتشف بها الناس وجهاتهم السياحية ويقررون زيارتها.

 

ويمكن لمقطع قصير "ريل" أو "تيك توك" واحد أن يجعل من مقهى صغير أو شلال ناءٍ وجهةً عالمية بين ليلة وضحاها.

 

وتحولت الشبكات الاجتماعية إلى المصدر الأول لإلهام الرحلات حيث تشير بيانات ستاتيستا إلى أن نحو 75% من المسافرين لغرض الترفيه قالوا إن وسائل التواصل الاجتماعي كانت سببًا في اختيارهم للوجهة.

 

 

وحسب دراسة أجرتها شركة فوكس رايت في يونيو 2024، فإن حوالي 62% من المسافرين الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي لتخطيط رحلاتهم يقدمون على اتخاذ قرار حجز أو زيارة وجهة ما بعد مشاهدة محتوى معين على هذه المنصات.

 

ومع ذلك، تبقى قرارات السفر في نقطة التقاء بين الإلهام والقدرة المادية، فبينما تصنع وسائل التواصل الرغبة، تظل الأسعار خصوصًا أسعار التذاكر والإقامة العامل الحاسم في تحويل تلك الرغبة إلى قرار فعلي بالحجز.

 

وتُظهر الدراسات أن جيل الألفية وجيل زد هما الأكثر تأثرًا بمحتوى الشبكات الاجتماعية، إذ تشير أبحاث شركة داتا ألكس لعام 2025 إلى أن أكثر من نصف المستهلكين يختارون وجهة سفرهم بناءً على محتوى شاهدوه على الإنترنت.

 

وقال 22% من جيل زد و32% من جيل الألفية إنهم حجزوا فعليًا رحلة بعد رؤية منشور أو مقطع لمؤثر على وسائل التواصل الاجتماعي.

 

ولعل من أبرز الأمثلة على قوة هذا التأثير ما حدث في باريس، حينما تحوّلت أكشاك طعام صغيرة إلى نقاط للجذب السياحي مثل كشك "شيز ألان ميام ميام".

 

وفي عامي 2018 و2019 بدأت تنتشر مقاطع على إنستجرام وتيك توك تُظهر شيف فرنسي وهو يحضّر الساندويتشات بحماس كبير وبأسلوب عفوي ومرح في هذا الكشك حيث سرعان ما تحوّل إلى ظاهرة سياحية.

 

وصار الزوار ينتظرون بالطوابير الطويلة لتجربة طعامه الذي تصفه الصحف بأنه "الأفضل في باريس بين المأكولات السريعة التقليدية".

 

هذه الحالة تعبّر عن التحوّل العميق الذي أحدثته المنصات الرقمية في توجيه حركة العالمية، إذ لم يعد القرار مرتبطًا فقط بالإعلانات الرسمية، بل بالتجارب الشخصية والمحتوى اللحظي الذي يصنع موجات جديدة من "الوجهات الرائجة".

 

تباين الحساسية للسعر بين فئات المسافرين

تكشف الدراسات الأكاديمية أن تأثير السعر يختلف بحسب نوع المسافر، فالمسافر الحريص على الميزانية قد يتراجع عن الوجهة الرائجة إن كانت التكلفة مرتفعة، بينما يدفع المسافر الذي يميل للاستكشاف أكثر لقاء تجربة فريدة أو محتوى يستحق المشاركة.

 

 

وتؤكد بحوث حول "حساسية الأسعار والسلوك الشرائي" أن السعر يظل متغيرًا مهمًا في الإنفاق حتى وإن لم يُغيّر نوع النشاط الذي يُمارسه المسافر بعد الحجز.

 

وبالطبع هناك استثناءات مثل تلك المتعلقة برحلات الحفلات والمناسبات الكبرى مثل السفر لحضور مباريات رياضية حيث يدفع المسافرون أسعارًا مرتفعة مقابل تلك الفرص، ما يدل على أن السعر يمكن أن يصبح عاملًا ثانويًا أحيانًا.

 

وتظهر ظاهرة ارتفاع الأسعار جليًة في الوجهات التي تواجه سياحة مفرطة خاصة عندما ينتشر محتوى عن مكان ما بشكلٍ فيروسي، يكون التأثير فوريًا.

 

وتواجه مناطق في بالي، ومدينة البندقية في إيطاليا، وغيرها من المناطق المشهورة تدفقًا مفاجئًا للزوار بعد انتشار مقاطع مؤثرين، ما تسبب بازدحام كبير وأضرار بيئية دفعت الحكومات إلى التدخل.

 

ففي بالي مثلًا، فرضت السلطات مؤخرًا وقفًا مؤقتًا لبناء فنادق جديدة في بعض المناطق للحد من الضغط على البنية التحتية، أما في مدينة البندقية فقد فرضت رسومًا إضافية على السياح القادمين إليها.

 

فمع تزايد تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، لم يعد ارتفاع الطلب مجرد لمواسم السياحة التقليدية، بل بات مرتبطًا بـ"موجات محتوى" مفاجئة يمكن أن تغيّر خريطة الوجهات في أسابيع قليلة فقط.

 

كيف تتفاعل الأسواق؟

تتعامل شركات الطيران ومنصات الحجز والهيئات السياحية مع المحتوى الاجتماعي كقناة تسويق مباشرة، فتُبرم شراكات مع المؤثرين وتُطلق حملات تعتمد على المحتوى الذي ينشئه المستخدمون، مستفيدة من قوة التفاعل اللحظي في تشكيل قرارات السفر.

 

ولم تعد الشركات تكتفي بإلهام المسافرين عبر الحملات المرئية، بل باتت تراقب أنماط البحث والتفاعل على المنصات لتحديد اللحظة المثالية للتأثير في القرار.

 

أرقام بارزة لتأثير وسائل التواصل على عالم السفر والسياحة

المنصة الاجتماعية

 

نسبة التأثير

تيك توك

 

 

%70 من المستطلعين في أوروبا يقولون إنهم من المحتمل جدًا أن يحجزوا عطلة بناءً على توصيات شاهدوها على تيك توك.

 

إنستجرام

 

 

حوالي 37% من الأمريكيين يعتمدون إنستجرام كوسيلة مفضلة لاتخاذ قرار السفر.

 

 

 

%59 من المسافرين (دون 35 عامًا) يعترفون بأن مقاطع الفيديو على يوتيوب كانت حاسمة في قرارات السفر

 

وسائل التواصل الاجتماعي عمومًا

 

 

%75 من المسافرين الترفيهيين استطلعت ستاتيستا آراءهم يقولون إن وسائل التواصل كانت سببًا في اختيارهم للوجهة

 

 

وأظهر تقرير من إكسبديا أن الوجهات التي أصبحت رائجة () على تيك توك شهدت زيادة في عدد عمليات البحث بنسبة تفوق 40% مقارنة بالعام السابق، ومن بين هذه الوجهات كينلاونغ في فيتنام، وأنطاليا في تركيا، وتونس.

 

 

فعندما يزداد الاهتمام الرقمي بوجهة معينة، تبدأ شركات الطيران والفنادق ومنصات الحجز باستخدام ما يُعرف بالتسعير الديناميكي أي تعديل الأسعار تلقائيًا بناءً على الطلب، إلى جانب إطلاق مؤقتة تستهدف الفئات المترددة في الحجز.

 

في نهاية المطاف، لا يمكن حسم الصراع بين سحر الصورة الرقمية ومنطق السعر الواقعي، فكلٌّ منهما يلعب دوره في تشكيل خريطة السفر بطرق مختلفة. فالإلهام يولّد الرغبة، بينما يظل السعر هو الميزان الذي يقرر من يحوّل تلك الرغبة إلى رحلة حقيقية.

 

ومع تزايد نفوذ المنصات الاجتماعية، باتت الوجهات لا تُروّج فقط عبر الإعلانات الرسمية، بل عبر “موجات الإعجاب” التي يصنعها المستخدمون في لحظات عفوية قد تغيّر مصير مدينة صغيرة أو شاطئٍ ناءٍ في أيام معدودة.

 

لكن الدرس الأهم لصناع القرار هو أن هذا التدفق الرقمي لا يُدار بالعاطفة وحدها، بل بالحكمة والتخطيط المستدام، لأن الشهرة المفاجئة قد تتحول إلى عبءٍ إذا تجاوزت قدرة المكان على الاستيعاب.

 

أما المسافر، فعليه أن يتذكر أن أجمل الرحلات ليست تلك التي تثير الإعجابات، بل التي تترك أثرًا في الذاكرة، فالسفر الحقيقي لا يُقاس بعدد الصور التي نلتقطها، بل بما نراه بعيدًا عن العدسات.

 

المصادر: أرقام- ستاتيستا- صحيفة لو موند- صحيفة ذا جارديان- فوربس- منظمة السياحة العالمية- بي بي سي- إكسبديا

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا