واصلت دولة الإمارات تعزيز مكانتها بصفتها وجهة عالمية رائدة في مجالات الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي، عبر استقطاب كبرى الشركات التكنولوجية وتوسيع الاستثمارات في البنية التحتية الرقمية والحوسبة السحابية. وتشهد الدولة نمواً متسارعاً في اعتماد التقنيات المتقدمة، مدعومة بسياسات حكومية طموحة ورؤية شاملة تهدف إلى بناء اقتصاد معرفي متنوع ومستدام. وتشير تقديرات اقتصادية إلى أن الذكاء الاصطناعي سيسهم بنحو 500 مليار درهم في الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات بحلول عام 2030، فيما يتجاوز الإنفاق الإقليمي على التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي 1.1 تريليون درهم خلال السنوات القليلة المقبلة. وفي ظل هذه المؤشرات، باتت دبي مركزاً محورياً لعمليات كبريات شركات التكنولوجيا العالمية التي تتخذ من الإمارات قاعدة استراتيجية لتوسيع حضورها في الأسواق الإقليمية والعالمية. وأكد مسؤولو شركات لـ«الخليج» أن دولة الإمارات قد رسخت مكانتها على خريطة الاقتصاد الرقمي العالمي، بفضل سياساتها الجاذبة واستراتيجياتها الطموحة في مجال الذكاء الاصطناعي مع سرعة التحول الرقمي، كما تواصل دبي تعزيز موقعها كمنصة إقليمية لقيادة الابتكار وتحويل الطموحات الرقمية إلى إنجازات واقعية تخدم مستقبل التنمية المستدامة. استثمارات كبيرة قال وينيو زان، نائب الرئيس التنفيذي لشركة iFLYTEK، في تصريحات خاصة لـ«الخليج»، إن افتتاح المقر الإقليمي للشركة في دبي يمثل محطة محورية في توسع أعمالها؛ إذ سيعمل كمركز رئيسي لإدارة عمليات الشركة في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا، وخدمة الأسواق في الإمارات والسعودية وقطر وشمال إفريقيا، في وقت تشهد فيه المنطقة زخماً متسارعاً في تطبيقات الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي. وأضاف زان أن منطقة الخليج العربي، وفي مقدمتها دولة الإمارات، تمثل ركناً أساسياً في استراتيجية الشركة العالمية، موضحاً أن دول المنطقة استثمرت أكثر من 1.1 تريليون درهم (300 مليار دولار) في مبادرات التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي خلال عام 2024، ما يجعلها من أكثر البيئات جذباً للاستثمار في هذا القطاع الحيوي. وأكد أن الشركة تقدّر الرؤية المستقبلية لدولة الإمارات التي رسّخت موقعها كمركز عالمي للابتكار التكنولوجي، من خلال سياسات تدعم التحول نحو الاقتصاد المعرفي وتعزز كفاءة الحوكمة وتكافؤ الفرص التعليمية. وأوضح زان أن الشركة تقدم منظومة متكاملة من حلول الذكاء الاصطناعي تشمل البنية التحتية الحاسوبية والنماذج الضخمة وأدوات التدريب ومنصات تطوير التطبيقات الذكية، مشيراً إلى أن هذه الحلول أثبتت نجاحها في الصين، ما يعزز الثقة بقدرتها على تحقيق نتائج مماثلة في الأسواق العربية. وبيّن أن العالم العربي، الذي يضم أكثر من 400 مليون متحدث بالعربية، يعد من أسرع الأسواق نمواً في تقنيات اللغة والترجمة الذكية، مشيراً إلى أن الشركة تعمل على تطوير منصات لغوية عربية مخصصة بالتعاون مع الجامعات ومراكز البحث في المنطقة، بهدف جعل الذكاء الاصطناعي «يفكر بالعربية ويفهم ثقافتها»، مع التركيز على حماية خصوصية البيانات وتعزيز أمنها. وكشف زان عن أن الشركة شاركت في مشاريع تجريبية في الآلات الذكية والمساحات الذكية، مشيراً إلى خطط لتوسيع فرق البحث والتطوير في الخليج لتطوير النماذج العربية محلياً وتنمية الكفاءات الوطنية في هذا المجال. توجه واضح قال جوني كرم، المدير العام لشركة «كوهيزيتي» لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا، إن السوق الإماراتية تشهد طفرة نوعية في تبني حلول إدارة البيانات المؤسسية والذكاء الاصطناعي، في ظل توجه حكومي واضح نحو التحول الرقمي المستدام. وأضاف أن الشركة توسّع استثماراتها في الإمارات مع ارتفاع الطلب على حلول حماية البيانات وإدارتها الذكية بنسبة تفوق 48% هذا العام. وأشار كرم إلى أن حجم سوق البيانات في الدولة تجاوز 3.67 مليار درهم في عام 2025، ومن المتوقع أن ينمو بمعدل سنوي مركب يبلغ 17% حتى عام 2028، مدفوعاً بالاستثمارات الحكومية في البنية التحتية الرقمية. وأوضح أن حلول «كوهيزيتي» أسهمت في تقليل زمن استرجاع البيانات بنسبة 87% مقارنة بالأنظمة التقليدية، مؤكداً أن الإمارات تعد نموذجاً عالمياً في سرعة تطبيق استراتيجيات التحول الرقمي وتنفيذها بكفاءة. مركز للتوسع من جانبه، قال ناجي عطا الله، المدير الإقليمي لشركة «أوتوديسك» لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إن دبي أصبحت مركزاً محورياً لقطاع الابتكار والتصميم الهندسي الذكي، بفضل بنيتها التحتية الرقمية المتقدمة ودعمها المتواصل لتقنيات المستقبل. وأوضح عطا الله أن حجم الإنفاق على التحول الرقمي في الإمارات تجاوز 22 مليار درهم خلال عام 2025، بزيادة سنوية قدرها 15 %، ما يعكس التزام الدولة بتسريع اعتماد تقنيات التصميم الذكي والحلول السحابية المتقدمة. وأشار إلى أن تقنيات «أوتوديسك» تسهم في خفض تكاليف المشاريع بنسبة تصل إلى 25% وزيادة الكفاءة التشغيلية بنحو 40 %. وأكد عطا الله أن الإمارات تمثل مركزاً استراتيجياً لتوسيع أعمال الشركة في المنطقة، وانطلاقاً من دبي التي أصبحت بيئة مثالية لاختبار حلول التصميم والبناء المستقبلية. تعزيز جاهزية البنية التحتية الرقمية قال معن الشكرجي، الرئيس الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وتركيا وإفريقيا في شركة «إكستريم نتوركس»: أظهرت دراسة حديثة أن 97% من قادة تقنية المعلومات في الإمارات يخططون لزيادة حصة ميزانية الشبكات ضمن الإنفاق الكلي لتقنية المعلومات خلال 2025، في خطوة تهدف إلى تعزيز جاهزية البنية التحتية الرقمية للتعامل مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي والتحديات المتزايدة في مجال الأمن السيبراني. وأكد الشكرجي أن المؤسسات في الدولة تولي أهمية متنامية لتطوير الشبكات الذكية القادرة على دعم التحول الرقمي السريع، ما يعكس تركيزاً متزايداً على رفع الكفاءة التشغيلية وتحسين أمان البيانات في بيئات العمل المعتمدة على الذكاء الاصطناعي. وأوضح أن سوق الإمارات يشهد تحولاً نوعياً نحو تبني الشبكات الذكية والمؤتمتة، مدفوعة بارتفاع الطلب على حلول أكثر أماناً وقابلية للتوسع. مشيراً إلى أن الشركة، التي تتخذ من دبي مقراً إقليمياً، رفعت طاقم أعمالها مؤخراً بنسبة 20% لتلبية الطلب المتزايد على المنصات التي تعتمد الذكاء الاصطناعي لتحسين أداء الشبكات وتمكين المؤسسات من مراقبة بنيتها التحتية واتخاذ قرارات تشغيلية أسرع وأكثر دقة. وأضاف أن التعاون بين القطاعين العام والخاص يسهم في تسريع الانتقال إلى الشبكات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، بما يعزز تنافسية الاقتصاد الرقمي في الدولة والمنطقة، مشيراً إلى أن أولويات العملاء تتمحور حول الأمان والموثوقية وتجربة المستخدم وخفض الكلفة الكلية للملكية.