اعتادت المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية الإعلان عن توقعاتها للأسواق والاقتصادات حول العالم، حتى يستطيع صُنّاع القرار في الدول والشركات وحتى الأفراد اتخاذ قراراتهم بشكل "متبصر"، يتيح لهم تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب أو تقليل الخسائر.
لكن في الفترة الأخيرة، ومع تصاعد الضبابية العالمية اقتصاديًا، بل وسياسيًا، بات السؤال أكثر إلحاحًا: هل ما زالت هذه التوقعات قابلة للاعتماد؟ وهل يمكن الوثوق بها في ظل عالم يتغير بوتيرة غير مسبوقة؟ خاصة مع تغيير العديد من الهيئات الاقتصادية لتوقعاتها بشكل متسارع.
توقعات غير صحيحة
مؤسسات اقتصادية كبرى مثل صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، ومكتب الميزانية الأمريكي، و"مورغان ستانلي" عدلت توقعاتها الاقتصادية عدة مرات خلال عام 2025 وحده.
وعلى سبيل المثال توقع بنك "جي.بي. مورغان" في بداية عام 2024 أن ينهي المؤشر الأمريكي الرئيسي "ستاندرد أن بورز 500" العام منخفضًا عن مستواه في بدايته، أي 4600 نقطة، وتوقع أن يتراجع إلى 4200 نقطة فحسب بنهاية العام.
وجاءت توقعات البنك حينها لأسباب منطقية، أهمها التضخم المرتفع الذي قد يؤثر على الاستهلاك المحلي، وسعر الفائدة المرتفع الذي يؤثر على الاستثمار، فضلًا عن أن 2024 عام الانتخابات الأمريكية بما يصاحبه من شد وجذب وعادةً ما يتراجع السوق أو يرتفع بنسب قليلة خلاله خاصة في الانتخابات المتوترة.
وفي المقابل توقع بنك أقل شهرة كثيرًا مثل "أوبنهايمر" أن يرتفع السوق خلال 2024 ليصل إلى مستوى 5200، وذلك انطلاقًا من تقديراته بأن موجة الصعود المرتبطة بالذكاء الاصطناعي وشركاته ستفوق التراجع وستعمل على تحقيق نمو موجب للمؤشر الأمريكي.
وواقعيًا انتهى 2024 بتحقيق المؤشر لزيادة بنسبة تفوق 27% ليتخطى مستوى 6000 نقطة قبل نهاية العام أيضًا، أي أن البنكين أخفقا في التوقع الصحيح للسوق، حيث أخفق "جي.بي مورغان" في توقع الارتفاع بل وقاده تحليله للسوق لتوقع الانخفاض، بينما أخفق "أوبنهايمر" في توقع نسبة الارتفاع الكبير.
ولا يعد البنكان هنا استثناء من غالبية المؤسسات المالية التي أخفقت بوضوح في توقع اتجاه حركة الأسواق أو حجم هذه الحركة ليثور التساؤل عن سبب ذلك؟
مؤشرات عدم اليقين والتوقعات
أول عامل هو ارتفاع مؤشرات عدم اليقين الاقتصادي التي تصدرها العديد من المؤسسات المالية العالمية، وأبرزها تلك التي يصدرها صندوق النقد الدولي، وفي كافة تلك المؤشرات فإن حالة عدم اليقين الاقتصادي ترتفع باستمرار منذ نهايات عام 2022، بما يجعل الوصول لتوقعات مستقبلية صحيحة أصعب كثيرًا.
وسجل مؤشر عدم اليقين الاقتصادي في الولايات المتحدة مستوى 413.76 في نهاية أكتوبر 2025، وهو أعلى بكثير من المتوسط التاريخي، رغم انخفاضه من ذروة بلغت 1026.38 في يناير 2024، مع تولي الرئيس الأمريكي ترامب للحكم وعدم وجود أي تقديرات لسياساته الاقتصادية المستقبلية.
وعلى سبيل المثال وفي أكتوبر الماضي راجع صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي لعام 2025 من 3.0% إلى 3.2%، لكنه أشار إلى أن هذه الزيادة جاءت بعد مراجعات متعددة خلال العام، نتيجة لتغيرات في السياسات التجارية الأمريكية.
وهذا وفقًا للصندوق، ومن قبله منظمة التعاون الاقتصادي التي رفعت توقعاتها للنمو العالمي للنسبة ذاتها في سبتمبر الماضي، كان ذلك بسبب "عامل واحد" وهو أن الرسوم الجمركية لم تؤثر على الاقتصاد العالمي بالدرجة التي توقعها، نتيجة تدشين خطوط تجارة جديدة ومحاولات ناجحة للالتفاف على العراقيل الجمركية حول العالم.
وعلى الرغم من أن الكثير من التوقعات لم تتحقق على أرض الواقع، إلا أن بعضها تحقق، ومنها توقع "مورنينغ ستار" لسوق الأسهم في بداية 2024 الذي صادفه الكثير من التوفيق، حيث توقعت "طفرة" بسبب الذكاء الاصطناعي، وبالفعل ارتفعت شركات مثل "إنفيديا" و"الفابت" و"مايكروسوفت" بنسب وصلت إلى 35%.
توقعات متباينة تماما
والشاهد أن هذا الاختلاف الكبير و"الضبابية" يدفع الكثير من المراقبين لتبني توقعات متباينة بشدة.
فعلى سبيل المثال، اختلفت توقعات الذهب بين بنوك "مورغان ستانلي"، و"جي بي مورغان" و"بنك أوف أمريكا" وبعض الخبراء في منصات المعادن الثمينة بين تراجع إلى مستوى 3500 دولار للأونصة بنهاية 2026، وبين الوصول لـ8000 دولار للأونصة بحلول 2027، وبين هذين "التوقعين" العديد من القيم المتباينة.
ويعكس ذلك "تبنّي" الجهات المختلفة أو المحللين لتوجه "متفائل بشدة" أو "متشائم بشدة" وبينهم توجهات بين "الحذر" و"المتفائل" وغيرهم في تقدير السوق.
فإذا اعتمد أحدهم على تحذير كاتب اقتصادي مرموق مثل "روبرت كيوساكي"، مؤلف "كتاب أب غني أب فقير" -وغيره كثيرون- من أن العالم يتجه نحو أزمة اقتصادية غير مسبوقة وأن الذهب هو الملجأ الآمن وبدرجة أقل العملات المشفرة، فإن هذا سينعش الذهب وسيؤثر سلبًا على الأسهم.
والعكس صحيح إذا تبنى الخبير أو المؤسسة مفهوم المدرسة الليبرالية التي تعتبر أن الصراع هو بمثابة فترة وجيزة وأن الأمور ستعود للتعاون لأن هذه هي "مصلحة" الأطراف المتصارعة في الاقتصاد حاليا، وتحديدًا الصين وأمريكا، مع نظرة أكثر تفاؤلًا لمستقبل الطفرة الإنتاجية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي فإن التوقعات ستشير لانتعاش سوق الأسهم وتراجع سوق الذهب.
خيارات المستثمر
والشاهد أنه مع الضبابية الكبيرة، وتداخل العديد من الأطراف صاحبة المصلحة في بقاء الأسواق مرتفعة، فضلًا عن المتداولين قليلي الخبرة، فإن النماذج التقليدية لتفسير الاقتصاد لم تعد كافية، لا سيما تلك التي تعتمد على بيانات تاريخية.
والمثال على ذلك هو نموذج فيليبس الذي يحلل العلاقة بين التضخم والبطالة، حين أظهر قصوراً في تفسير "اقتصاد ما بعد الجائحة" في الولايات المتحدة، حيث استمر التوظيف قوياً رغم ارتفاع التضخم، على الرغم من أن النموذج يرتبط بعلاقة عكسية بينهما لتأثير التضخم السلبي على الاستهلاك، وبالتالي على الإنتاج، ثم على التوظيف.
وهنا يجب أن يكون التركيز على السيناريوهات، فبدلاً من تقديم رقم واحد "أفضل تقدير" للنمو أو لمستوى مؤشر السوق، أصبحت بعض المؤسسات تقدم مجموعة من السيناريوهات لكل منها احتمالية خاصة بها.
ويسمح هذا للمستثمر أو لصُنّاع القرار بالاستعداد لمجموعة واسعة من الاحتمالات، بدلاً من التركيز على توقع واحد قد ينهار مع أول صدمة غير متوقعة، مع ملاحظة أن التقلبات الاقتصادية دائمًا ما تقدم فرصًا كما تقدم تحديات.
وفي النهاية يجب أن تكون الأولوية في ظل هذه الظروف للتحوط، أي أن تكون المحفظة الاستثمارية موزعة بين أصول قليلة ومتوسطة المخاطر، وتجنب الأصول عالية المخاطر تمامًا حتى وإن كانت تعد -نظريًا- بعائد كبير، وقراءة الأسس التي تبني عليها المؤسسات الاقتصادية توقعاتها وتقييمها، وعدم اعتبارها من "المسلمات".
المصادر: أرقام- صندوق النقد الدولي- مورغان ستانلي- سي إن بي سي- بروكينجز
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
