بينما يسيطر على المشهد شاشة سوداء تنبض بالموسيقى الإيطالية الكلاسيكية، تتلاشى الظلال شيئًا فشيئًا لتكشف عن مناجم صقلية القاتمة في أوائل القرن العشرين. العمال ينحنون تحت وطأة الفقر والدَّين، والعرق يمتزج بالغبار، بينما ينهض من بينهم شاب يتيم يُدعى إنزو، عالق بين حياةٍ مسلوبة وأملٍ لم يولد بعد.
يطيح حادث مأساوي بما تبقّى من عائلته، فيتحول الحزن إلى شرارة تمرد، وتهرب الكاميرا معه عبر الأزقة الضيقة والجبال القاسية حتى تصل إلى بوابة فيلا دون توريسي، زعيم المافيا المتخفي في صورة "صانع نبيذ". هناك، يُكتب فصل جديد: ولاء مقابل مأوى، وحلم القوة مقابل ثمن لا بد أن يُدفع. هكذا تبدأ الملحمة التي تمزج بين الانتقام والعاطفة، حيث يشق إنزو طريقه من الظلال إلى قلب المافيا، بينما يزداد كل شيء تعقيدًا مع دخول الحب على خط النار.
تُعرف سلسلة Mafia بتميزها في نقل اللاعبين عبر الزمن واستعراض محطات تاريخية مختلفة. فقد عايش اللاعبون في الجزء الأول أجواء الكساد الكبير، ثم انتقلوا في Mafia 2 إلى أجواء أمريكا خلال الحرب العالمية الثانية وما أعقبها من ازدهار، قبل أن يعيشوا في Mafia 3 تجربة غامرة داخل مرحلة الفصل العنصري.
كانت قيادة السيارات الكلاسيكية التي لا نشاهدها اليوم إلا في المتاحف، والاستمتاع بألحان الجاز العتيقة أو إيقاعات الروك آند رول، عنصرًا جوهريًا في تجربة Mafia. ومع إطلاق النسخة المعاد تصميمها من الجزء الأول، اتجه مطورو Hangar 13 مجددًا إلى استكشاف الماضي، لكن هذه المرة قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى، واختاروا صقلية بدلًا من أمريكا لتقديم حكاية جديدة.
تحكي The Old Country قصة مشوقة تمزج بين الجريمة وعواقبها، بأسلوب قادر على جذب اللاعب وشده إلى مجريات الأحداث. شخصياتها تحمل طابعًا محببًا وملفتًا، إذ تسير بخط رفيع بين العمق والإثارة من جهة، وبين الوقوع في التكرار النمطي من جهة أخرى. ورغم أن محبي هذا النوع من السرد قد يتوقعون مسار القصة في مراحل مبكرة، فإن متابعة تطور الدراما وانكشاف المآسي تبقى تجربة مثيرة بحق. فالتوقع لا ينتقص من الجودة، بل قد يضفي بعدًا دراميًا إضافيًا. غير أن أبرز نقاط الضعف تكمن في شخصية إنزو، التي تبدو باهتة إلى حد ما كبطل، إذ كان الأجدر أن تُمنح صفات وعيوب أكثر وضوحًا بدلاً من أن يظهر كمنفذ خاضع للأوامر.
في Mafia: The Old Country اختار فريق Hangar 13 التخلي عن محرك الرسوميات Fusion الذي استخدم في السلسلة منذ الجزء الثاني وبرز بشكل لافت في Mafia: Definitive Edition. وبدلًا من ذلك، لجأ المطورون إلى محرك Unreal Engine 5 بما يحمله من قدرات تقنية متقدمة. النتيجة كانت عالمًا بصريًا آسرًا، يهيئ مشهدًا طبيعيًا مدهشًا يلائم دراما الجريمة في تلك الحقبات التاريخية.
بفضل تقنية Nanite تنبض صقلية بتفاصيل دقيقة مدهشة، حيث تُجسَّد ملامح البيئة كلها — من الأبنية القديمة المتداعية إلى مزارع الكروم والحدائق — بأسلوب آسر. أما تقنية Lumen للإضاءة والظلال المتقدمة، فتمنح الجزيرة سحرًا خاصًا في مختلف أوقات اليوم؛ سواءً عند امتطاء الخيل وسط المساحات الخضراء بينما تتخلل أشعة الشمس الأشجار، أو أثناء التجوال ليلًا في شوارع مدينة سان سيليست، ليكشف كلا المشهدين عن مناظر خلابة وتجارب متمايزة.
ساهمت تقنية MetaHuman في إضفاء طابع أكثر واقعية على المشاهد السينمائية اللحظية، حيث تنجح في نقل تعابير الوجوه ومشاعر الشخصيات بدقة طبيعية. ومن خلال الانتقال إلى Unreal Engine 5 وما يتيحه من أدوات متطورة، تمكن المطورون من إبراز عناصر بصرية مدهشة، نتج عنها بيئات غنية بالتفاصيل ومواد عالية الجودة بشكل غير مسبوق. إلا أن التحدي الأهم يتمثل في تحويل هذا العالم من مجرد لوحة فنية جميلة وتقنيات متقدمة إلى مساحة تنبض بالحياة والحركة.يمكن اعتبار The Old Country بعيدة عن كونها لعبة جريمة بعالم مفتوح على شاكلة Grand Theft Auto، فهي أقرب إلى تجربة خطية تعتمد بشكل أساسي على السرد وإطلاق النار، مع غياب شبه تام لحرية الاستكشاف أو وجود خيارات غير خطية. صحيح أن اللعبة تتيح لك قيادة السيارات والتنقل بها، إلا أن دورها غالبًا يقتصر على الوصول من مكان إلى آخر، في عالم يفتقر إلى التفاعل والحياة. ومن المهم إدراك هذه الحقيقة قبل خوض التجربة حتى لا يترتب عليها توقعات غير واقعية، خاصة أن وتيرة اللعب بطيئة جدًا، حيث تمضي ساعات طويلة في بناء الأجواء وتصعيد التوتر قبل أن يتسنى لك إطلاق أول رصاصة.
كما هو مألوف في ألعاب السلسلة، يتركز أسلوب اللعب هنا على ثلاثة محاور رئيسية: التسلل، وإطلاق النار، والقيادة. يغلب أسلوب التسلل على معظم التجربة، وهو جيد في أدائه لكنه لا يقدم شيئًا استثنائيًا. إذ يحتوي على العناصر التقليدية المألوفة في ألعاب التسلل الحديثة، مثل مباغتة الأعداء من الخلف للإطاحة بهم، إخفاء الجثث، استخدام العملات أو الأشياء لتشتيت الانتباه، وغير ذلك من الآليات المكررة. ورغم أنه ليس سيئًا، فإنه يظل تقليديًا بالكامل ونادرًا ما يبعث على التوتر. أما الذكاء الاصطناعي للأعداء فغالبًا لا يلتفت إليك إلا إذا كنت في مجال رؤيتهم المباشر، بل إنني في بعض المواقف تمكنت من الإمساك بالعدو وإسقاطه حتى وهو يواجهني. وفيما يخص ميزة إخفاء الجثث، فقد بدت محدودة الفائدة، خصوصًا مع إمكانية التقدم في المهمات دون أن يلحظ أحد ما اقترفته.
إطلاق النار في The Old Country يعاني من التكرار والرتابة. فهو لا يُعد سيئًا بحد ذاته، لكنه يفتقر إلى الإثارة الحقيقية أو الإحساس بالاندماج. ستجد نفسك مجهزًا إما ببندقية رش أو مسدس أو بندقية عادية، ولكل سلاح خصائصه وإحصاءاته، مع إمكانية استخدام القنابل اليدوية وبعض الأدوات الأخرى. معظم المواجهات ستتمثل في الاحتماء خلف جدار ثم الخروج لإطلاق النار على الأعداء. المشكلة الأبرز تكمن في ضعف الذكاء الاصطناعي، حيث يتصرف الخصوم بلا منطق، فيندفعون إلى أماكن مكشوفة أو يقتربون منك ببطء كما لو كانوا محميين بدروع ثقيلة. ومع ذلك، فإن الجانب المشرق في نظام إطلاق النار يكمن في المشاهد السينمائية المميزة التي تضيف لمسات درامية كافية تمنح التجربة بعض الإثارة، حتى وإن بدت مكررة في أسلوبها.
الأمر نفسه ينطبق على مقاطع ركوب الخيل والقيادة في اللعبة، فهي بسيطة للغاية وتؤدي الغرض دون أي عمق يُذكر. غالبًا ما تقتصر على التنقل الخفيف بين المواقع أثناء تبادل الحوارات مع الشخصيات الأخرى، أو على مشاهد قيادة خطية لا مجال فيها لارتكاب خطأ بالاتجاه. صحيح أن نظام التحكم سلس ويسهل إتقانه، لكنه يظل سطحيًا من ناحية أسلوب اللعب. في المقابل، تضفي المشاهد السينمائية المرافقة طابعًا ممتعًا وحماسيًا، ومن الصعب ألا يغمرك التوتر أثناء مطاردة أحد قطاع الطرق الهاربين في سيارة متداعية، غير أن معظم التجربة تنحصر في الاستمرار بالضغط على زر القيادة لا أكثر.من بين عناصر اللعبة، تبقى معارك السكاكين الفردية الأكثر إثارة وتميزًا، حيث يشهر إنزو خنجره ليواجه خصمًا واحدًا وجهًا لوجه. هذه اللحظات تعد الأكثر تفاعلية، إذ تمنح اللاعب خيارات متعددة مثل المراوغة والصد وكسر الدفاع وغير ذلك. صحيح أنها قد تبدو غير منطقية أحيانًا، كأن يرمي أحد الأعداء بندقيته ليقاتلك بسكين، لكنها مع ذلك تقدم مقاطع جيدة الإخراج وآليات أكثر إحكامًا وصلابة مقارنة ببقية أسلوب اللعب.
أكبر عيوب The Old Country أنها تضع القصة في المقام الأول على حساب أسلوب اللعب. ورغم أن ذلك ليس سلبيًا بالضرورة، فإنه يجعل معظم عناصر اللعب تبدو كأدوات لخدمة التجربة التفاعلية أكثر من كونها أنظمة ممتعة بذاتها. فإطلاق النار، على سبيل المثال، يؤدي الغرض بشكل مقبول، لكنه في الغالب مجرد إضافة بسيطة لجرعة أكشن داخل المشاهد، وينتهي غالبًا إلى شعور بأنه معد مسبقًا. ويزداد الأمر وضوحًا في مقاطع السباقات والقيادة، التي توحي بأنك لا تفعل أكثر من الضغط على أزرار فيما تكون النتيجة محسومة سلفًا. وما يزيد من الإحباط أن اللعبة كثيرًا ما تقاطع تجربتك إن لم تلتزم بإيقاعها؛ فالشخصيات غير القابلة للعب تبدأ بالتبرم فورًا إذا توقفت للحظة لاختيار سلاح آخر، وأي محاولة لتجاوز الإطار المحدد للمشهد تعيدك مباشرة إلى المسار المرسوم.
تتوافر في اللعبة بعض العناصر الجانبية مثل التعويذات القابلة للتجهيز والترقية التي تؤثر على إحصاءات الشخصية، إلى جانب المقتنيات والملاحظات الاختيارية، وكذلك الخزائن التي يمكن فتحها للحصول على موارد إضافية للترقية. غير أن معظم هذه العناصر يبدو وكأنه أضيف فقط لإطالة عمر التجربة. الاستثناء الأبرز هنا هو الملاحظات، إذ تعد الأكثر جاذبية بفضل ما تكشفه من تفاصيل أعمق عن العالم والشخصيات، وهما يظلان الركيزة الأقوى في اللعبة.
تقدم Mafia: The Old Country سردًا محكمًا وجذابًا، وإن كان متوقعًا في بعض الأحيان، أما من ناحية اللعب، فهي أقل بريقًا، إذ تبدو معظم عناصرها وكأنها مجرد إضافات تقليدية للمضي قدمًا وتتابع الأحداث، لذا إذا كنت تبحث عن دراما إجرامية بفترة زمنية مثيرة، فإن The Old Country ستلبي ما تريد، لكن لا تتوقع أكثر من ذلك.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة IGN ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من IGN ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.