عرب وعالم / الامارات / صحيفة الخليج

المعجم التاريخي للغة العربية يشرق بجهود سلطان

الشارقة: جاكاتي الشيخ

فرضت إمارة الشارقة نفسها كعاصمة للثقافة العربية، بلُغتها وأدبها وفنونها، بعد أن مضى صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، في تحقيق رؤيته الرامية للنهوض بهذه الثقافة، عبر رعايتها ودعمها لكي تصل إلى مكانتها اللائقة بين الأمم، فكان النهوض باللغة العربية على رأس أولوياته لتحقيق هذه الرؤية من خلال عدة مبادرات، أهمها «المعجم التاريخي للغة العربية» الذي رأى النور مكتملاً في 127 مجلّداً.
أكد صاحب السموّ حاكم الشارقة، في أكثر من مناسبة أن الإمارة ماضيةٌ في جهود دعم ونشر وتعليم وتدريس اللغة العربية في مختلف أنحاء العالم، وحفظها، من خلال العديد من المشاريع الخاصة مثل «المعجم التاريخي للغة العربية»، الذي يتضمن حصر تاريخ هذه اللغة العظيمة على امتداده، وتاريخ علاقتها بمن تداولوها، وهو ما يسهم دون شك في إثراء مصادر دارسيها وتعميق ثقافة متعلميها والمتحدثين بها، وحمايتها من الزوال والتشويه.
إرادة
جاءت إرادة إنجاز هذا المشروع الضخم من صاحب السموّ حاكم الشارقة، كونه مثقفاً مُدرِكاً لجسامة المسؤولية الملقاة علينا كورثة لهذه اللغة الجميلة، خاصة أن علاقته بالتاريخ علاقة دَارِسٍ وخبيرٍ في دوره التوثيقي في الحفاظ على الذاكرة الثقافية وترسيخ أهمّ أُسُسِها، ما جعله لا يدّخر أية وسيلة مادية ولا معنوية في سبيل التأريخ لهذه اللغة، تأريخاً رصيناً، لم يُوفّق الكثيرون في محاولته.
ويقول سموه في مقدمة المعجم: «غني عن البيان أن أقرِّرَ في هذه المقدمة الموجزة أن العربية من أوسع اللغات العالمية، بل هي أوسعها، وأثراها وأخصبها، وأجملها وأبهاها، وفيها من الخصائص والمميزات ما يجعلها تتربع على عرش اللغات العالمية، وخدمتها واجب بل دَيْن في رقابنا، ومنذ اهتمامي بعلم التاريخ والآثار والتراجم ودراسة الحضارات والعناية بالتوثيق، انقدح في ذهني أنه من الضرورة الحتمية أن يكون للعرب معجم تاريخي يُؤرّخ لجميع ألفاظ اللغة منذ نشأتها الأولى إلى العصر الحديث، وقد سألتُ أهلَ الاختصاص، وأُخبِرت أن محاولات كثيرة شرع فيها أصحابُها ولم تؤتِ ثمراتها، نظراً لأسباب وعوامل مختلفة أهمها ضخامة التراث العربي، والتكلفة المادية الباهظة، وحجم المشروع الذي يمتد من الفترة التي تسبق العصر الإسلامي، منذ قبائل عاد وثمود، ولغات أهل جديس وطسم وحمير مروراً بأشعار الجاهلية، إلى بزوغ شمس الإسلام وتوالي العصور الإسلامية الزاهرة وصولاً إلى العصر الحديث».
هكذا إذن عزم سموّه على التكفّل بإنجاز مشروع المعجم الأكبر، الذي أشرقت أنواره على أبناء الأمة، ومحبّي اللغة العربية، بعد عمل شاق ومضنٍ أشرف عليه سموّه، وأطّرَه اتحاد المجامع اللغوية العربية العلمية، ليُنجَز بجهود مئات الأدمغة المُجَنّدة من الباحثين اللغويين والمحررين والخبراء المراجعين، وفي مقدمتهم علماء اتحاد المجامع ورؤساؤه، وليُنفّذ بإشرافٍ وتنسيقٍ مُحكمين من العاملين في مجمع اللغة العربية بالشارقة.
ضرورة
عرفت اللغة العربية عبر تاريخها العديد من أنواع المعاجم، كمعاجم المعاني أو الموضوعات التي تجمع الألفاظ الخاصة بموضوع معين، ومعاجم الألفاظ التي تجمع ألفاظ اللغة عموماً، حسب ترتيب معين، دون نظر إلى الموضوع، ومعاجم المُعرَّب والدّخيل التي تحتوي على الألفاظ والمفردات التي أُدخِلت إلى اللّغة العربيّة من طرف الشّعوب الأجنبيّة، ومعاجم الأمثال التي تحتوي على الأمثال العربيّة وشرحها وتوضيح معانيها ومقاصدها، ومعاجم المفردات التي تحتوي على المعاني الخاصّة بمُفردات القرآن الكريم والسُنّة النبويّة، ومعاجم المُصطلحات العلميّة والفنيّة التي تحتوي على شرح وتوضيح المُصطلحات الطبيّة والعلميّة والفنيّة، إلا أنها ظلّت في أمسّ الحاجة إلى معجم تاريخي شامل، حتى صدر المعجم التاريخي للغة العربية، الذي يصدق عليه وصف صاحب السموّ حاكم الشارقة، بأنه ضرورة لغوية وحضارية وتاريخية، وإنجازه سيحدث حركة عظيمة في ميدان الكتابة والتأليف والإبداع الأدبي والإنتاج الشعري، وسيعود بالعربية إلى أمجادها، ويبعث فيها الحيوية والحركة من جديد، وإن كانت العربية لم تمتْ ولن تموتَ لارتباطها بوحي السماء، خاصة أن جلّ اللغات الحيّة امتلكت معاجم مماثلة منذ حقب طويلة، إلا أن اللغة العربية كانت تنتظر من يمتلك مثل هذه الإرادة القوية وهذا العطاء السخي في سبيل ما يشكّل أحد أعظم إنجازاتها على مرّ التاريخ.

حاجة
لعل سَدَنَةَ هذه اللغة أدرى بتلك الحاجة الضرورية، لما كابدوه طيلة العديد من المراحل التاريخية لتحقيق ، حيث ظلوا يتطلّعون إلى إنجاز معجم تاريخي لهذه اللغة، التي تُعَد إحدى أجمل لغات العالم وأثراها، لثقلها الفكري والثقافي والعلمي والفني، وكان من اللازم أن تلتحق بمثيلاتها من اللغات العالمية التي أنجزت لها معاجمها التاريخية، خاصة بعد ظهور المجامع اللغوية العربية، التي سعت إلى ذلك، وتوفّرت لديها بعض الظروف المؤسسية الملائمة، حيث اجتمع تحت مظلتها العديد من الخبراء والمتخصصين اللغويين الذين بإمكانهم القيام بهذه المهمة الجسيمة، لا سيّما مجمع اللغة العربية بالقاهرة الذي ضمّن الفكرةَ أولى وثائقه الرسمية سنة 1932، وشكّل سنة 1936 لجنة للشروع في إعداده بإشراف المستشرق الألماني بروفيسور فيشر، عضو المجمع، إلا أن ظروف تلك المرحلة لم تمكّن اللجنة من إتمامه، فلم ينشر إلا ما عُمِل في نطاق حرف الهمزة، وحين أُسس اتحاد المجامع اللغوية العربية تجدد الاهتمام بالفكرة، إلا أنه ظل اهتماماً نظرياً تبدّد مع مرور الوقت بسبب ضخامة المشروع والحاجة إلى التمويل والرعاية.
وقيّض الله لهذا المشروع صاحب السموّ حاكم الشارقة ليتكفّل بإنجازه، حيث يقول البروفيسور حسن الشافعي رئيس اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية، في بداية الجزء الأول من المعجم: «شاء الله -عز وجل- أن تتجه هِمّة صاحب السمو الشيخ العالم المدقق المحقق مأمون الأمراء العرب، المهموم بمصالح أمته، الشيخ الدكتور سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، إلى مشروع المعجم التاريخي، ضمن مشروعاته العلمية المتعددة التي يقيمها في أرجاء العالمين العربي والإسلامي، وأن يتكفل مجمع الشارقة للغة العربية بكل المتطلبات العلمية والمادية التي وقفت خلال عقود متوالية، دون إنجاز المعجم المنشود، فأقام سموه أولاً داراً فاخرة، بل صرحاً علمياً لاتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية، مزوداً بأجهزة العمل بمدينة السادس من أكتوبر، الضاحية الجنوبية للقاهرة، على أرض قدمتها حكومة ، ورعى جهود الاتحاد في إقامة الجهاز الضروري، إدارياً وعلمياً، على أن يكون العمل تحت مظلة الاتحاد، والجانب العلمي والإشرافي في القاهرة، والجانب التنفيذي - بأجهزته العملية، على أرقى مستوى معاصر، وكذا الجانب المالي في مجمع الشارقة، والكل برعاية سموّه شخصياً– جزاه الله كل خير– مع لجنة علمية للمجلس العلمي للاتحاد، ولجنة للتنسيق والمراجعة والاعتماد بإشراف الأمانة العامة للاتحاد».
منهجية
لأن مثل هذا العمل الجليل يحتاج الكثير من الجهد والأمانة العلمية، كان من اللازم اتخاذ خطوات منهجية صارمة ودقيقة للوصول إلى هدفه المنشود، وحول ذلك يقول البروفيسور مأمون عبد الحليم وجيه، المدير العلمي للمعجم التاريخي، عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة، في بداية الجزء الأول من المعجم: «إن رحلة المعجم بمرحلة التخطيط والإعداد التي استغرقت أكثر من عامين، جرى فيها التخطيط للمعجم تخطيطاً علمياً سديداً، وفق الأصول المرجعية لبناء المعاجم اللغوية التاريخية، وبناء على معطيات هذا التخطيط اللغوي السديد ونتائجه تأكدت إمكانية نجاحه، بعد دراسة نقاط القوة والضعف والفرص والتحديات، فاتُّخذ القرار ببدء العمل، كما تم وضع الخطة التنفيذية التي نهضت على عدد من الأسس والدعائم أهمها: إسناد إنجاز المعجم إلى اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية، وهو مؤسسة علمية متخصصة تنضوي تحتها المجامع والمجالس والمراكز اللغوية في العالم العربي، ليكون العمل أكاديمياً جماعياً مؤسسياً، وتحديد الهيكل التنظيمي للمعجم، إدارياً وعلمياً وتنفيذياً، ضبْطاً للحوكمة وانتظام العمل وعدم تداخل المهام، وتحديد تخوم المعجم وخريطته الزمنية والجغرافية، كما شملت الخطة، إعداد المنهج العلمي لبناء المعجم وتحريره، ليكون معياراً وخريطة واضحة المعالم، تعصم السالكين من المحررين من الخروج عن جادة الصواب، وتضمن سير العمل على نهج واحد مستقيم، وتحديد المجامع المشاركة في المعجم وتشكيل اللجان العلمية بها وفق مواصفات ومعايير علمية دقيقة، وكذلك تحديد مصادر المعجم وجمعها، موزعة على الجغرافيا اللغوية في كل العصور، شاملة مصادر كل الفنون والعلوم، حرصاً على تمثيلها للغة تمثيلاً محيطاً شاملاً، متجاوزةً عصور الاستشهاد المعجمية الموروثة إلى الاستشهاد بكل نص عربي صحيح في كل العصور، وصناعة مدونة رقمية خاصة بالمعجم، وتدريب المحررين في كل البلدان العربية المشاركة على قواعد المنهج والنموذج التطبيقي وقواعد التحرير، وطرائق استخدام المدونة الرقمية والاستفادة منها، بالإضافة إلى المتابعة العلمية المستمرة للمحررين، والإجابة عن تساؤلاتهم، وعمل نشرات دورية بالتحديثات والتوجيهات اللازمة، وعمل مراجعة علمية توجيهية بعد شهرين من بدء العمل على عدد من النماذج المحررة لاستكشاف ما يجب تصويبه وتصحيحه ضبطاً لمسار العمل على نهج قويم.
وتمّت تلك الخطوات المنهجية كما خُطط لها، بمتابعة دائمة من صاحب السموّ حاكم الشارقة، الرئيس التنفيذي الأعلى لمشروع المعجم التاريخي للغة العربية، الذي كان مُصرَّاً على أن يتم التنفيذ بأحسن ما يمكن».
مزايا معجمية
عن المزايا اللغوية لهذا المعجم التاريخي، يقول البروفيسور مأمون عبد الحليم وجيه: «إن فيه من المزايا والفوائد اللغوية ما لا يُعد ولا يحصى، فهو رصدٌ لتاريخ الكلمات العربية، بتتبع تاريخ ميلاد الألفاظ، ودلالاتها الأصلية، وتاريخ استعمالها، وتطور دلالاتها، وتاريخ ظهور الدلالات الجديدة، وما طرأ على اللغة من تغيرات، ورصد ما استعملته العربية من الألفاظ الدخيلة والمُعربة والمحدثة، وتاريخ استعمالها في كل عصر، وتنمية اللغة وتوسيعها بالخروج على عصور الاحتجاج الموروثة، والاستشهاد بالصحيح في كل العصور، وتحرير العلاقة بين العربية وبقية اللغات السامية، مُنتهياً إلى أن اللغات السامية ما هي إلا لهجات تحدّرت من اللغة العربية الأم، واستقلت في مواطنها، وتعرضت عبر تاريخها الطويل لكثير من التحولات والتغييرات اللغوية، إلا أنها ظلت رغم ذلك محتفظة بكثير من خصائص اللغة الأم في البنية والدلالة والتركيب، ثم إن من شأن هذا المعجم التاريخي فتح آفاق جديدة في الدراسات اللغوية، إذ يشكل محتواه منهلاً عذباً وثرياً للأبحاث والدراسات اللغوية والمعجمية المتنوعة، وبالإضافة إلى كون هذا المعجم الوثيقةَ الكبرى لاستعمال الألفاظ العربية، التي يوفر لقرّائها نماذج عظيمة لاستعمالها اللغوي، فإن الدكتور امحمد صافي المستغانمي، المدير التنفيذي للمشروع، الأمين العام لمجمع اللغة العربية بالشارقة، يؤكد أنه معجم يؤرخ لأحداث الأمة العربية في عصورها الخالية، ويرصد حركة الدول التي نشأت تحت راية الإسلام، وفي ربوع العالم العربي المُمتدّ من جزيرة العرب شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً، ومن بلاد الأندلس وشمال إفريقية إلى أعماق صحراء إفريقيا جنوباً، كما يؤرخ المعجم للمحافل التي أقيمت للشعر، ويسلط الأضواء على منتديات العرب ومجامعها، وتجاراتها، وحروبها وغاراتها وأيامها، والشعوب التي تحدّثت بها، والعلوم التي دُوّنت بها، حتى يصل إلى عصر الصحافة والإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي الحديثة؛ فهو بحق الذاكرة الموسوعية للأمة العربية، وسجل أحداث لكلّ الشعوب التي تحدثت بهذه اللغة الجميلة عبر تاريخها المديد.
وعد طال انتظاره
كان إعلان صاحب السموّ حاكم الشارقة، في 30 سبتمبر 2024، عن اكتمال طباعة المعجم التاريخي في 127 مجلداً، إعلاناً عن إنجاز وعْدٍ انتظره كل محبّي اللغة العربية، رغم أنه لن يكون الأخير في جهود سموّه لخدمة هذه اللغة العظيمة، حيث أعلن عن انطلاق العمل في «الموسوعة العربية الشاملة» التي ستضم كل المصطلحات العربية في العلوم والآداب والفنون والأعْلام، ولا يوجد مصطلح عربي خارجٌ عنها إلا الدخيل منه منعاً لتشويه اللغة.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا