روى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في كتابه «علمتني الحياة» قصة ملهمة عن بدايات تأسيس شركة «طيران الإمارات»، أكبر ناقلة جوية دولية في العالم، وكيف جعل نجاحها مكوناً مهماً من مكونات الطفرة الاقتصادية التي شهدتها دبي على مدار عقود، كاشفاً السر في سؤال صحيح جرى صياغته في وقت مناسب، ففتح باب التميز والتفوق عالمياً.
وتحت عنوان «السؤال» تحدث سموه في كتابه الذي يستعرض فيه خلاصة تجربة فلسفته القيادية الممتدة لنحو ستين عاماً من العطاء الوطني، قصة انطلاق «طيران الإمارات»، في منتصف ثمانينات القرن الماضي قائلاً:«في بداية تأسيس طيران الإمارات، ومع بدايات انطلاقتها كانت اجتماعاتنا دائمة ومكثفة، بدأ أحد الاجتماعات بسؤال مهم: كيف يمكن أن تنجح الشركة خلال السنوات القادمة؟
«سؤال مختلف» لتعزيز نجاح دبي
وأوضح سموه، أنه طلب من الحاضرين إعادة صياغة السؤال ليكون كيف يمكن أن تسهم الشركة في تعزيز نجاح دبي؟ لأن إجابة كل سؤال ستكون مختلفة تماماً، والانطلاقة ستكون في اتجاه آخر.
وأوضح سموه، أن إجابة السؤال الأول، ستركز على زيادة عدد الوجهات الخاصة بالشركة، وتقليل المنافسين عبر الحماية، وزيادة حصة الشركة ضمن مطار دبي، واستفادة الشركة من الحركة الاقتصادية في الإمارة لزيادة حصتها من المسافرين الدوليين.
ولفت سموه، إلى أن إجابة السؤال الثاني، حول مساهمة الشركة في نجاح دبي ستركز على المساهمة في استقطاب شركات طيران جديدة لمطار دبي عبر تغيير سياسات الحكومة واستخدام الشركة للتسويق السياحي لإمارة دبي في الوجهات الجديدة، وتعزيز الحركة الاقتصادية للإمارة عبر دعوة المسافرين الدوليين الترانزيت لدخولها، وتجربة مرافقها وغيرها من الإجابات التي تخدم دبي وليس فقط الشركة.
السؤال الصحيح يحدد الأولويات
وهنا يبرز سموه أهمية صياغة السؤال الصحيح، من أجل تغيير الواقع وصناعة المستقبل، موضحاً أن: «السؤال الصحيح هو الذي يصنع إطار التفكير الذي تريده في فريق العمل، والسؤال الصحيح يحدد الأولويات ويوجه الانتباه ويحفز الفهم العميق لما نريد وكيف نصل، والسؤال أيضاً يمكن أن يعزز الثقة في الفريق أو يهدمها».
وتحدد الأسئلة الصحيحة أيضاً مدى نجاح القادة في تحقيق الأهداف، إذ يفرق سموه هنا بين نوعين منهما: فهناك «قائد يسأل لماذا لم تنجحوا في هذه السياسة، وكأنه يفتح باب الاتهام والمساءلة واللوم، وقائد آخر يسأل أين الخلل في هذه السياسة؟ وكيف يمكن تجنبه في المستقبل؟، وكأنه يفتح باب التحسين والتطوير».
السؤال بداية الحكمة
ويقول سموه: «يمكن الحكم على ذكاء وحكمة القائد من أسئلته التي يطرحها. يقولون السؤال هو بداية الحكمة، وأقول السؤال هو مفتاح التنمية أيضاً».
من أجل تحقيق التميز والتفوق عالمياً، يقول سموه:«لا تسأل كيف يمكن أن أنافس المدينة الفلانية أو الشركة الفلانية وأتفوق عليها، لأن ذلك يضعك في أفق ضيق ويضع لك إطار عمل غير صحيح. السؤال هو كيف يمكن أن استثمر مواردي وإمكانياتي لأكون متميزاً ومتفوقا، ـومتفرداً على المستوى العالمي».
التنافس بغرض التكامل والتعاون
ويوضح سموه أهمية هذا السؤال، إذ لا يكون الهدف منه هزيمة منافس وبناء تحالفات ضده واتخاذ قرارات لسحب البساط منه بل يكون الهدف التكامل مع الجميع والتعاون مع الكل لاستغلال المميزات والموارد التي أملكها لتحقيق أقصى الأهداف والطموحات.
وبين سموه، أنه في بداية رئاستة للحكومة الاتحادية كانت أسئلة كثيرة تدور حول تحسين الخدمات وإغلاق الفجوات، فطرح سؤالاً مختلفاً كيف يمكن أن تكون كل وزارة هي الأولى عالمياً في أحد المؤشرات الخاصة بعملها؟
الإمارات تتصدر عالمياً في 260 مؤشراً تنموياً
وبسبب هذا السؤال المختلف، تغيرت النظرة واتسع الأفق، وارتفع السقف وزاد الإحساس بالتحدي حتى باتت اليوم حكومة دولة الإمارات تتصدر على المستوى الدولي في أكثر من 260 مؤشراً تنموياً حسب التقارير العالمية.
ويتابع سموه:«لا يوجد أقوى من سؤال صحيح في الوقت المناسب. علوم بأكملها قامت على سؤال واحد، كالفلسفة التي قامت على لماذا، والفيزياء التي قامت على ماهي قوانين الطبيعة؟ وعلم النفس الذي حاول أن يجيب عن السؤال كيف نفهم النفس البشرية؟
ويوضح سموه أهمية، سؤال العالم الشهير إسحق نيوتن، لماذا تسقط التفاحة للأسفل، وليس للأعلى، سؤال غيّر فهمنا للكون، وأحدث ثورة علمية مازلنا لم نصل لحدودها الكاملة، بعد اكتشاف أحد أهم قوى الكون الجاذبية.
الإبداع الإنساني قائم على التساؤل
ويربط سموه بين الإبداع والأسئلة الصحيحة، موضحاً أن كل ابتكار بشري قائم على التساؤل، وكل إبداع إنساني أيضاً قائم على التساؤل والفضول. وليس القائد الذي يستعجل الإجابة بل القائد الحقيقي الذي يبحث عن السؤال الصحيح لأن الوصول للسؤال الصحيح هو نصف الإجابة.
ويعد السؤال الصحيح أيضاً أفضل أداة للتطوير، وأفضل وسيلة لغرس الثقة في الفريق، وأسرع وسيلة للتعلم والفهم العميق، إذ يمكنك أن تحكم على ذكاء الإنسان من جودة أسئلته، وعلى حكمته من عدم تسرعه في الإجابة، لأن العقول الكبرى تتمعن في الأسئلة والعقول الصغيرة تندفع لتقديم إجابات سطحية.
وتشكل الأسئلة الصحيحة مفاتيح للقوة، حيث يقول سموه:«علمتني الحياة أن الحكمة تتطلب تساؤلات أكثر من إجابات، لأن التساؤلات هي بداية الفضول الذي يقود للمعرفة، والمعرفة هي مفتاح القوة».
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.