لطالما كانت الأساطير الصينية مصدرًا ثريًا للإلهام، ليس فقط في الأدب والفن، بل في الآونة الأخيرة، في عالم ألعاب الفيديو. بعد النجاح المدوّي الذي حققته لعبة Black Myth: Wukong من استوديو Game Science، والتي أذهلت العالم بجمالها البصري وعمقها الأسطوري، جاء الإعلان عن مشروعهم التالي في معرض Gamescom 2025 ليثير حماس اللاعبين: Black Myth: Zhong Kui.
هذه اللعبة، التي تركز على شخصية أسطورية أقل شهرة نسبيًا خارج آسيا ولكنها ذات أهمية قصوى داخل الثقافة الصينية، تحمل في طياتها وعدًا بتقديم تجربة فريدة ومختلفة تمامًا عن مغامرات ملك القردة، ولكن بنفس الجودة والعمق. لفهم الإمكانات الهائلة التي يمكن أن تقدمها Black Myth: Zhong Kui يجب علينا أولاً الغوص في أعماق أسطورة هذه الشخصية المعقدة، قدراته، وكيف يمكن لمطوريها تحويل هذه الأساطير إلى آليات لعب مذهلة.

زونج كوي: قاهر الشياطين من الفولكلور الصيني
تعتبر شخصية زونج كوي (Zhong Kui)، والمعروفة في اليابان باسم شوكاي (Shōki)، أحد أبرز الشخصيات في الميثولوجيا الطاوية والفولكلور الصيني. يُعرف هذا الإله التقليدي بأنه قاهر الأشباح والكائنات الشريرة، ويُصوّر غالبًا كشخصية مخيفة، ذات وجه غاضب، لحية كثيفة، وعينين جاحظتين، يحمل سيفًا لردع الأرواح الخبيثة. يُعتقد أنه يحكم جيشًا من ثمانين ألف شيطان، مما يجعله قوة هائلة ضد قوى الظلام.
تعود أسطورة زونج كوي إلى عهد أسرة تانغ (618-907 م). تروي الحكايات أنه كان باحثًا موهوبًا وذكيًا للغاية، ونتيجة ذلك حصل على المركز الأول في امتحانات الخدمة المدنية الإمبراطورية (التي تؤهل الحاصل على لقب “النجم الأول” أو Zhuàngyuan)، لكن رفض الإمبراطور منحه اللقب عند رؤيته لوجه زونج كوي المشوه، مما يمثل صفعة للقيم الكونفوشيوسية التي ترفع من شأن الجوهر على المظهر. شعر زونج كوي بإهانة عميقة وظلم كبير، فأقدم على الانتحار بضرب رأسه مرارًا وتكرارًا على درجات القصر. يُقال إن صديقه الوفي، دو بينغ، قام بدفنه ليكرمه.
بعد وفاته المأساوية، وصلت روح زونج كوي إلى عالم الموتى، حيث قابل يان وانغ (Yan Wang)، ملك الجحيم. أدرك يان وانغ إمكانات زونج كوي العظيمة وشجاعته وذكائه، على الرغم من مظهره. وتقديرًا لروحه الصالحة وعزيمته، منحه يان وانغ لقب “ملك الأشباح” أو “قاهر الشياطين”، وكلفه بمهمة حماية البشرية من الأرواح الشريرة والشياطين.
لكن قصته لم تنتهِ عند هذا الحد. في عالم الأرواح، تحول غضبه العادل إلى قوة جبارة. وظهر لاحقًا في حلم الإمبراطور، الذي كان يعاني من مرض غامض، حيث قبض على شيطان كان يسرق ممتلكات القصر وابتلعه. عند استيقاظه، وجد الإمبراطور نفسه قد شُفي، فأدرك خطأه. كتكفير عن ذنبه، أصدر مرسومًا إمبراطوريًا ينصب زونج كوي بعد وفاته باعتباره “مطارِد الأرواح الشريرة وملك الأموات”، وأمر بنشر صورته في كل بيت لدرء الشرور.
منذ ذلك الحين، أصبح زونج كوي رمزًا ثقافيًا متعدد الأوجه:
* الحامي: صوره على الأبواب تطرد الأرواح الشريرة وتجلب السلامة، خاصة خلال مهرجان قوارب التنين.
* القاضي: في المعتقدات الطاوية، تطور دوره ليصبح قاضيًا في العالم السفلي، يحاكم الأرواح على أفعالها.
* رمز العدالة: قصته هي تذكرة دائمة بانتصار الموهبة والنزاهة على الظلم والسطحية.
بلاك ميث: زونج كوي – فصل جديد من الأساطير
لقد أثبت Game Science قدرته على تحويل الأساطير القديمة إلى تجارب لعب حديثة ومذهلة مع Black Myth: Wukong. لقد أظهرت اللعبة اهتمامًا دقيقًا بالتفاصيل الأسطورية، وتقديم رسومات مذهلة، وأسلوب لعب يركز على التحدي. الإعلان عن Black Myth: Zhong Kui في Gamescom 2025 يشير إلى أن الاستوديو يهدف إلى توسيع عالمه الأسطوري، مستخدمًا نفس النهج الذي يجمع بين التراث الثقافي الغني وتقنيات تطوير الألعاب المتطورة.
اختيار زونج كوي كبطل للعبة هو اختيار ذكي وملهم. على عكس ملك القردة، الذي يشتهر بخفته وذكائه ومكرّه، يمثل زونج كوي قوة أثقل وأكثر جدية، شخصية محملة بالمعاناة والعدالة. إن قصته المأساوية التي تحولت إلى نذر حماية تجعل منه بطلًا ذا عمق عاطفي كبير، مما يوفر أساسًا متينًا لرواية القصص المعقدة في اللعبة.
قدرات زونج كوي في الميثولوجيا الصينية
قبل أن نفسر كيف يمكن أن يترجم الاستوديو الصيني قدرات زونج كوي إلى آليات لعب ممتعة علينا الحديث أولاً عن قدراته، تصف الأساطير زونج كوي بأنه ليس مجرد محارب، بل كيان خارق يمتلك مجموعة من القدرات التي تجعله فريدًا مقارنة بالأبطال التقليديين:
- استدعاء الأشباح: يقال إنه يستطيع استدعاء مئات الأرواح الخاضعة لسلطانه لتقاتل بجانبه أو لأداء مهام مختلفة.
- القوة الجسدية الهائلة: رغم كونه روحًا، يُعرف بقدرته الجسدية الكبيرة وضرباته الساحقة ضد الشياطين.
- حكمة المعلّم: كونه طالبًا بارعًا سابقًا، حمل معه معرفة بالطب والعلوم جعلته مقاتلاً عارفًا بطرق خداع الأرواح والجن.
- هيبة مروّعة: مظهره وحده – وجهه القاسي وعيناه المشتعلتان – يكفيان لتخويف خصومه قبل حتى أن يرفع سيفه.
- التوازن بين العدل والانتقام: زونج كوي ليس مجرد صياد وحوش، بل شخصية مأساوية تجمع بين الألم والرغبة في فرض العدالة، ما يفتح الباب لقصص درامية عميقة.
إن إعلان “Black Myth: Zhong Kui” لا يعد بإنقاذ العالم من الشياطين فحسب، بل يوفر فرصة فريدة لمطوري Game Science لتعميق فهمنا للأساطير الصينية عبر لعبة فيديو. من خلال دمج قدرات زونج كوي الأسطورية وقصته المؤثرة في آليات لعب مبتكرة، يمكن للاستوديو أن يخلق تحفة فنية أخرى لا تشرف فقط على شخصية أسطورية عظيمة، بل تقدم أيضًا تجربة لا تُنسى للاعبين في جميع أنحاء العالم، لتكون إضافة قوية ومميزة لسلسلة “Black Myth”.

كاتب
أعشق ألعاب الفيديو منذ أيام جهاز العائلة، و أفضل ألعاب المغامرات أمثال Tomb Raider و Assassins Creed (قبل التحول للـRPG)، ليس لدي تحيز لأي جهاز منزلي بالنسبة لي الأفضل هو الذي يقدم الألعاب الأكثر تميزاً. ما يهمني هو التجارب ذات السرد القصصي المشوق فالقصة هي أساس المتعة أكثر من الجيمبلاي.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة سعودي جيمر ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من سعودي جيمر ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.