اقتصاد / صحيفة الخليج

حرب تجارية بلا خرائط تقود إلى التضخم

د. عبدالعظيم حنفي*

بينما تغمر إدارة ترامب الساحة بسلسلة من التحولات المتطرفة المتلاحقة، حازت سياسة الرسوم الجمركية معظم الاهتمام، ويؤكد ترامب أن تكلفة التعريفات الجمركية على المدى القصير منخفضة إلى حد كبير مقارنة بعائدها على المدى الطويل، ويعتبر التعريفات الجمركية أداة لتمويل التخفيضات الضريبية وتقليل عجز التجارة الخارجية للولايات المتحدة وتشجيع رؤوس الأموال الأجنبية على نقل الإنتاج إلى داخل الولايات المتحدة. ولا يشكل خطر انهيار التجارة الدولية مصدر قلق لترامب، إذ إنه يرى أن التجارة الدولية تكون ذات قيمة عندما فقط تخدم مصالح الولايات المتحدة. وفي هذا السياق شرح ترامب الكيفية التي يرى بها الاقتصاد ، فهو لا ينظر إليه كاقتصاد سوقٍ واسع ومدهش في تعقيده وتُجرَى فيه مئات الملايين من المعاملات الخاصة، لا ليس كذلك، إنه بالنسبة له متجر «كبير وجميل». لقد أوضح ذلك بقوله: «أنا أملك المتجر، وأنا أضع الأسعار وسأقول: إذا أردتم أن تتسوقوا هنا، هذا ما يتعين عليكم أن تدفعوه». لذلك على قادة الأعمال أن يتكيفوا مع هذا النموذج الجديد في هدوء ودون اعتراض يُذكر.
يقول ترامب «لقد فرضنا الرسوم الجمركية وستجلب لنا تريليون دولار في عام 2026. بالإضافة إلى ذلك ستعود آلاف الشركات إلى الولايات المتحدة». لكن اقتصاديين يشكون من التشوهات التي تُلحِقُها سياساته بالتجارة. وهي في أحيان كثيرة لا تدفعها الشركات «الخارجية» ولكن يسددها المستهلكون المحليون. فقد اتضح أن كل الرسوم الجمركية تقريبا التي فرضها دونالد في فترته الرئاسية الأولى تحمَّلتها في نهاية المطاف الشركات الأمريكية في شكل هوامش ربحية أقل إلى جانب المشترين من خلال ارتفاع الأسعار. ولا تزال الرسوم الجمركية الأمريكية عند أعلى مستوياتها منذ أكثر من قرن، حسب تقديرات مختبر الميزانية التابع لجامعة ييل، وهو ما سيُكلّف الأمريكيين كثيراً. والأهم من ذلك، أن هذه المفاوضات التجارية ستؤدي حتماً إلى موجة من الفساد، فالاقتصاد الأمريكي يتحول من كونه السوق الحرة الرائدة في العالم إلى النموذج الأبرز لرأسمالية المحسوبية. الاقتصاد السوقي يعمل بكفاءة حين تكون القيود عليه قليلة، ولكن الأهم أن تكون هذه القيود واضحة، وعادلة، وتنطبق على الجميع. فكلما زادت تعقيدات الضرائب واللوائح، ازدادت حالات الخلل والبيروقراطية، والأخطر من ذلك، أن هذا التعقيد يغذي الفساد. فمع فرض الرسوم الجمركية، تظهر استثناءات من الرسوم، تُمنح بالمئات لقطاعات أو شركات أو حتى منتجات بعينها. في عامي 2018 و2019، أعلنت إدارة ترامب سلسلة رسوم، بينها 25% على الحديد، إلى جانب برنامج منح إعفاءات جمركية، وقد تلقت نحو 500 ألف طلب إعفاء. وعندما سُئل ترامب مؤخراً كيف سيقرر تلك الإعفاءات، أجاب ببساطة: «بناء على الحدس» وقد أظهرت الدراسات أن «حدس» السياسيين عادة ما يميل إلى من يدعمهم مالياً، ما يُشجّع على تفشي الفساد.
ثانياً: تباطؤ التوظيف في الولايات المتحدة بشكل حاد
يتباطأ التوظيف في الولايات المتحدة بشكل حاد، إذ تشلّ سياسات الرئيس دونالد ترامب التجارية المتقلبة والجذرية الشركات وتُثير الشكوك حول مستقبل أكبر اقتصاد في العالم. أفادت وزارة العمل أن أصحاب العمل في الولايات المتحدة أضافوا 73 ألف وظيفة فقط الشهر الماضي، وهو عدد أقل بكثير من المتوقع وهو 115 ألف وظيفة. والأسوأ من ذلك، أن التعديلات أدت إلى حذف 258 ألف وظيفة من رواتب شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران. وارتفع معدل البطالة تدريجياً إلى 4.2%، حيث خرج الأمريكيون من سوق العمل، وارتفع عدد العاطلين عن العمل بمقدار 221 ألفاً. ووفق تحليلات «يبدو أن تدهوراً ملحوظاً في ظروف سوق العمل الأمريكي قادم». لاسيما بعد اندلاع حرب الرسوم الجمركية والتجارة هذا الربيع، بعد فرض ترامب قيوداً أكثر صرامة على الهجرة.
ثالثاً: ما هو حجم إيرادات الرسوم الجمركية وكيف تستثمر عوائدَ الرسوم الجمركية؟
ترى تحليلات أنه لا يُعرف بدقة حجم الإيرادات التي حققتها الخزانة الأمريكية من هذه الرسوم التي فرضها ترامب، في الربيع الماضي، لكن يبدو أنها لا تقل عن 30 مليار دولار شهرياً. وحتى مع مراعاة التضخم، يُعد هذا مبلغاً كبيراً جداً. وبحسب آخر بيانات وزارة الخزانة، فقد بلغت إيرادات الرسوم الجمركية لشهر أغسطس الماضي، وهو أول شهر يعكس بشكل كامل هذه الرسوم، 29.5 مليار دولار، وهو رقم قياسي شهري.
لكن هناك سؤال أهم من حجم هذه الإيرادات: ما الذي يجب أن تفعله الولايات المتحدة بهذه الأموال؟ فهذه الرسوم لا تكتسب معنى اقتصادياً إلا إذا استُخدمت في تقوية الاقتصاد الأمريكي، وهذا يعتمد على كيفية إنفاق الأموال. لطالما كان من الصعب تحديد الأهداف الاقتصادية الدقيقة لهذه الرسوم، لكن الهدف الرئيس كان دائماً تعزيز الاقتصاد الأمريكي، وخاصة قطاع التصنيع، وما يوفره من وظائف ذات أجور جيدة.
ويطرح اقتصاديون هناك ثلاثة خيارات رئيسية لاستخدام هذه الإيرادات.
الخيار الأول: استخدام المال في شكل حوافز ضريبية، أو إعانات للمصنّعين المحليين، لتمكينهم من استبدال الواردات التي ارتفعت أسعارُها.
الخيار الثاني: استخدام هذه الأموال في ضريبية عامة لتعويض المستهلكين عن ارتفاع أسعار جميع السلع المستوردة.
الخيار الثالث: استخدامها في خفض عجز الموازنة، وحتى لو كان الوصول إلى ميزانية متوازنة بعيداً جداً، فإن ضخ ما يقرب من نصف تريليون دولار قد يساعد على الأقل في تحقيق بعض الاستقرار.
ما هو الخيار الأمثل؟
تقطع دراسات أنه لا جدوى من محاولة الجمع بين الخيارات الثلاثة، حتى لو كان ذلك هو ما يميل إليه ترامب. سيكون تأثير 500 مليار دولار إضافية فعالاً فقط إذا تم توجيهه في اتجاه واحد.
رابعاً: خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة
أعلنت وكالة «موديز» خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة من Aaa إلى Aa1، لتُصبح آخر وكالات التصنيف الثلاث الكبرى التي تُزيل التصنيف الممتاز عن الاقتصاد الأمريكي، بعد ستاندرد آند بورز في 2011 وفيتش في . وبررت موديز قرارها بتفاقم العجز المالي الأمريكي، محملة المسؤولية للإدارات المتعاقبة والكونجرس، في ظل غياب مؤشرات على تحسن الوضع المالي.
* أكاديمي مصري

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا