الارشيف / عرب وعالم / الامارات / صحيفة الخليج

محمد بن راشد: الأوطان

دبي: «الخليج»

كشأن الشعراء الفرسان الذين يمتازون بشدة صلابتهم، وقوتهم، وهمتهم العالية، ورهافة إحساسهم، فهم لا ينتظرون كثيراً، حين تطرق القصيدة إحساسهم المرهف، فتبدأ بالسيلان قطرات من شذى وعبير، ومعان وحكم خالدات على مر التاريخ، وهذا هو شأن القصيدة الجديدة لصاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، وهي بعنوان: «بنات الملوك»؛ هذه القصيدة التي تبدأ بمطلع يضيء على دلالتها وفرادتها، في ليلة متفردة عاشها سموّه وهو يشرع في كتابتها، كانت من دون شك ليلة متميزة ولا تشبه غيرها، فكانت القصيدة العنود، القصيدة التي يشبهها الشيخ محمد بن راشد، بالسحابة التي تعد بالمطر الكثير، والقصيدة التي ازدانت بالشباب والصبا رغم مرور السنين وتبدل الأحوال.

وقصيدة «بنات الملوك» متفردة، مرت في تسع حالات، ولنقل مجازاً - خلال تسع ولادات (عدد أبيات القصيدة) فهي إذن قصيدة متحركة، ولها أصوات متعددة، وكل صوت له جرس خاص، ومتميز لا يشبه غيره، فثمة صوت يتحرك مع دلالة الفهم والإدراك، وآخر له صورة مع العلم، وآخر صادر عن القلب، وهكذا.

ولعل ما يميز القصيدة، أنها مكتوبة في وصف دولة ، ماضياً، حيث التراث والمجد والسؤدد، والحاضر المشرق بالإنجازات والتطلعات، والمستقبل الذي هو صورة الحاضر بكل ما فيه من مهابة وحضور وتجلّ عربي ودولي.

تسعة أبيات، وكل بيت يشرق بمعنى ودلالة، وتصدر عن شاعر متمرس في سبك الكلام، ونسج الصور، على النحو الذي اعتاد المشاهدون والقراء سماعه في كل قصائده المبهجة والماتعة والطافحة بالمعاني والحكم والتصاوير والرموز الخالدة.

يبدأ الشيخ محمد بن راشد، قصيدة «بنات الملوك» بقوله:

ليلي أنا غيرْ مع ليلى القَصيدِ العَنودْ

وقَصيدتي يزيدَها مَرّ الليالي صِبا

وفَهْمي أنا غير ما تحدّهْ مْدودْ وسْدودْ

ولَوْ خَبا نور الأفْهامْ هو ما خَبا

وفي هذين البيتين وكما أشرنا آنفاً، يصور الشيخ محمد بن راشد،  تلك الحال، وذلك الهاجس الذي ألحّت عليه القصيدة بالقول، وها هو حين يناديه هاجس الشعر، يرجم هذا الهاجس الشعري بأحسن القول وأعذبه، من حيث المفردة والصورة، فيختار الأجمل والأنسب، وهو الشاعر الفاهم و«الفهيم» أي المدرك لأبعاد القصيدة وتحولاتها في خلجاته ومشاعره (هو الشاعر الذي لا تقف أمام فهمه أية حدود ولا أي سدود)، فلا يبخل عليها بأجمل الكلام، ومن غيره يمتلك الموهبة وسعة الأفق في طرح أفكاره ومفرداته الأدبية التي تخرج كالجواهر واللآلئ النادرة بالسجايا والحكم.

في البيتين التاليين يقول:

وعِلْمي أنا غيرْ ما يَبْغي حضورْ وشهودْ

عطيّة الله لي عَزّتْ لِمن يَطْلبا

وقَلْبي أنا غيرْ ما يْخافِ الجَفا والصّدودْ

وحَبيبتي غيرْ تِحْيا بين وَحشِ الظِّبا

هنا، يبدأ نقلة شعرية جديدة، يحرص بها على الاعتداد بنفسه، وهذه من صفات الشاعر الفارس، فقد حرص كبار الشعراء كما هي حال المتنبي على الاعتداد بالنفس، وهذه ميزة مستحبة، لها عند الشعراء مقام كبير، وهو مقام محسوب في ضفة العلوم الآداب، فحرص الشعراء الكبار دائماً على استيعابها لتمدّهم بطاقة كبيرة في علم الكلام، وأطوار الثقافة، وريادة المجالس، حيث يؤكد الشاعر فرادة علمه، هذه الفرادة التي ميزت شخصيته، وهي في كل الأحوال عطية أو منحة يهبها الله من يختصهم من عباده كيف يشاء.

جهة القلب

وفي جهة القلب، ثمة صوت خاص لهذه القصيدة، التي تصدر عن قلب لا يخشى، ولا يخاف الجفا والصدود، أما حبيبته هنا، فهي كما يصفها محبوبة أخرى، لا مثيل لها، هي بكل تأكيد دولة الإمارات، التي نشأ في أحضانها، وتعلّم في كنفها، وتربّى بين شيوخها وقادتها فتعلم منهم الكثير، وها هو اليوم، يصبح واحداً منهم، حرص على تدليل هذه الحبيبة، ومدّها بكل أسباب العلم والفخار والتطور.

في الأبيات التي تلي، يعبر الشيخ محمد، بطريقته الخاصة عن مديات هذا الحب، وهو يتجول في صدره (كناية عن القلب)، ويسافر بين جوانحه، ويشبه هذا القلب بالبلد الشاسع الحدود، الذي تحرسه جنود ليست كالجنود، هم جنود غالبون، ولطالما حرص صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد، على مدح جنود الدولة، لكنهم في هذه القصيدة في صورة من الرونق والبهاء والخلود والعز الذي لا تدانيه صفة ولا ميزة.

هؤلاء الجنود كما يصفهم لا يغلبهم أحد، فهم مثال الشجاعة والإقدام عند العريكة، وهم جنود الوطن الذي يحدّه بحر شاسع، بحر ذو عواصف لا قبل للأعداء بمجاراتها، بحر لا تصل إلى قاعه أية (بلود) أو أية مستوطنات بشرية، من كثرة ما في هذا الوطن من حمية، وذود عن الأوطان والعباد.

يقول:

وصَدْري أنا غيرْ واسع ما لِوِسعَهْ حْدودْ

كنَّه بَلدْ في اتّساعه للمَدى يِتْعَبا

وجِنْدي أنا غيرْ ما تِشبَهْ جنودي الجنودْ

ما حدّ لِجِنْدي ولَو حاولْ لِهمْ يغلِبا

وبَحْري أنا غيرْ ما توصل لقاعَهْ بلودْ

ومِنْ دخل في عواصيفِ الخَطرْ يِركَبا

سيرة المجد

وحين يتحدث الشيخ محمد بن راشد، عن أخيه وصاحبه، صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، يكون الكلام ذا وقع خاص يليق بالموصوف، فبمجرد ذكر اسم رئيس الدولة، يسطع ما يشبه البرق والرعد، والصليل، وهو الذي لا يدانيه في التشابيه صوت، كيف لا، وهو من سلالة ماجدة وتليدة، هو ابن الإمارات، الرافلة بالعزّ، وهو من سلالة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، الذي يسير على خطاه ويتمثل مناقبه الرفيعة.

وخوي أنا غيرْ له سمعه ع دقّ الرّعودْ

له سيرةِ المَجْد كانّه جاكَ عنْه النَّبا

هذي الإمارات مِحْلوّه عليها العْقودْ

بَناتِ المُلوك وحَياتي لها بو هِبا

 

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا