تعاون دولي ومصالح متوازنة أبرز ما تتمتع به العلاقات الإماراتية الروسية القائمة على الاحترام المتبادل والانفتاح في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية، إذ تبنّت قيادة الإمارات منذ تأسيسها عام 1971 رؤية خارجية متوازنة، عملت خلالها على مد جسور التعاون مع مختلف القوى الدولية، بما في ذلك الاتحاد السوفييتي آنذاك، وروسيا الاتحادية لاحقاً، وأثمرت تلك الرؤية عن شراكة شاملة بين أبوظبي وموسكو، شملت قطاعات ونواحٍ عدة مختلفة وشاملة، ما جعل من العلاقة بين البلدين واحدة من أكثر الشراكات تطوراً نمواً في العالم المعاصر. تبادل السفراء بدأت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1971 مع الاتحاد السوفييتي، واستكملت في عام 1991 مع روسيا الاتحادية، غير أن قرار تبادل السفراء جرى التوصل إليه في نوفمبر 1985، وفي عام 1986 جرى افتتاح سفارة الاتحاد السوفييتي في أبوظبي، وفي إبريل 1987 افتتحت سفارة دولة الإمارات العربية المتحدة في موسكو، بينما افتتحت القنصلية العامة الروسية في دبي عام 2002، وعبر ذلك عن مدى قوة العلاقة بين البلدين الصديقين، حيث يعد هذا التأسيس المبكر دليلاً على حرص القيادة الإماراتية، ممثلة في المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، على تنويع الشراكات الدولية.أما بالنسبة لللتبادل التجاري بين الإمارات وروسيا، فقد شهد نمواً مطرداً، إذ بلغ التبادل التجاري غير النفطي بينهما 13.7 مليار درهم عام 2013، و13.1 مليار درهم عام 2014، في حين بلغ 9.3 مليار عام 2015، ونحو 7.6 مليار درهم عام 2016، قبل أن يرتفع مجدداً إلى 9.3 مليار درهم عام 2017، وإلى 12.5 مليار درهم عام 2018، وإلى 13.5 مليار درهم في 2019، لكن في عام 2020 شهد حجم التبادل التجاري بين البلدين هبوطاً نتيجة جائحة كورونا ووصل إلى 9.4 مليار درهم، لكنه عاد ليقفز بأكثر من 100% عام 2021 ووصل إلى 19 مليار درهم، ثم 39.6 مليار درهم خلال عام 2022، و40.2 مليار درهم عام 2023. الشريك التجاري تعد دولة الإمارات الشريك التجاري الأول لروسيا في منطقة الخليج، ما يعكس الموقع المحوري الذي تحتله الدولة بصفتها مركزاً لوجستياً ومالياً عالمياً، وتؤدي السياسات الاقتصادية المرنة للإمارات، بما في ذلك المناطق الحرة ومركز دبي المالي العالمي، دوراً رئيسياً في جذب الشركات الروسية، إذ تستحوذ الدولة على النسبة الأعلى من إجمالي استثمارات روسيا في الدول العربية.كما أن دولة الإمارات هي أكبر مستثمر عربي في روسيا، وتسهم بأكثر من 80% من إجمالي الاستثمارات العربية فيها، كما أنها الشريك التجاري الخليجي الأكبر لروسيا بنسبة 55% من إجمالي التجارة الروسية الخليجية، وتحظى روابط البلدين على مدار 5 عقود بعلاقات وطيدة، وواصلت ازدهارها حتى تكللت بالشراكة الاستراتيجية القوية التي تجمع البلدين. دور بارز تؤدي دولة الإمارات دوراً بارزاً في وساطة الإفراج عن الأسرى بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا، وهو ما يعكس مكانة الدولة الإقليمية والدولية في تعزيز السلام والأمن والاستقرار، ويجسد نجاح هذه الوساطة النهج الإماراتي الراسخ في دعم الحلول السلمية، وترسيخ لغة الحوار والسلام كسبيل لحل النزاعات والأزمات، ما يسهم في تحقيق الأمن والاستقرار وتخفيف آثار معاناة الشعوب المرتبطة بالصراعات، إذ تمثل الوساطة نموذجاً حقيقياً وقيماً يحتذى به في تعزيز مبادئ السلام على المستوى الدولي، ويعزز النجاح مكانة دول مجلس التعاون بصفتها شريكاً موثوقاً في الجهود العالمية لتعزيز الأمن والسلم، كما يؤكد عمق التعاون والتنسيق مع المجتمع الدولي من أجل مستقبل أكثر أمناً واستقراراً للجميع.كما يتقارب موقف البلدين في عدة ملفات لدعم مسارات التسوية السياسية والاستقرار، وتجري الدولتان مشاورات دائمة في مجلس الأمن ومنظمات دولية حول الأمن الغذائي والطاقة والتهدئة الإقليمية.أيضاً، تعد الإمارات وروسيا عضوين فاعلين في تحالف «أبوك بلس»، ما يعزز تنسيقهما في أسواق النفط لضبط الإنتاج والأسعار عالمياً، شراكة فضائية برز التعاون الفضائي كأحد رموز هذه العلاقة المتقدمة، إذ أسهمت وكالة «روسكوزموس» في تدريب أول رائد فضاء إماراتي، هزاع المنصوري، ضمن مراحل التأهيل لرحلته إلى محطة الفضاء الدولية عام 2019، ووقعت دولة الإمارات، ممثلة في مركز محمد بن راشد للفضاء وجمهورية روسيا الاتحادية، ممثلة في وكالة الفضاء الروسية «روسكوسموس»، اتفاقية تعاون لإرسال أول رائد فضاء إماراتي للمشاركة في الأبحاث العلمية ضمن بعثة فضاء روسية إلى محطة الفضاء الدولية على متن مركبة «سويوز إم إس» الفضائية.وتكمن قيمة الاتفاقية في تعزيز الأهداف الاستراتيجية لدولة الإمارات في امتلاك منظومة متكاملة للعلوم والأبحاث تسهم في دفع مسيرة التطوير مدعومة بفكر وسواعد أبناء الإمارات وما يقدمونه من إنجازات مهمة ضمن رؤية واضحة للأهداف المستقبلية، وتدعم الاتفاقية أهداف «مئوية الإمارات 2071» والتي تركز في جانب كبير منها على علوم المستقبل وتطويرها في مجالات الابتكار والفضاء والهندسة والطب وغيرها، إذ تعد خطوة جديدة تقطعها الدولة في طريقها نحو تحقيق الأهداف الكبيرة التي تنشدها في مجال اكتشاف الفضاء. تعاون ثقافي يتواصل التعاون بين البلدين في المجالات الأكاديمية والعلمية والثقافية، إذ تم توقيع اتفاقية تعاون بين جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية والجامعة الوطنية للبحوث والمدرسة العليا للاقتصاد في روسيا، في خطوة من شأنها تحقيق رؤية مستقبلية في توسيع قاعدة الشركاء الأكاديميين لجامعة محمد بن زايد على مستوى العالم، وتبادل الخبرات والتجارب العلمية مع نظيراتها من مؤسسات التعليم العالي العريقة.كما أطلقت مؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم «قاموس علم النفس الإماراتي الروسي»، الأول من نوعه محلياً وعربياً وعالمياً، تنفيذاً لبنود الشراكة الاستراتيجية الدولية بين المؤسسة وجامعة أورال الفيدرالية -روسيا، في إطار التعاون بين الجانبين الذي يشمل البحث والتطوير في مجال علم النفس والطب النفسي، ويأتي استجابة لإشباع الحاجات المعرفية، وتحقيق الأهداف المنشودة لدى المتعلمين باللغتين العربية والروسية معاً.وشهد عام 2023 افتتاح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية «MGIMO»، قاعة باسم «الإمارات العربية المتحدة»، وأكد لافروف خلال الافتتاح، أن هذه المبادرة تعكس الطبيعة المتنامية للشراكة الاستراتيجية القائمة بين البلدين والتعاون الوثيق المبني على الثقة المتبادلة والبحث عن توازن المصالح على مر السنين.وتعكس علاقات البلدين القدرة على بناء شراكة استراتيجية قائمة على الاحترام والمصالح المتبادلة، على الرغم من التحديات العالمية.