أنكور سينغ * في أوائل أغسطس/آب الماضي، وجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضربة قاسية لطموحات الهند الصناعية، بفرض رسوم جمركية وصلت إلى 50% على وارداتها إلى الولايات المتحدة. الخطوة، التي بُررت بتمسك نيودلهي بشراء النفط الروسي. تبعتها زيادة إضافية بنسبة 25% بعد أيام، وضعت الهند في خانة المذنب الأكبر مقارنة ببقية دول آسيا والمحيط الهادئ.وخلال أسبوع واحد فقط، تبخر نحو 900 مليون دولار من الأسهم الهندية المملوكة لمستثمرين أجانب تخلوا عن حيازاتهم، لتنضم إلى ملياري دولار أخرى في يوليو/تموز. ومع تراجع المؤشرات، حذّرت وكالة «موديز» من أن النمو الاقتصادي قد يتباطأ بنحو 0.3 نقطة مئوية هذا العام. وهكذا تحوّلت تصريحات ترامب التصعيدية تجاه الهند من خطاب انتخابي صاخب إلى واقع اقتصادي ملموس.ولم تكن الرسوم مجرد مناورة عابرة، فقد أصابت قطاعات تصديرية حساسة مثل النسيج، والمجوهرات، والأحذية، والآلات الصناعية، وقطع غيار المركبات. وتشير التقديرات الأولية إلى أن ما بين 30 إلى 35 مليار دولار من الصادرات باتت معرضة بشكل مباشر للخطر، فيما ترتفع الآثار غير المباشرة إلى نحو 64 ملياراً. وعلى الجانب الاجتماعي، تحذر الجمعيات المتخصصة من فقدان ما بين 200 إلى 300 ألف وظيفة، خاصة في التجمعات الصناعية الصغيرة التي تعتمد على أوامر شراء محدودة.ومع ذلك، تبدو الصورة على المستوى العام أقل قتامة إذا ما قورنت بالاقتصاد الكلي، إذ لا يتجاوز حجم تجارة السلع للهند مع الولايات المتحدة 2.5% من الناتج المحلي للبلاد. عدا عن سماح البنك المركزي بانخفاض مضبوط للروبية من 85.64 إلى 87.89 مقابل الدولار. هبوطٌ منح الصادرات بعض القدرة التنافسية دون أن يثير موجة هروب رؤوس الأموال.والأهم، أن قطاع الخدمات الهندي ظل محمياً إلى حد بعيد. ففي يونيو/حزيران الماضي وحده، بلغت قيمة صادرات الخدمات 32.1 مليار دولار، فيما تجاوزت صادرات البرمجيات 205 مليارات دولار في السنة المالية الماضية. ليمنح هذا العمق في القطاع الخدمي نيودلهي فسحة للتنفس وحيزاً لصياغة السياسات على المدى البعيد. غير أن هذه الأرقام تُخفي وراءها معاناة مركّزة، فصادرات الهند من الإلكترونيات إلى الولايات المتحدة تبلغ في المتوسط 14 مليار دولار سنوياً، والأدوية 10 مليارات دولار، والألماس المصقول 5 مليارات، تخيل أن كل هذه الأرقام باتت في عين العاصفة. ومع فتور الطلب الأمريكي أصلاً، يزداد وقع الصدمة على الشرائح الأقل قدرة على الصمود.في المقابل يرى البعض أنه رغم القسوة، لا تُقاس الحكاية بالأرقام وحدها. صحيحٌ أن مصدّات الاقتصاد الهندي قادرة على استيعاب الضربة الفورية، لكن التحدي الأعمق استراتيجي، والرسالة الأمريكية واضحة، «واشنطن تنظر إلى التجارة كأداة ضغط سياسي بامتياز». وبالنسبة للهند، يتطلب هذا الواقع إدارةً اقتصاديةً مبنيةً على ركائز متينة من المرونة.أولى هذه الركائز الرئيسية تتمثل في تسريع التكامل الآسيوي. فاعتماد نيودلهي المفرط على الأسواق الغربية، حيث بلغت صادراتها من السلع إلى الولايات المتحدة 79.4 مليار دولار عام 2024، أصبح نقطة ضعف مكشوفة. كما أن الطريق إلى تقليص المخاطر يمر عبر اتفاقيات أعمق مع دول مجلس التعاون الخليجي، وتسريع التكامل في سلاسل التوريد مع شركاء «آسيان» مثل فيتنام وإندونيسيا. فالهند، كي تحمي نفسها، يجب أن تكون حلقة وصل لا غنى عنها في شبكة آسيوية مزدهرة.والركيزة الثانية هي ترسيخ الاستقلال المالي عبر تقليص الاعتماد على الدولار. فسطوة واشنطن الاقتصادية مستمدة إلى حد كبير من هيمنة عملتها. لذلك، فإن تجارب مثل الاتفاق الهندي الإماراتي للتجارة بالروبية والدرهم ليست مجرد خطوات تقنية، بل ضرورات استراتيجية لبناء نظام مالي بديل يخفف من مخاطر العقوبات والرسوم ذات الطابع السياسي. أما الركيزة الثالثة، وربما الأهم، تكون عبر تمكين القدرات الداخلية واستكمال الإصلاحات. فهي خط الدفاع الأول ضد الضغوط على المدى البعيد، وينبغي التعامل معها كمسألة أمن قومي. كما أن تعميم التحول الرقمي للمؤسسات الصغيرة عبر منصات مثل شبكة التجارة الرقمية المفتوحة، يمكن أن يفتح أمام الهند أسواقاً عالمية جديدة ويضاعف قدرتها التنافسية.بناء على ما سبق، نستنتج أن الرسوم الأمريكية تتجاوز أبعاد النزاع التجاري، إنها اختبار هيكلي لصلابة الهند. وعلى نيودلهي أن تقرر سريعاً، هل ستتكيف مع نظام عالمي أكثر خشونة وعدائية، أم ستظل عُرضة لدوامة الضغوط كلما تغيّرت الرياح السياسية في واشنطن؟* محلل أبحاث في مركز الدراسات الاقتصادية الجديدة، جامعة «أو بي جيندال» الهندية (منتدى شرق آسيا)