في السنوات الأخيرة باتت كاميرات المراقبة جزءاً أساسياً من البيئة المدرسية، إذ لا يكاد يخلو ممر صغير أو ساحة أو مدخل من عدسات ترصد الحركة وتوثق أحداث اليوم الدراسي للطلاب، والمعلمين، والإداريين وغيرهم. هذه الكاميرات وُجدت لتعزيز الأمن والانضباط، وحماية الطلبة والهيئات التدريسية من أي مخاطر أو تجاوزات، لكنها في المقابل فتحت باباً واسعاً للنقاش في حدود استخدامها ومن له الحق في الاطلاع على ما تسجله، خاصة عند وقوع مشكلات بين الطلبة، أو خلافات بين ولي الأمر والإدارة المدرسية. تؤكد إدارات مدرسية أن الغرض الأساسي من تركيب كاميرات المراقبة، تعزيز ثقافة الانضباط والوقاية قبل أن يكون التتبّع أو العقاب، فالكاميرات موجودة للردع أكثر من كونها أداة لإدانة فعل أو إثبات خطأ. ومع ذلك فإنها تتحول أحياناً إلى دليل حاسم عند وقوع شجار أو حادثة سلوك غير مقبولة، سواء بين الطلبة أو تجاه المعلمين أو حتى داخل الحافلات المدرسية. لكن السؤال الذي يتكرر: عندما يطالب ولي أمر بالاطلاع على مقطع يوثق ما تعرض له ابنه، هل يحق له ذلك مباشرة؟ ملكية مؤسسية قانونيون أكدوا أن الكاميرات في المدارس ملكية مؤسسية، والتسجيلات تصنف بأنها بيانات حساسة ضمن أنظمة حماية الخصوصية. ومن ثم فإن حق الاطلاع عليها لا يكون عاماً أو مفتوحاً، وإنما وفق ضوابط محددة. يحق للإدارة المدرسية، والجهات الرقابية التابعة لوزارة التربية والتعليم أو إدارات المناطق التعليمية، وكذلك الجهات الأمنية عند الحاجة، مشاهدة وتفريغ المقاطع، بينما يظل دور ولي الأمر محصوراً في تقديم شكوى رسمية تطلب التحقيق في الواقعة. أما مسألة تفريغ اللقطات فتتم عادة عبر موظفين متخصصين أو شركات صيانة معتمدة تتعامل مع أنظمة الكاميرات. ويجري نسخ المقطع المطلوب فقط بعد تحديد التاريخ والوقت والمكان، ثم يُحفظ في ملف رسمي ضمن سجلات المدرسة، مع الإشارة إلى أن هذه اللقطات لا تُمنح للأطراف عشوائياً، بل تسلم نسخة للجهة المختصة إذا استدعى الأمر، مثل الشرطة أو لجنة تحقيق مدرسية. شكاوى وقلق يرى أولياء أمور أن من حقهم المباشر الاطلاع على تسجيلات تخص أبناءهم، خاصة في حالات يتعرض فيها الطفل للتنمّر أو الاعتداء. بعضهم يذهبون إلى القول إن رفض المدرسة عرض المقطع قد يثير الشكوك أو يضاعف القلق، لتخفيف حدة الشكوى وعدم تصعيد الأمر أكثر من اللازم، بل إن بعضهم يطالبون بوضع آلية واضحة تسمح للوالدين بمشاهدة التسجيل بحضور إدارة المدرسة لضمان الشفافية. آلية واضحة يقول محمد خميس، وسويلم الجنيبي، وسيف الحمادي، أولياء أمور: الكاميرات أصبحت وسيلة مهمة لحماية الطلبة. مشيرين إلى ضرورة وجود آلية واضحة تسمح لولي الأمر بالاطلاع على اللقطات الخاصة بابنه أو ابنته. وأكدوا أن بعض الإداريين يرفضون مجرد النقاش في الأمر وهذا يثير الشكوك أحياناً. وأضافوا أن فتح المجال أمام أولياء الأمور لمشاهدة ما يتعلق بأبنائهم لن يضرّ المدرسة في شيء بل سيزيد الثقة. كما أن مشاهدة المقطع بحضور المدير أو المعنيين لا يمسّ خصوصية أحد، بل يعزز الشراكة بين البيت والمدرسة. ضبط السلوك وفي السياق نفسه، يشير متخصصون في علم النفس والاجتماع إلى أن الكاميرات وحدها لا تكفي لضبط السلوك أو منع المشكلات، تقول هويدا أحمد – طبيبة نفسية بمستشفى «ميدكير»: «المطلوب تعزيز قيم الاحترام والتسامح، وبناء برامج لمكافحة التنمّر داخل الصفوف. الكاميرا قد تكشف ما يحدث، لكنها لا تمنع حدوثه ما لم يصاحبها وعي وتثقيف وتربية سلوكية، ورغم التعليمات والضوابط الصارمة لمنع التنمّر، فإن بعض الحالات قد تحدث أحياناً في الممرات أو عند وقت الانصراف بعد اليوم المدرسي». لجنة مختصة أما في الأطر القانونية، فإن لوائح المدارس عادة ما تنص على أن التسجيلات محفوظة وثائق أمنية، ولا يجوز نسخها أو تداولها خارج الإطار الإداري والقانوني. وفي حال تقدم ولي أمر بشكوى رسمية، فإن لجنة التحقيق المدرسية تطلب الاطلاع على التسجيل، وقد يُسمح لولي الأمر بمشاهدته بمحدودية بحضور لجنة مختصة، للتأكد من ملابسات ما جرى، من دون أن يحصل على نسخة يمكن تداولها. تحديد العقوبة يقول المحامي أحمد المعمري «مسألة الاطلاع على تسجيلات الكاميرات ينبغي ألا تتحول إلى قرار فردي بيد ولي الأمر، بل تبقى من صلاحيات المدرسة والجهات المعنية فقط. وطبيعة العملية التربوية قائمة على الخصوصية والانضباط، وولي الأمر ليس صاحب قرار في تحديد العقوبة أو الاطلاع المباشر على التسجيلات، وإنما دوره ينحصر في تقديم شكوى رسمية إذا شعر بوجود ضرر على ابنه». ويشير إلى أن أي تجاوز أو واقعة تستدعي العقاب تخضع لمسار قانوني واضح، يبدأ من المدرسة والأخصائي الاجتماعي وينتهي – عند الضرورة – لدى النيابة العامة والمحاكم «التجريم وإصدار الأحكام شأن قضائي بحت، وليس من اختصاص أولياء الأمور أو المعلمين». حلول داخلية كما يشدد على أهمية عدم إدخال الطلبة في دوامة الشكاوى والدعاوى القضائية، قائلاً «المدرسة تمتلك حلولاً داخلية متكاملة عبر الأخصائيين الاجتماعيين وتسلسل البلاغات، وهذا كفيل بقطع دابر التنمّر أو أي تجاوز سلوكي من دون أن نجرّ الطالب إلى ساحات المحاكم». ضوابط قانونية ويوافقه الرأي المحامي عبدالله إبراهيم، الذي شدّد على أن التسجيلات أدلة حساسة لا يمكن التعامل معها بعشوائية، موضـــحاً «التسجيلات المصورة في المدارس تخضع لضـــوابط قانونية صارمة، فهي ليست مادة للاطــــلاع الشخصي، بل دليل قد يُستخدم عند الحاجة فـــي التحقيقات الرسمية، ومن ثم لا يحــــق لأي طرف طلب نسخـــــها أو تداولـــها دون إذن الجهات المختصة». ويضيف أن «منح أولياء الأمور حرية مشاهدة اللقطات مباشرة قد يتسبب في إشكاليات قانونية وانتهاكات للخصوصية، وظهور طلاب آخرين في التسجيلات، قد يخلق نزاعات جديدة بين الأسر، وهذا ما تحاول القوانين التعليمية منعه بوضوح، لأن المدرسة بيئة لحماية الأطفال لا لجرّهم إلى خلافات أسرية أو مجتمعية». كما يؤكد أن الحل الأمثل لأي شكوى هو اتباع التسلسل الإداري والقانوني: تقديم البلاغ إلى المدرسة، مروراً بلجان التحقيق الداخلية، ثم إحالة الأمر عند الضرورة إلى الجهات الرسمية. وأكد «على ولي الأمر أن يطمئن إلى أن النظام القانوني والتعليمي في الدولة لا يقصر في حماية أبنائه، والكاميرات أداة مساندة لهذه الحماية، لا وسيلة لخلق نزاعات أو تضخيم القضايا». وتكشف بعض المدارس أنها تتلقى شهرياً طلبات عدة من أولياء الأمور لعرض لقطات مرتبطة بمشاجرات عفوية أو خلافات عابرة، لكنها لا تستجيب إلا للحالات التي تتطلب تدخلاً رسمياً. في المقابل، يرى ذوو الشأن أن هذه الصرامة قد تُشعرهم بالتجاهل. بينما تؤكد المدارس أنها حماية للجميع من أي إساءة استخدام أو تداول غير مسؤول. كما أن الإدارات مُلزمة بالتعامل الجاد مع أي واقعة. حماية وخصوصية حذّر تربويون ومعلمون من فتح الباب على مصراعيه أمام طلبات أولياء الأمور، لأن ذلك قد يؤدي إلى انتهاك خصوصية بقية الطلبة، خصوصاً إذا ظهر في اللقطات أفراد لا علاقة لهم بالواقعة موضوع الشكوى. وهم يؤكدون أن الموازنة ضرورية بين حق ولي الأمر في الاطمئنان على ابنه، وحق الآخرين فـــي حماية صورهم وعدم تعريضها للتداول. يقول صالح غريب، معلم «الكاميرات وسيلة مهمة للانضباط لكن يجب أن يكون استخدامها مسؤولاً وينبغي ألا تتحول إلى أداة لكشف تفاصيل يومية تخص الطلبة جميعاً بل ما يخدم التحقيق أو فحص الواقعة فقط. أما المعلم محمد السعدي، فيقول: الحل وجود آلية دقيقة تسمح بالمشاهدة في أضيق الحدود، فمن حق ولي الأمر الاطمئنان لكن لا بدّ أن يكون ذلك في جلسة وبإشراف المدرسة حتى لا يصبح الأمر خاضعاً للضغوط. حفظ الحقوق ومتابعة السلوكيات قال سامر سرحان، مدير مدرسة المعرفة، إن كاميرات المراقبة في المدرسة وضعت بهدف حفظ الحقوق ومتابعة السلوكيات سواء من جانب الطلاب أو المعلمين، مؤكداً أنها أداة تنظيمية وأمنية أساسية تعزز الانضباط داخل الحرم المدرسي، موضحاً أن لوائح المدرسة لا تتيح لأولياء الأمور الاطلاع المباشر على التسجيلات، إذ يقتصر ذلك على الجهات المختصة عند الحاجة. وبيّن أنه في حال ورود أي شكوى من ولي أمر، تقوم بالرجوع إلى التسجيلات بشكل كامل للتعرف إلى سلوك المدرس والطلاب، بما يضمن الشفافية وحماية جميع الأطراف. وأشار إلى أنه في بعض الحالات الاستثنائية، التي يثبت فيها أن رواية ولي الأمر تختلف بشكل كبير عن مجريات الحقيقة، يمكن السماح له بمشاهدة مقاطع من التسجيلات، ولاسيما عندما يشكك في خط سير ابنه داخل المدرسة، خصوصاً في صفوف رياض الأطفال.