خلال الدورة البرلمانية في كوريا الشمالية، التي عُقدت الأسبوع الماضي، ألقى الرئيس، كيم جونغ أون، خطاباً أشار فيه إلى استعداد بلاده للانخراط في مفاوضات دبلوماسية مع الولايات المتحدة، لكنه وضع شرطاً قاطعاً: يجب على الولايات المتحدة التوقف عن السعي لنزع الأسلحة النووية من كوريا الشمالية، هذه التصريحات كانت تأكيداً جديداً على الموقف الثابت الذي يتبناه النظام في بيونغ يانغ منذ فترة طويلة.
ولفت كيم في خطابه إلى أنه لايزال لديه ذكريات طيبة عن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لكنه شدد على أنه في حال استمرت الولايات المتحدة في مطالبتها بنزع الأسلحة النووية الكورية، فلا يمكن أن تكون هناك أي مفاوضات، وقال: «إذا توقفت الولايات المتحدة عن هوسها الفارغ بنزع الأسلحة النووية الكورية، فإننا مستعدون للجلوس والتفاوض»، لكن في المقابل، رفض كيم بشكل قاطع أي احتمال لتخلي كوريا الشمالية عن برنامجها النووي، مؤكداً أن الوضع النووي لبلاده هو أمر لا رجعة فيه.
سياسة مستمرة
كانت تصريحات كيم جزءاً من سياسة مستمرة اتبعتها كوريا الشمالية منذ انهيار قمة هانوي في عام 2019، ففي تلك القمة رفضت بيونغ يانغ التفاوض على نزع الأسلحة النووية، وهو موقف لا يبدو أنه سيتغير في الوقت القريب، ورغم محاولات ترامب المتكررة للدعوة إلى الحوار مع كوريا الشمالية منذ توليه منصبه مرة ثانية، إلا أن كيم يضع خطاً أحمر واضحاً لما يمكن أن تحققه الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، حيث إنه في حال استمرت واشنطن في الإصرار على نزع الأسلحة النووية من كوريا الشمالية، فإن الطريق إلى أي نوع من الدبلوماسية سيظل مغلقاً.
وتؤكد تصريحات كيم تصريحاً أدلت به شقيقته كيم يو جونغ في يوليو الماضي، حيث وصفت العلاقة بين شقيقها وترامب بأنها «ليست سيئة»، لكنها حثت واشنطن على التخلي عن مطالبها بنزع السلاح النووي من أجل استئناف الدبلوماسية.
هذه المواقف من بيونغ يانغ تثير قلقاً كبيراً في واشنطن، حيث يصعب قبول فكرة أن كوريا الشمالية لن تتخلى عن أسلحتها النووية، وهو ما يقوض الجهود الأميركية لإجراء مفاوضات حول نزع السلاح، ورغم أن ترامب يظل يحتفظ بذكريات طيبة عن محادثاته مع كيم بين عامي 2018 و2019، إلا أن الواقع يبرز أن أي مفاوضات دبلوماسية في المستقبل ستكون بعيدة عن فرض نزع الأسلحة النووية.
ضياع الفرصة
في ضوء انهيار قمة هانوي، يشعر عدد من الخبراء بالأسف، لأن واشنطن لم تستفد من الفرصة التي أتاحتها كوريا الشمالية في ذلك الوقت، فقد كان العرض الذي تقدمت به بيونغ يانغ، والذي يتضمن تفكيك مجمعها النووي الرئيس، بمثابة خطوة متقدمة، وإن لم تكن مرضية بالكامل، لكنها كانت علامة على استعداد كوريا الشمالية للمفاوضات، وعلى الرغم من ذلك، أصر الجانب الأميركي على مطالبته بنزع كامل للأسلحة النووية من كوريا الشمالية، ما أدى إلى انهيار المحادثات.
في سياق هذا التوتر المستمر، تدرك حكومة كوريا الشمالية أن التخلي عن أسلحتها النووية في ظل البيئة الأمنية الحالية يعد مغامرة كبيرة، وبالنظر إلى التحالفات العسكرية القوية التي تضم الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، تعتبر بيونغ يانغ أن امتلاكها للأسلحة النووية هو ضمان أساسي لبقاء النظام، وهذا الموقف يزداد رسوخاً مع مرور الوقت.
ومن الصعب على المتخاصمين أن يتخلصوا من مشاعر انعدام الثقة المتبادلة، والعداوة، والانخراط في الدبلوماسية لمناقشة التوصل إلى تسوية، خصوصاً بالنسبة لجانب أضعف وأكثر هشاشة.
محفزات
في المقابل، هناك بعض المحفزات التي قد تدفع كيم جونغ أون إلى التفكير في إجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة، مثل انعدام الثقة بقدرات الردع النووي في مواجهة التهديدات العسكرية من واشنطن، أو رغبة في تحسين اقتصاد كوريا الشمالية بدعم أميركي، أو عدم اليقين بشأن آفاق علاقات طويلة الأمد مع الصين وروسيا، لكن على الرغم من هذه المحفزات، يبدو أن قرار بيونغ يانغ بالتمسك بالأسلحة النووية، لايزال ثابتاً.
من جهة أخرى، تعزز كوريا الشمالية بشكل ملحوظ قدراتها العسكرية النووية والصاروخية، وهو ما يجعلها في موقف قوي يمكّنها من مقاومة الضغوط الأميركية بشكل أكبر، وفي الوقت نفسه، تشهد العلاقات بين كوريا الشمالية وروسيا والصين تطوراً إيجابياً، حيث لم تعد موسكو وبكين تعارضان بناء كوريا الشمالية لترسانتها النووية كما كان يحدث في الماضي، بل إن روسيا أصبحت تقدم دعماً صريحاً لكوريا الشمالية في هذا المجال، بما في ذلك مساعدتها في التملص من العقوبات الدولية.
باختصار، ازداد نفوذ بيونغ يانغ في مقاومة ضغوط واشنطن، بينما تآكل نفوذ أميركا في الضغط عليها بشكل كبير، ويبدو منطقياً أن يستبعد كيم أي إمكانية إجراء مفاوضات دبلوماسية مشروطة بنزع السلاح النووي مع واشنطن.
موقف ثابت
وعلى الرغم من ذلك، تواصل الولايات المتحدة التمسك بموقفها الثابت بشأن نزع الأسلحة النووية من كوريا الشمالية، وفي تصريحات حديثة، أكد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، مع نظيريه الياباني والكوري الجنوبي، أن الولايات المتحدة «ملتزمة تماماً بنزع الأسلحة النووية من كوريا الشمالية»، مؤكداً على موقف الولايات المتحدة منذ عقود طويلة، ما يبرز استمرار عدم التوافق بين المواقف الأميركية والكورية الشمالية، وفي ظل هذا الوضع المعقد، فإن استمرار الإصرار الأميركي على نزع الأسلحة النووية قد يؤدي إلى نتائج عكسية، فمن ناحية، ستواصل كوريا الشمالية تطوير برنامجها النووي، ومن ناحية أخرى، قد تصبح الولايات المتحدة أكثر عزلة في مساعيها للتفاوض.
من هنا، يتعين على الإدارة الأميركية إعادة تقييم أهدافها في التعامل مع كوريا الشمالية، فبدلاً من التركيز على نزع السلاح النووي، قد يكون من الأكثر واقعية السعي إلى تجميد البرنامج النووي لكوريا الشمالية أو التوصل إلى اتفاقات تتعلق بتقليص إنتاج الأسلحة النووية، ومنع كوريا الشمالية من بيع تكنولوجيا نووية وصاروخية إلى الخارج، هذه الخطوات قد تؤدي إلى تحسين الأمن الإقليمي والعالمي، وتوفر مساحة للمفاوضات في المستقبل. جيمس بارك* *باحث في معهد «كوينسي» الأميركي عن «ريسبونسبل ستيتكرافت»
التنسيق مع سيؤول
من المهم أن تراعي الولايات المتحدة في مفاوضاتها مع كوريا الشمالية تنسيقاً جيداً مع كوريا الجنوبية، فالحوار الذي لا يأخذ في حسبانه المصالح الأمنية لشركائها في المنطقة، لاسيما كوريا الجنوبية، قد يؤدي إلى تدهور التحالف بين واشنطن وسيؤول، وربما يدفع كوريا الجنوبية نحو تطوير قدراتها النووية الخاصة، وهو ما تسعى الولايات المتحدة إلى تجنبه.
• استمرار الإصرار الأميركي على نزع الأسلحة النووية، قد يؤدي إلى نتائج عكسية، ويتعين على إدارة ترامب إعادة تقييم أهدافها في التعامل مع كوريا الشمالية.
• هناك محفزات قد تدفع بيونغ يانغ إلى التفكير في إجراء مفاوضات، مثل انعدام الثقة بقدرات الردع النووي، أو الرغبة في تحسين الاقتصاد بدعم أميركي.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الامارات اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الامارات اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.