عندما قرّرت الشخصيات الفاعلة في الإمارات التي لم تكن دولة متّحدة، أن تجمعها تحت نطاق واحد جوهره الخير والعطاء وهدفه الإنسان، شكَّل هذا الاتحاد عام 1971 تحدِّياً نوعياً في ظل تحولات إقليمية ودولية استراتيجية وتمكن من تقديم نموذج فريد لدولة استطاعت تقديم رؤى خلّاقة في الحكم والسلطة، كما في العلاقات الخارجية في المحيطين القريب والبعيد بفضل روية وعزيمة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وإخوانه المؤسسين، طيّب الله ثراهم، الذين نسجوا بقيادته الحصيفة المستشرفة، سياسات داخلية وخارجية نقلت الإمارات نقلات نوعية ووضعتها في مصافّ الدول المتقدمة.وهنا تلاقت إرادتان، إرادة الناس وإرادة القادة، وكان لعدد من الشخصيات الواعية في الإمارات، شرف المشاركة التاريخية في وضع اللبنات الأولى في صرح الدولة الفَتيّة على أسس متينة.وكان في مقدمة هذه القيادات المواطنة شابان شقيقان نذرا نفسيهما لخدمة بلدهما في صورة الدولة الجديدة وهذان الشقيقان هما تريم عمران تريم وعبدلله عمران تريم، رحمهما الله، اللذان تحفظ لهما الإمارات فضل تأسيس أوّل دار للإعلام الخاص وهي «دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر» وإصدار أوّل صحيفة يومية أهلية، «الخليج»، في 19 أكتوبر 1970، التي أصبحت في مدة وجيزة إحدى الصحف ذات الصيت الإعلامي المتميز، ليس في دولة الإمارات، أو المنطقة الخليجية وحدها فحسب، بل في العالم العربي.تميزت «الخليج» في سياستها وطرحها الإعلامي باتباع النهج العروبي المعتدل، والمتفق مع مبادئ حقوق الإنسان ومراعاة ما تقتضيه العلاقات الحسنة بين الدول وكسبت «الخليج» والقائمون على شؤونها بذلك احترام الجميع، رغم ما اجتاح العالم العربي بما فيها المنطقة الخليجية من تقلبات في الشؤون والشجون خلال نصف القرن الماضي.. ولها الفضل أيضاً في التمهيد لدور الصحافة اليومية والإعلامية بوجهٍ عام، في الإمارات وظلت «دار الخليج» مشعل نور في بلدها ومحيطها.وكانت زيارات صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، لمبنى الصحيفة عام 1996 إبريل، ثم عام 2000 في الذكرى الثلاثين لإصدار «الخليج»، ثم في مايو 2010 في «مؤتمر الخليج السنوي»، أحداثاً مفصلية، حيث شكّلت زيارات هذا القائد الملهم الفذّ، وتجوّله في مبناها ولقاؤه العاملين في الصحيفة والثناء عليهم، دافعاً وحافزاً إضافيين، ليكونوا مميّزين ومبتكرين على كل المستويات.أما ثناء صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، على صحيفة «الخليج»، فهو مصدر فخر بكل المعاني، من لدن راعي الثقافة والأدب والإعلام، في شارقة البسمة والعطاء وكانت تهنئة سموّه، بمناسبة مرور 50 عاماً على تأسيس الصحيفة عميقة المعاني ثريّة البهاء حيث قال: «في الذكرى الخمسين لتأسيس صحيفة الخليج نعبر عن اعتزازنا بما حققته خلال مسيرتها الإعلامية ونقلها للرسالة الصادقة ودورها في إبراز الصورة الحضارية لدولة الإمارات، مسطرة في صفحاتها نشأة حلم الاتحاد لحظة بلحظة، ومعبرة عن تطلعات وآمال شعب الإمارات في قيام دولتهم تحت علم واحد ومصير مشترك ومستقبل واعد، فوثقت قيام الدولة على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وإخوانه أصحاب السموّ حكام الإمارات».هذه التهنئة كانت فضلاً عن أنها مصدر فخر، حافزاً ليكون أبناء هذه الصحيفة، أمام مسؤولية كبيرة، للتميّز أمام سموّه حيث أكد «منذ تأسيسها رفعت صحيفة (الخليج) شعار «للحقيقة دون خوف وللواقع دون زيف» وحرصت على نصرة الحق وتقديم الرسالة الإعلامية الموضوعية وأسهمت في إعداد المبدعين والمتميزين الذين تركوا بصمات في الصحافة محلياً ودولياً ونستذكر في احتفالها بيوبيلها الذهبي مؤسسيها المغفور لهما تريم عمران وشقيقه الدكتور عبدالله عمران، اللذين لم يألوَا جهداً في خدمة ورفعة وطنهم والدفاع عن قضاياه».وفي عيدها الخمسين كانت «الخليج» محط أنظار أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات وسمو أولياء العهود ونواب الحكام، بالتهنئة والثناء على «الخليج» ودورها الكبير في مواكبة نهضة الوطن وطرح قضاياه واحتياجاته منذ التأسيس وحتى أصبح يعانق السماء بإنجازاته وتفرده.وبتميّز دولة الإمارات، على جميع الصعُد، لا سيما في الأحداث والفعاليات المفصلية، كانت «الخليج» برؤية الشقيقين تريم وعبدالله، محرّكاً إعلامياً أساسياً لمواكبة هذه الفعاليات والأحداث، فكان صحفيوها بتوجيهات هذه الإدارة الفذّة، يتابعونها بمنتهى الدقّة والحرفية، وكانت تصدر ملاحق خاصة بها، تتخاطفها أيادي القرّاء، فتنفد خلال ساعات من كل منافذ البيع.ترك رحيل الشقيقين (تريم عمران 2002) و(د. عبدالله عمران 2014) إلى مثواهما الأخير، صدمة كبرى في النفوس وحفر جروحاً لدى محبّيهما ومتابعي تميّزهما على كل المستويات، إلا أن «الخليج» واصلت، بقيادة خالد عبدالله تريم في التوسّع والابتكار ومواكبة التطورات الإعلامية بكل تفاصيلها، وأصبحت وبعد توظيفها جيمع المواقع والمنصات، تواكب القارئ وتصله أينما حل، بعد أن زاد عدد متابعهيا على هذه المنصات على 4 ملايين قارئ، تقدم لهم الحدث بالصوت والصورة والفيديو وبرؤية ابتكارية حديثة، دون أن تحيد عن صدقيتها أو مهنيتها.ها هي السنوات تمرّ وتطفئ صحيفتنا التي أضحت جزءاً أساسياً من تفاصيل حياتنا اليوم عامها الخامس والخمسين وهي تزداد ألقاً وبهاءً وإبداعاً.. لتبقى «خليجنا» كما عرفها القارئ دائماً صوت الوطن والأمة.