شهدت السنوات الأخيرة تنامي الإقبال على اقتناء الأعمال الفنية في الإمارات، بفضل ما تشهده الدولة من مشروعات ثقافية عملاقة، أسهمت في نشر ثقافة الشغف بالإبداع الراقي، وتذوق واقتناء الأعمال الفنية، كنوع من الاستثمار الذي تتزايد قيمته المادية بشكل مطرد مع الوقت، وهو ما أدى إلى ظهور شريحة من «المقتنين الجدد»، إذ لم يعد يقتصر هذا التوجه على كبار المقتنين ومتذوقي الفنون في الإمارات. ووفقاً للإحصاءات، تشهد حركة جمع التحف الفنية في الإمارات تحوّلاً لافتاً خلال السنوات الأخيرة، حسب نائب الرئيس ورئيس قسم الفن الانطباعي والحديث في دار سوذبيز للمزادات، وليان داوز، مضيفاً لـ«الإمارات اليوم» أنه منذ عام 2019، ارتفعت أعداد المشاركين وقيمة مبيعاتهم في المزادات الفنية في الدولة بنسبة 25%، وخلال العام الماضي، شكّل مشترون من الإمارات 38% من الذين انضموا للمرة الأولى إلى منصات المزادات العالمية مثل «سوذبيز»، مع ملاحظة أن شريحة الشباب تحت سن الـ40 تمثّل ما يقارب الثلث من إجمالي المشترين. واعتبر داوز أن هذه الأرقام مؤشرات واعدة لاستمرار نمو القطاع، مشدداً على أن «سوذبيز» تعمل على دعم هذا التحوّل عبر مبادرات تُكرّس مكانة الدولة كسوق فني ديناميكي يتجاوز الحدود، مشيراً إلى أن دولة الإمارات تتبوأ مكانة رائدة كحاضنة عالمية للفنون والثقافة، إذ تعمل باستمرار على تعزيز موقعها الريادي كوجهة ثقافية إبداعية تُلهم العالم، وتبرز أبوظبي، وجزيرة السعديات، بمتاحفها الاستثنائية ومراكزها الثقافية الراقية، كشاهد حي على التزام العاصمة الراسخ بدعم الحراك الفني العالمي. المؤسسات الكبرى ومن خلال موقعه كأحد رواد الإبداع في الإمارات، أكد الفنان محمد كاظم، أن اقتناء الأعمال الفنية ليس حديثاً على المشهد المحلي، ولكن كان التركيز في السابق على اقتناء الأعمال التقليدية، في حين أسهم إعلان الإمارات عن إطلاق مشروعات ثقافية ضخمة، مثل متحف اللوفر أبوظبي وغوغنهايم أبوظبي، وغيرهما، إلى جانب تنظيم فعاليات فنية كبرى، في تشجيع ثقافة الاقتناء، وفي التعريف بأعمال فنانين محليين على نطاق واسع، وشجع على اقتناء أعمالهم على اختلاف المدارس التي ينتهجونها. وقال: «أيضاً كانت هذه المشروعات دافعاً لظهور شريحة من المقتنين الجدد، وهو مصطلح لا يقصد به أنهم من الأجيال الجديدة، ولكنهم من أعمار مختلفة دخلوا مجال اقتناء الأعمال الفنية في الفترة الأخيرة. كذلك بات الفنانون يهتمون بهذه الشريحة، ويقدمون أعمالاً تناسبها»، مشيراً إلى أن وجود فعاليات مثل «فن أبوظبي» و«آرت دبي»، وغيرهما، أدى إلى توسع نشاط صالات عرض الأعمال الفنية في الدولة، وتفعيل خدماتها التي تلعب دوراً مهماً في صقل الحركة الفنية بما لديها من قيمين فنيين وكتاب ونقاد متخصصين يشاركون في تطوير تجارب الفنانين والتعريف بهم، وهو ما أسهم في تنوع المشهد الثقافي والفني، وخلْق مناخ مشجع على اقتناء الأعمال الفنية. وأوضح كاظم أن المقتنين ينقسمون إلى أنواع مختلفة من حيث المعايير التي يعتمدونها: «فهناك من يقتني وفقاً لذائقته الشخصية للأعمال الفنية، وفي رأيي هذا خطأ، والبعض يعتمد على مستشارين فنيين يقدمون له نصائح لتوجيه استثماراته بشكل سليم، والبعض الآخر يختار الأعمال وفقاً لشهرة الفنانين الذين قاموا بتنفيذها، أو وفقاً لشهرة العمل نفسه. وهناك أيضاً جانب من محبي الاقتناء يمتلك معرفة تاريخية في مجال الفنون والثقافة والتاريخ، وهو مطّلع على المشهد الفني، وبناء على هذه المعرفة يختار ما يقتنيه من أعمال. في حين يفضّل بعض المقتنين التركيز على أعمال فنانين من جنسية معينة، مثل الهندية أو الإيرانية أو الأعمال العربية وغيرها». نصائح من ناحيته، قال مؤسس «غاليري» للفنون يحمل اسمه في أبوظبي، إياد قنازع، إن حركة الاقتناء في الإمارات تشهد نمواً ملحوظاً ومتزايداً. وأرجع ذلك إلى عوامل عدة، منها دعم الجهات الثقافية الرسمية، وتوسع المعارض الفنية، وزيادة التغطية الإعلامية للفن المحلي والعالمي، فضلاً عن انفتاح المجتمع على التجارب الفنية المعاصرة، إلى جانب الوعي المتصاعد لدى الأفراد والمؤسسات بأهمية الفن كوسيلة للتعبير الثقافي والاستثمار المعنوي والمادي، إضافة إلى العلاقة الشخصية والودية التي تجمع المقتنين مع الفنانين، بما يخلق مشهداً فنياً متأصلاً وفريداً. وبيّن أن دوافع اقتناء الأعمال الفنية متنوعة، وتتشابك بين الجوانب الثقافية والاقتصادية، والغالبية تقتني الأعمال بدافع الشغف الفني، والرغبة في دعم الفنانين المحليين، والبعض الآخر يرى فيها استثماراً طويل الأمد، خصوصاً مع تنامي قيمة بعض الأعمال في السوق، كما أن اقتناء الفن أصبح جزءاً من الهوية البصرية للمؤسسات والمنازل، ما يعكس ذوقاً ووعياً ثقافياً متقدماً. ولفت قنازع إلى أن الأعمال الحديثة بدأت تحظى باهتمام متزايد، خصوصاً تلك التي تعكس قضايا معاصرة، أو تتناول موضوعات ذات صلة بالهوية، والبيئة، والتكنولوجيا. ومع ذلك، لاتزال الأعمال الكلاسيكية تحتفظ بجاذبيتها لدى شريحة من المقتنين الذين يفضّلون الأسلوب التقليدي، موضحاً أن الفارق يكمن في قدرة العمل الحديث على إثارة الحوار، وتقديم تجربة بصرية وفكرية جديدة، وهو ما يجذب الجيل الجديد من المقتنين. وعن معايير العمل الفني الذي يحظى باهتمام المهتمين، رأى أنه العمل الذي يجمع بين الأصالة والإتقان التقني، والقدرة على إثارة التأمل أو المشاعر، فالمقتني يبحث عن عمل يحمل قصة أو رؤية، وليس مجرد جمال بصري، مضيفاً: «أنصح من يفكر في الاقتناء بأن يتعامل مع الفن كرحلة شخصية، وأن يزور المعارض، ويتحدث مع الفنانين، ويختار ما يلامس وجدانه قبل التفكير في القيمة السوقية، فالفن الحقيقي يبقى، ويكبر مع صاحبه للارتقاء بالذوق والفكر العام». جلب الروائع عدّد نائب الرئيس ورئيس قسم الفن الانطباعي والحديث في دار سوذبيز للمزادات، وليان داوز، مجموعة من الفعاليات البارزة التي جاءت ثمرة شراكة استراتيجية لـ«سوذبيز» مع «مكتب أبوظبي للاستثمار»، بما يسهم في جلب روائع فنية عالمية، وبناء جسور التفاهم بين الحضارات، وإثراء المشهد الإبداعي المحلي، وإطلاق شعلة شغف جديدة تُعيد تعريف دور الفن في صياغة الهوية المجتمعية، ومنها تدشين معرض فنيٍّ في مؤسسة «بسام فريحة للفنون»، كشف النقاب عن مجموعة استثنائية من الألماس تصل قيمتها إلى 100 مليون دولار، تتصدّرها ألماسة البحر الأبيض المتوسط الزرقاء، وذلك في أبريل الماضي، وتنظيم مزاد إلكتروني مرتبط بفعاليات ما قبل انطلاق موسم دوري كرة السلة الأميركي للمحترفين (NBA) في الإمارة، استمر حتى السادس من أكتوبر الجاري. وتابع: «سنقوم بتنظيم (أسبوع أبوظبي لهواة جمع المقتنيات) خلال الفترة من الثاني إلى الخامس من ديسمبر المقبل، بالتعاون مع مكتب أبوظبي للاستثمار، حيث يشتمل البرنامج على سلسلة حصرية من المزادات الفنية، وورش العمل المتخصصة، وحلقات النقاش مع الخبراء، إضافة إلى معارض استثنائية تُلهم عشاق الاقتناء وتثري تجربتهم». • البعض يعتمد على مستشارين يقدمون له نصائح لتوجيه استثماراته، وآخرون يقتنون الأعمال وفقاً لشهرة الفنانين. • لاتزال الأعمال الكلاسيكية تحتفظ بجاذبيتها لدى شريحة من المقتنين الذين يفضّلون الأسلوب التقليدي. • 25 % ارتفاعاً في أعداد المشاركين وقيمة مبيعاتهم في المزادات الفنية من الإمارات، حسب «سوذبيز». تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news Share فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App