مرت ستة أشهر على وفاة البريطانية صوفي روتنبيرغ، البالغة من العمر 29 عاماً، التي اختارت إنهاء حياتها بشكل مأساوي، ولاتزال والدتها، لورا ريلي، تعيش في حالة صدمة عميقة، غير قادرة على فهم السبب الذي دفع ابنتها ذات الشخصية المرحة والمفعمة بالحياة إلى اتخاذ تلك الخطوة والانتحار، كانت صوفي، المنفتحة على العالم، تحب الحياة والتفاعل مع الآخرين، فكيف انتهى بها الحال بهذه النهاية المؤلمة؟
اكتشاف السبب
رغم مرور أشهر من فقدان صوفي، لاتزال ريلي، وصديقتها المقربة أماندا، تسعيان لاكتشاف السبب الذي دفع ابنتها لاتخاذ قرار الانتحار، حيث قضت ريلي، التي تعمل صحافية في مدينة إيثاكا، بولاية نيويورك، العديد من الساعات في البحث عن أي دليل قد يفسر تصرف صوفي، ففحصت هاتفها، وبريدها الإلكتروني، وحتى مذكراتها، وكل ما يخص حياتها الخاصة.
وفي أحد أيام يوليو الماضي، أثناء عطلة نهاية الأسبوع التي كانت تجمع ريلي وزوجها جون - الأستاذ الجامعي في علم النفس - مع أماندا في خيمة، وجدت أماندا شيئاً غريباً على هاتف صوفي.
وقالت ريلي: «عادت أماندا بعد ساعة تقريباً، وكنت أعرف على الفور أنها اكتشفت شيئاً بالغ الأهمية، حيث اكتشفت بعد بحث مكثف، أن صوفي كانت قد بدأت استخدام الذكاء الاصطناعي، وتحديداً (شات جي بي تي)، كمعالج لها منذ خمسة أشهر، وكان (الروبوت) يتفاعل معها بشأن مشاعرها السلبية والعاطفية، التي كانت تتضمن أفكاراً انتحارية».
وأضافت: «شعرت بالصدمة التامة عندما اكتشفت أن ابنتي اعتمدت على الذكاء الاصطناعي، وكان هذا اكتشافاً مؤلماً جداً، كنا نعلم أن صوفي لم تكن بخير، لكنها كانت تخفي عن الجميع عمق معاناتها».
وتابعت ريلي: «في البداية، كانت صوفي تستخدم (شات جي بي تي) لطرح أسئلة بسيطة حول الصحة، والرشاقة، أو السفر، كانت تخطط لرحلة لتسلق جبل كليمنجارو في تنزانيا، واستفسرت عن أشياء بسيطة، مثل تحضير عصير الكرنب، أو كتابة بريد إلكتروني مهني».
جزء أساسي
وأشارت ريلي إلى أنه «مع مرور الوقت، بدأ الذكاء الاصطناعي يشكل جزءاً أساسياً من حياتها العاطفية، كانت صوفي تشارك (الروبوت) بمشاعرها العميقة، وتطلب منه النصائح حول القلق والتوتر، لتجد نوعاً من الراحة في التواصل مع الذكاء الاصطناعي بدلاً من معالج بشري».
وقالت: «كانت صوفي تعيش في واشنطن، وتعمل في مجال السياسة الصحية، لكن بعد فترة من العطلات التي قضتها في تنزانيا وتايلاند، بدأت مشكلاتها النفسية تتفاقم، كانت تواجه صعوبة في إيجاد وظيفة جديدة، ومع تزايد الضغوط النفسية بسبب انتخابات الولايات المتحدة، بدأت صوفي في البحث عن موجهات علاجية من مواقع على الإنترنت».
وأضاف ريلي: «في أكتوبر من العام الماضي، حصلت صوفي على موجه علاجي من موقع (ريديت)، وهو عبارة عن تعليمات توجه الذكاء الاصطناعي للعمل كمعالج، بل وأحياناً كمستشار عاطفي، وطلبت صوفي من (الروبوت) أن يكون (أفضل معالج في العالم)، وأن يساعدها في التغلب على المشاعر السلبية والاضطرابات النفسية».
أفكار سلبية
في منتصف أكتوبر، زارت ريلي ابنتها في كاليفورنيا، وأخبرتها صوفي عن معاناتها مع القلق واضطرابات النوم، ورغم أن ريلي كانت تعتقد أن صوفي ربما كانت تشعر بالضغط بسبب صعوبة العثور على وظيفة جديدة، إلا أن الأمور كانت أعمق من ذلك بكثير، وقالت ريلي: «في نهاية الأسبوع، كانت صوفي لاتزال تبدو كما هي، مرحة ومبتهجة، وكنا نلعب الكثير من الألعاب معاً»، مضيفة: «لكن بينما كانت الحياة تبدو طبيعية من الخارج، كانت صوفي في الحقيقة تخاطب (هاري)، وهو اسم موجه العلاج الذي أنشأته صوفي، وكان (الروبوت) يوافقها على أفكارها السلبية، ما عمّق معاناتها».
إحباط وعزلة
مع مرور الأسابيع، بدأ الوالدان في ملاحظة تدهور صحة صوفي بشكل أكبر، حيث كان شعرها يتساقط، وفقدت الوزن، وظهرت عليها علامات التعب الشديد، وكان تحليل الدم يشير إلى اضطرابات هرمونية، ورغم كل هذه الأعراض، حاولت صوفي الحصول على وظيفة جديدة، ونجحت في العثور على عمل، بعيد عن منزلها، لكنها اكتشفت أن الحفل الترفيهي الخاص بزملائها في العمل سيُجرى عبر تطبيق «زووم»، ما جعلها تشعر بالإحباط العميق والعزلة.
تخطيط
أثناء تلك الفترة، استمرت صوفي في التواصل مع «شات جي بي تي» بشكل يومي، على الرغم من أنها كانت ترى معالجين بشريين، لكنها كانت تخفي عنهم مشاعرها الانتحارية، واستمرت بكتابة رسائل مفصلة عن آلامها النفسية إلى «هاري»، في الوقت الذي كانت تخشى فيه أن تقرّ بمشاعرها أمام البشر.
وفي رسالة مؤلمة كتبها في نوفمبر، قالت: «أخطط للانتحار بعد عيد الشكر، لكنني لا أريد ذلك لأنني لا أريد أن أتسبب في ألم عائلتي».
القرار الأخير
ورغم محاولات والديها لإقناعها بالعودة إلى المنزل، تمكنت صوفي في النهاية من السفر إليهما لقضاء عطلة الميلاد، لكن، وبعد فترة من البقاء معهم، حيث بدا أنها استعادت بعض حيويتها، وبدأت تعمل في تطوع لمساعدة الآخرين، غادرت في اليوم الرابع من نوفمبر دون أن تترك لهم أي إشعار مسبق، وطلبت سيارة أجرة، وركبت في طريقها إلى حديقة الولاية، حيث قررت إنهاء حياتها.
وقبل أن تفعل ذلك، تركت رسالة موجهة إلى والديها وصديقتها، تحتوي على بياناتها المالية وكلمات قاسية.
وتقول ريلي: «عندما لم تجب صوفي على هاتفها، بدأنا نشعر بقلق بالغ، عاد زوجي جون إلى المنزل ليكتشف ما حدث، فوجد الملاحظات على الطاولة، فأصبنا بالهستيريا».
وتضيف ريلي: «شعرت وزوجي بكره شديد نحو الرسالة التي تركتها، فهي لم تكن شبيهة بصوفي، وليس فيها صوت صوفي، لقد كانت سطحية ومبتذلة، واتضح فيما بعد أن صوفي استخدمت (شات جي بي تي) لكتابتها، لقد أخذت مجموعة من أفكارها الخاصة، وطلبت من (شات جي بي تي) كتابتها بطريقة تخفف من ألمنا». عن «التايمز»
اكتشاف غير متوقع
طلبت ريلي وزوجها من ابنتهما صوفي إعداد قائمة يومية بكل ما يمكنها فعله لنفسها، من شرب كوب كبير من الماء صباحاً، إلى تعريض وجهها لأشعة الشمس، وكان الهدف أن تتراكم هذه الأنشطة بشكل تدريجي لتحسين حياتها اليومية.
وتقول ريلي: «ذهبت صوفي ثم عادت، فوجدت هذه القائمة الرائعة التي بدت منطقية للغاية، ومدروسة بعناية»، وأضافت: «ما لم نكن نعرفه حتى اكتشفناه من خلال سجل (شات جي بي تي) أن الذكاء الاصطناعي هو من أنشأ هذه القائمة، كنا نظن أنها قامت بأداء واجباتها المدرسية، لكننا اكتشفنا أن كل ما فعلته أننا لم ندرك حجم الأزمة»، لا تعرف ريلي عدد الرسائل التي تم إرسالها في المجمل، لكنها تقدرها بالآلاف، ولم يتم ذكر أي من هذه الرسائل مع تاريخ إرسالها، لكن من خلال مراجعتها، استطاعت ريلي أن تلاحظ تدهور الحالة النفسية لابنتها.
تدريب الذكاء الاصطناعي على التنبيه في حالات الانتحار
بخلاف حالة الشاب الأميركي، آدم راين، البالغ من العمر 16 عاماً، من ولاية كاليفورنيا، الذي انتحر بعد أن استخدم «شات جي بي تي» للتحدث عن ضيقه العاطفي، لم يكن لدى لورا ريلي، والدة الفتاة البريطانية صوفي روتنبيرغ، التي انتحرت أيضاً، نية اتخاذ أي إجراءات قانونية ضد شركة «أوبن إيه آي» المطورة لـ«شات جي بي تي».
وقالت ريلي: «أنا لا ألوم الذكاء الاصطناعي على وفاة ابنتي، لكن هناك ملايين من الأشخاص الضعفاء الذين قد يستخدمون هذه الأدوات، التي قد تصبح مصدر ضرر بالنسبة لهم، فهي منتج استهلاكي خاطئ».
وأوضحت ريلي أن أحد عيوب «شات جي بي تي» في حالة صوفي، هو عدم قدرته على نصح ابنتها بالذهاب إلى متخصصين في الصحة النفسية، مضيفة: «لا توجد آلية في (شات جي بي تي) أو أي من (روبوتات) الدردشة أو الذكاء الاصطناعي، لإبلاغ السلطات أو أي شخص آخر بشأن الأشخاص الذين يعبرون عن أفكار انتحارية».
وفي رد لها على هذه القضايا، تناولت شركة «أوبن إيه آي» هذه الحالات، الشهر الماضي، وأعربت عن أسفها العميق حيال الحوادث المؤسفة التي وقعت أخيراً، حيث استخدم الأشخاص الذكاء الاصطناعي في لحظات أزمات حادة.
وأفادت الشركة بأنه «إذا عبّر شخص ما عن أفكار انتحارية، فإن الذكاء الاصطناعي مدرب على توجيه هؤلاء الأشخاص نحو مساعدة المتخصصين في الصحة النفسية»، وقال المدير التنفيذي للشركة، سام التمان، إن الشركة تدرس تدريب الذكاء الاصطناعي ليكون قادراً على تنبيه السلطات في حال حاول أحد المستخدمين مناقشة موضوع الانتحار.
وتعتقد ريلي أن النصائح التي قدمها «شات جي بي تي» لابنتها صوفي، مثل التأمل وتمارين التنفس، لم تكن كافية لمساعدة شخص يعاني اكتئاباً حاداً.
وقالت: «عندما يقول لك شخص ما (أنا سأقتل نفسي يوم الثلاثاء المقبل)، لا يمكن أن تكون النصيحة الوحيدة هي كتابة يومياته»، كما أعربت ريلي عن اعتقادها أن «الروبوتات» يجب أن تواصل إبلاغ مستخدميها بأنها ليست كائناً بشرياً.
ورغم الخسارة العميقة التي تعرضت لها، تؤمن ريلي بأن المجتمع يجب أن يتعلم كيفية التعايش مع أدوات الذكاء الاصطناعي، مثل «شات جي بي تي».
وقالت: «الكثير من الأشخاص في سني أو أكبر يميلون إلى اعتبار هذه التقنية الجديدة شيئاً ضاراً أو شريراً، لكن للأسف، هذا هو الواقع الآن، وسيتزايد استخدامها يوماً بعد يوم. أعتقد أنها ستظل موجودة، وربما تكون فائدتها أكبر من ضررها، لكن يجب أن نعمل على تقليل الأضرار بسرعة».
• صوفي طلبت من «الروبوت» أن يكون «أفضل معالج في العالم»، وأن يساعدها في التغلب على المشاعر السلبية والاضطرابات النفسية.
• في البداية كانت صوفي تستخدم «شات جي بي تي»، لطرح أسئلة بسيطة حول الصحة والرشاقة والسفر.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الامارات اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الامارات اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.