أكد الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لصاحب السموّ رئيس الدولة، أن الأمل أصبح ممكناً للمرة الأولى، لكنه مشروط بقدرة المنطقة على إدراك التحولات الجيوسياسية العميقة التي تعيد تشكيل العالم وتحويلها إلى تقدم ملموس على أرض الواقع.قال الدكتور أنور قرقاش في كلمته خلال «مُلتقى أبوظبي الاستراتيجي» الثاني عشر الذي نظمه «مركز الإمارات للسياسات» بقصر الإمارات في أبوظبي: إن دولة الإمارات أدّت دوراً محورياً في تشكيل الاستجابة الدولية عبر «خطة السلام في غزة» و«مبادرة الرباعية». وستواصل الإسهام في حل الأزمات الإقليمية عبر الدبلوماسية والعمل الإنساني، حيث إن توافق الشركاء العرب والدوليين خلف القيادة الأمريكية لخطة السلام في غزة، فرصة تاريخية ستبدأ بمعالجة المظالم التي استغلها المتطرفون لعقود.وأشار إلى أن مبادرة الرباعية في السودان، إطار قوي لإنهاء الصراع المدمّر وتمهيد الطريق لوقف إطلاق نار دائم، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية من دون عوائق، والانتقال إلى حكومة مدنية مستقلة، حيث إن الجهود الإماراتية مع الشركاء الإقليميين والدوليين. محركات مترابطة وأوضح قرقاش، أن المنطقة اليوم تعيش مرحلة ديناميكية تشهد التقاء الشرق بالغرب، وتمثل مركزاً للتجارة العالمية ومحركاً للابتكار، حيث تتراجع الجغرافيا السياسية التقليدية أمام تصاعد تأثير التجارة والتكنولوجيا والترابط. وفي صميم نهج الإمارات ثلاثة محركات مترابطة تحدد سياستها الخارجية والداخلية: الاستقلال الاستراتيجي الذي يضمن أن تعكس القرارات الوطنية مصالح الدولة وأولوياتها ضمن عالم معقد ومتعدد الأقطاب، حيث إن هذا النهج يمكّن دولة الإمارات من انتهاج سياسات متوازنة ومستقلة تحافظ على السيادة الوطنية وتبني شراكات بنّاءة في مختلف المناطق. والرؤية الاقتصادية التي ترتكز على بناء اقتصاد عالمي تنافسي ومتنوع ومستدام، يعزز المرونة ويوفر الفرص للأجيال القادمة، ويكرس مكانة الدولة مركزاً رائداً للتجارة والاستثمار والابتكار. لأن الدولة لا تكتفي بالاستعداد للمستقبل، بل تشارك في صياغته. الاستقرار والتقدم وقال إن هذه الركائز الثلاث، أساس سياسة إماراتية واثقة بهويتها، عالمية في رؤيتها، وثابتة في سعيها نحو الاستقرار والتقدم. والرؤية الاستراتيجية للدولة ترتكز على التزام طويل الأمد ببناء مستقبل آمن ومزدهر للأجيال القادمة، عبر الاستثمار في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والطاقة المستدامة ورأس المال البشري.وأشار إلى أن دولة الإمارات تواصل قيادة الجهود المناخية العملية عبر التكنولوجيا والتعاون الدولي لا عبر الشعارات. وهي جسر للسلام والاستقرار والازدهار في الشرق الأوسط والعالم؛ وبصفتها مناصرة للتجارة الحرة والمنفتحة، فإنها تظل ملتزمة بنظام دولي قائم على القواعد وبمؤسسات متعددة الأطراف قوية ونمو اقتصادي مستدام.وأوضح قرقاش، أن دولة الإمارات تشارك بفاعلية في منصات دولية مثل مجموعة العشرين و«بريكس» لتعزيز الترابط الاقتصادي العالمي، والشراكات الاقتصادية ركائز للاستقرار. واتفاقات الشراكة الاقتصادية الشاملة (CEPA) تعكس هذا الالتزام. الابتكار وقال إن الاتفاقات الـ 31 التي أبرمتها دولة الإمارات حتى الآن جوهر طموحها في مضاعفة حجم الاقتصاد بحلول 2030 وتسريع التنويع وضمان أن تسهم القطاعات غير النفطية بنحو 75% من الناتج المحلي الإجمالي. لأن النمو وحده لا يكفي، فالمستقبل سيكون لمن يجرؤ على الابتكار.وأضاف أن «حزم الإمارات والولايات المتحدة للذكاء الاصطناعي» في أبوظبي أحد أكبر مراكز البيانات الخاصة بالذكاء الاصطناعي في العالم، وركيزة أساسية للتكنولوجيا المستقبلية. والشراكات التي أبرمتها الدولة مع فرنسا وإيطاليا في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي تؤكد التزامها ببناء منظومة ابتكار عالمية. تنمية المهارات وأكد قرقاش، أن الإمارات من أكبر المستثمرين في إفريقيا، وظلت ملتزمة بالدبلوماسية منذ اندلاع الصراع الروسي الأوكراني، ودعت باستمرار إلى الحوار وخفض التصعيد، وأسهمت في تسهيل تبادل نحو 4600 أسير بين الجانبين.وقال إن المنطقة تقف عند نقطة تحول حاسمة بعد عقود من الصراع واليأس، لأن السياسات المتطرفة والمطالب القصوى وصفة لعنف لا نهاية له. والإمارات وقفت بثبات إلى جانب الشعب الفلسطيني، وقدمت المساعدات الإنسانية ودافعت عن مسار سياسي نحو سلام دائم. و«خطة السلام في غزة»، رغم عدم كمالها، نجحت في تحقيق وقف إطلاق النار وتأمين إطلاق رهائن إسرائيليين وأسرى فلسطينيين. ويجب العمل من أجل حل الدولتين وضمان العدالة والسلام للفلسطينيين ودولتهم المستقلة، بجانب إسرائيل آمنة. وضوح المعالم وأوضح أن الاتفاق في غزة يجب أن يكون بداية لا نهاية، ودولة الإمارات لن تشارك في أي قوة استقرار ما لم تتضح معالمها، لكنها ستواصل دعم كل الجهود السياسية والإنسانية لتحقيق السلام، مشيراً إلى أن الإمارات قدمت أكثر من 2.57 مليار دولار سنوياً، أي ما يعادل 45% من إجمالي المساعدات الإنسانية إلى غزة براً وجواً وبحراً.أزمة إنسانيةوقال قرقاش إن السودان ما يزال أزمة إنسانية وسياسية عاجلة، والإمارات تدعم انتقالاً شاملاً بقيادة مدنية مستقلة عن الأطراف المتحاربة، عبر «مبادرة الرباعية» بالشراكة مع الولايات المتحدة والسعودية ومصر. والتزام الإمارات تجاه الشعب السوداني سيبقى ثابتاً رغم حملات التضليل ومحاولات التشويه. الاستقرار السياسي وأضاف أن نهج الإمارات يرتكز على ثلاثة محاور استراتيجية: الموازنة بين الأولويات الإنسانية والاستقرار السياسي، وتحقيق الأمن الإقليمي عبر الحوار ورفض الميليشيات، والنظر إلى المنطقة من منظور الاعتدال مقابل التطرف، مؤكداً أن أمن الخليج غير قابل للتجزئة، وأن حمايته مسؤولية جماعية أساسية للاستقرار الإقليمي.وأكد أن القيادة الأمريكية تظل ضرورية لمعالجة أزمات المنطقة، في حين تعكس شراكات الإمارات المتنوعة التزامها بالتعاون المتوازن والبنّاء مع الجميع.وقال «رؤيتنا ثابتة، شرق أوسط مستقر ومزدهر يسهم في السلام العالمي، وهي رؤية تستلهم قيادة صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، قيادة متجذّرة في الواقعية والإنسانية والالتزام بالسلام، لقد حان الوقت لطي صفحة التشاؤم والانقسام، ولنختر العزم والشراكة بدلاً من الخلاف، فالمستقبل سيكون لمن يملك الإرادة لتحقيقه». منصة سنوية وقالت الدكتورة ابتسام الكتبي، رئيسة مركز الإمارات للسياسات «ينعقد ملتقانا هذا العام تحت عنوان: «تحولات الهيمنة والتكيف مع النظام العالمي الجديد»، حيث إن النظام الدولي الذي تأسس منذ ثمانية عقود يعاني اختلالات تبعث مؤشرات متزايدة إلى أنه غير قابل للاستمرار بشكله، وأخفق المجتمع الدولي في منع الكارثة الإنسانية والحرب الدموية في غزة بعدما انهارت قواعد الحرب، بحسب تعبير الأمم المتحدة».وتابعت «تردد الكلام كثيراً كيف تقوضت شرعية النظام الليبرالي القائم على القواعد والقيم بشكل عام، وبعد توقف الحرب في غزة، وهو إنجاز جوهري ثمين، لا تزال أوكرانيا تنتظر انتهاء حربها، ناهيك عن حروب أخرى». الذكاء الاصطناعي وخلال الملتقى، نُظّمت جلسة حوارية بعنوان «الريادة الإماراتية في الذكاء الاصطناعي»، شارك فيها عمر سلطان العلماء، وزير الدولة للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بُعد والمدير العام لمكتب رئاسة مجلس الوزراء، والدكتور محمد حمد الكويتي، رئيس مجلس الأمن السيبراني، والدكتورة ابتسام المزروعي، المديرة التنفيذية لمكتب الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة في أبوظبي.وقال عمر العلماء، بمشاركته عن بُعد «إن دولة الإمارات كان لديها مبكراً رؤية بأن الذكاء الاصطناعي سيغيّر العالم، وهذه الريادة بثلاث ركائز: الرؤية، وسرعة التنفيذ، والعمل بالشراكات مع الدول الكبرى المتقدمة. وبخصوص علاقة الإمارات بتنافس القوى العالمية على الذكاء الاصطناعي فإن نهج دولة الإمارات أنها تعمل مع الأفضل وتتبنى العمل المشترك مع الجميع دون أن تكون مع طرف دولي واحد، لذلك عملنا مع الولايات المتحد والصين وسنغافورة وكوريا الجنوبية واليابان، وعندما دعت الحاجة لتعامل الإمارات مع الرقائق فكان على الإمارات أن تتواءم مع الولايات المتحدة وهي الأفضل في هذا المجال».وأكد أن الإمارات في مواجهة DEEP FAKE تتعاون مع الجميع أمريكا والصين وغيرهما، حيث إن تصدير الولايات المتحدة رقائق متقدمة للإمارات يعني الثقة بشفافية الإمارات ومعايير الأمان العالية لديها.وأشار إلى أن الطاقة تساوي قدرة معرفية وتكنولوجية، والإمارات لا ترى ما يفعله الآخرون وتقلده، ومثال ذلك بدء الإمارات في 2008 ببناء مفاعل نووي سلمي وكان كلام الخبراء يتحدث في ذلك الوقت عن نهاية العمل بالطاقة النووية بعد حوادث كارثية كالتي حدثت في اليابان «فوكوشيما»، وتبين مع الوقت أن استثمار الإمارات في الطاقة النووية كان ينم عن استشراف مستقبلي، وعزز ذلك الاستثمارات الإماراتية الكبيرة والمستدامة في البيانات والذكاء الاصطناعي. والأمر الآخر أن الإمارات تسعى إلى تطوير مواردها البشرية كاملة الزيادة الإنتاجية بدرجة تتمكن فيها من منافسة الدول الأكبر مساحة وعدداً.وأضاف «لو نتكلم عن المعايير الدولية والتقارير الدولية، فبعض التقارير تشير إلى أن دولة الإمارات هي الأفضل عالمياً اليوم في تبني الذكاء الاصطناعي. والتقارير الأخرى، سواء من KPMG أو PwC أو BCG، ومنها تقرير BCG لانتقال المواهب دولياً، وضعت الإمارات في مصاف الدول الأولى عالمياً في جذب مواهب الذكاء الاصطناعي، والمركز الأول دولياً في استبقاء مواهب الذكاء الاصطناعي. كما تُعد من أفضل ثلاث دول في العالم في الذكاء الاصطناعي». سفارة البيانات وأكد الدكتور محمد الكويتي، أنه لا يوجد اليوم استقرار في التحول الرقمي إلا وفق معايير راسخة تتعلق بالأمن السيبراني، ودولة الإمارات تتبنى نهجاً استباقياً مبنياً على خمس ركائز: الحوكمة، والإبداع، والدفاع والحماية، والبناء، والشراكة العابرة للحدود لضمان التعاون الجماعي في مواجهة الهجمات السيبرانية.وأوضح أن الإمارات تتبنى ما يسمى «سفارة البيانات»، وهذا المفهوم ليس استضافة البيانات فقط، بل تقديم الخدمات الذكية والبنية التحتية بحسب قوانين الدول الأخرى، وخاصة تلك التي ليست لديها القدرة على حماية وتطوير البيانات، وضمن قواعد ومعايير، وفي هذا الاتجاه نركّز على الأمن السيبراني؛ حتى مع احترام قواعد وقوانين الدول.كما أكد أن الدولة تمتلك منظومة متقدمة لرصد الهجمات السيبرانية والتصدي لها استباقياً باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. والمركز الوطني لرصد الهجمات السيبرانية منصة وطنية رئيسة لمتابعة أي محاولة اختراق تستهدف الدولة. وقال الكويتي: إن الإمارات تتعرض لأكثر من 200 ألف هجمة سيبرانية تتعامل معها جميعاً وفق إجراءات عمليات دقيقة، تعتمد على الذكاء الاصطناعي والأتمتة في المراقبة والاستجابة. الجلسة الثانية: كما ناقشت الجلسة الثانية «السياسات الأمريكية والتحولات.. إعادة تشكيل النظام الليبرالي» التغيرات في السياسة الخارجية الأمريكية في ظل إدارة الرئيس الأمريكي ترامب، ودور هذه التغيرات في تهديد النظام الدولي المبني على القواعد القائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وأظهرت حالة الغموض التي تلفّ مسار السياسة الخارجية الأمريكية نتيجة لعمق الخلاف بين الحزبين الجمهوري والأمريكي. جامعة الإمارات ومركز السياسات يوقعان شراكة استراتيجية وقع مركز الإمارات للسياسات مذكرة «شراكة استراتيجية» مع مركز جامعة الإمارات للسياسة العامة والقيادة بجامعة الإمارات وذلك ضمن أعمال النسخة الـ12 من ملتقى أبوظبي الاستراتيجي، الذي انطلقت فعالياته أمس تحت عنوان «تحولات الهيمنة والتكيُّف مع النظام العالمي الجديد».وقع المذكرة الدكتور أحمد الرئيسي مدير جامعة الإمارات، والدكتورة ابتسام الكتبي رئيسة مركز الإمارات للسياسات، وقالت الدكتورة ابتسام الكتبي إن مذكرة الشراكة تأتي انطلاقاً من الحرص المشترك على توطيد أواصر الشراكة وتعزيز التعاون المستدام بين المؤسسات في دولة الإمارات، ورغبةً في تأسيس شراكة فاعلة تقوم على تبادل الخبرات والمعارف في مجالات السياسة العامة وتطوير أنماط القيادة في مؤسسات الدولة بما يسهم في إيجاد حلول علمية وتطبيقية للتحديات المختلفة ودعم عملية صنع السياسات العامة. (وام)