كان استخدام المروحيات في الحروب يمثل أحد أبرز رموز المعارك في أواخر القرن الـ٢٠، حيث كانت تؤدي دوراً طموحاً يتمثل في إنزال القوات في عمق مناطق العدو، وتهديد مراكز القيادة، وقطع طرق الإمداد، ونشر الذعر في صفوفه. ورغم بساطة هذا الهدف من الناحية النظرية، فإن تنفيذه كان يتطلب إمكانات ضخمة، تشمل عشرات الطائرات، ومئات الجنود، وتحييد دفاعات العدو الجوية المتعددة الطبقات، فضلاً عن التنسيق مع هجوم بري دقيق ومخطط له بعناية، ومع ذلك كانت هذه العمليات محفوفة بالمخاطر العالية، سواء من حيث الخسائر البشرية أو الكلفة المالية الهائلة. ويتطلب نشر كتيبة تكتيكية، أي ما يقارب 600 جندي مظلي، استخدام ما بين 20 و40 طائرة هليكوبتر مثل «إم-8 إس» أو «يو إتش-60 إس»، تدعمها طائرات هجومية مزودة بأسلحة ثقيلة، مثل «كا-52»، و«إم-آي 24»، أو «إيه إتش-64». وقبل تنفيذ أي هجوم جوي بهذه الطريقة، كان لابد من تدمير الدفاعات الجوية المعادية مسبقاً، باستخدام الطائرات المقاتلة، والمدفعية، وأسلحة الحرب الإلكترونية. كلفة مرتفعة وغالباً ما تكون كلفة هذه العمليات مرتفعة، قد تصل إلى ما بين 20 و40 مليون دولار، بما فيها مصاريف الوقود، والذخيرة، والصيانة، واستهلاك المعدات، إضافة إلى التجهيزات الشخصية للجنود، ولا تقل نسبة المخاطر عن حجم الكلفة، حيث يمكن لأنظمة الدفاع الجوي الحديثة المحمولة على الكتف، أو المدافع المزودة بتوجيه راداري أن تتسبب في خسائر فادحة قد تصل إلى 30% من أسطول المروحيات في حال لم تُحيد الدفاعات الجوية بشكل كافٍ، كما أن فقدان بضع مروحيات بما تحمله من جنود يمكن أن يحول الهجوم من عملية خاطفة إلى كارثة استراتيجية. لكن هذا الأسلوب القتالي الجوي يحمل كذلك نقاط قوة متميزة، حيث يسمح بالاستيلاء المفاجئ على منشآت استراتيجية لا يمكن تحييدها عن بُعد، مثل الجسور، ومراكز السكك الحديدية، ومقار القيادة، والتي تتطلب وجوداً فعلياً للقوات للسيطرة عليها، وعند النجاح فإن مثل هذا الهجوم يمكن أن يتجاوز مجرد تعطيل خطوط الإمداد، بل يهيئ المشهد لمحاصرة تشكيلات العدو بأكملها. خيار بديل وفي المقابل، برزت الطائرات المسيرة «الدرونز» كخيار بديل أكثر اقتصادية ومرونة، لتأدية مهام شبيهة، خصوصاً في ما يتعلق بتعطيل مراكز العدو الخلفية، وعلى الرغم من أن تلك الطائرات لا تستطيع السيطرة على الأهداف بالطريقة التقليدية، فإن هناك توثيقا لحالات تم فيها أسر جنود من العدو وإيصالهم إلى مواقع معينة باستخدام طائرات مسيرة فقط. وتتيح هذه التكنولوجيا تنفيذ عمليات عسكرية باستخدام عدد قليل من الطائرات المسيرة رباعية المراوح، مزودة بذخائر بدائية الصنع، قادرة على وقف قوافل الإمداد، وعلى الرغم من بساطة الوسائل، فإن التأثير في ساحة المعركة يكون بالغاً، حيث تتوقف العمليات اللوجستية في الخطوط الخلفية، ما يؤدي إلى حرمان الجبهات الأمامية من الإمدادات الحيوية مثل الوقود، والذخيرة، والدعم الطبي. زرع ألغام وحتى الطائرات الرباعية الصغيرة، التي لا تزيد حمولتها على كيلوغرام واحد إلى ثلاثة كيلوغرامات، تستطيع تنفيذ عمليات زرع ألغام مضادة للمركبات، مثل «بي تي إم-1» أو «بي تي إم-3» في نقاط استراتيجية كالجسور، والطرقات، وممرات الاختناق على بعد 15 إلى 20 كيلومتراً خلف خطوط العدو، أما الطائرات المسيرة الأكبر حجماً، مثل«سوبركام» الأوكرانية أو «شاهد» الروسية، فهي قادرة على تنفيذ عمليات أكثر عمقاً من خلال إسقاط ألغام أو قنابل صغيرة داخل مناطق العدو الخلفية. ويعتمد هذا النوع من التكتيك على تأثير تراكمي: كل انفجار يعطل قافلة إمداد واحدة، بينما يُجبر التهديد المستمر العدو على إعادة تخصيص مهندسيه، وهم عادة ما يكونون قلة، للعمل على إزالة الألغام، أو إعادة تمهيد الطرق، ما يشكل عبئاً إضافياً على موارده. معدل الخسائر من الناحية الاقتصادية فإن الفارق في التكاليف كبير، حيث تكلف حملة تلغيم عبر الطائرات المسيرة لمدة أسبوع كامل ما بين مليون ومليون ونصف المليون دولار، باستخدام ما بين 10 و15 «درون» ثقيلة، و50 و100 لغم، وفريق لا يتجاوز 25 فرداً، وهي كلفة تقل بنحو 30 مرة عن كلفة تنفيذ هجوم مشابه باستخدام مروحيات، في حين أن التأثير على سلاسل الإمداد قد يكون متقارباً. كما أن معدل الخسائر مقبول نسبياً، حيث إن الطائرات المسيرة قد تُسقطها أنظمة الحرب الإلكترونية، لكن الكثير منها ينجح في مهمته، في حين يبقى مشغلوها في مأمن بعيداً عن ميادين القتال. وسيلة وحيدة وعلى الرغم من الكفاءة العالية للطائرات المسيرة، وتفوقها من حيث الكلفة والفاعلية فإن دور المروحيات لم ينتهِ تماما، فلاتزال الوسيلة الوحيدة القادرة على السيطرة الفعلية والمباشرة على مواقع حيوية تقع في عمق الأراضي المعادية، ومع ذلك وفي ظل تعاظم أنظمة الدفاع الجوي وتقليص الميزانيات العسكرية، أصبحت الطائرات المسيرة الخيار المفضل لإحداث اختراقات لوجستية ذات أثر كبير، وهذا التغير لا يعكس مجرد تطور تقني، بل يشير إلى تحول جذري في العقيدة العسكرية الحديثة. عن «ناشيونال إنترست» • كلفة حملة تلغيم عبر الطائرات المسيرة لمدة أسبوع، تقل 30 مرة عن كلفتها بالمروحيات. • المروحيات لاتزال الوسيلة الوحيدة للسيطرة الفعلية على المواقع رغم كفاءة «الدرونز». تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news Share فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App