العاب / IGN

مراجعة One Battle After Another

  • 1/2
  • 2/2

يخدعك One Battle After Another من البداية. تتخيل أنك أمام أكشن طويل، مشبع بالمطاردات والانفجارات التي ألفناها، لكنه سرعان ما يزيح هذا القناع ليكشف عملًا شديد التعقيد، يتجاوز الحكاية السطحية عن مطاردين وثوار، ليغوص في واقع اجتماعي وسياسي يخص أمريكا اليوم. لكنه لا يغرقك في خطاب مباشر، بل يحوّل السياسة إلى قصة مشوقة مليئة بالحركة والكوميديا والدراما، وكأنه يقول: يمكن للسينما أن تُسلي وتُفكر في الوقت نفسه.

القصة تبدو بسيطة: خلية ثورية تواجه حكومة تتعامل مع المهاجرين والسكان الأصليين كعدو دائم. لكن ما يحدث على أكبر من ذلك بكثير. الشخصيات هنا ليست رموزًا فقط،كل شخصية تحمل تناقضاتها، تخطئ وتصيب، تضحك وتنهار، وتترك للمشاهد أن يقرر إن كان يتعاطف معها أو يبتعد عنها. ومن خلال هذه الشخصيات، يرسم الفيلم صورة دقيقة عن الانقسام اليوم: صراع بين السلطة والخوف، بين الماضي الذي لا يموت والحاضر الذي يزداد قسوة.

طول الفيلم يتجاوز الساعتين وأربعين دقيقة، لكنه لا يشعر المشاهد أنه طويل. السبب أن السرد ممتلئ بالتفاصيل، كل مشهد يأخذ مكانه الطبيعي. هناك مطاردة مركزية في منتصف الفيلم تُعد من أعظم مشاهد الأكشن في السنوات الأخيرة، لكنها ليست مجرد مطاردة. الإيقاع، الصوت، نظرات الشخصيات، طريقة تحرك الكاميرا، كلها تجعلنا ندرك أن ما يحدث يتجاوز الصراع الجسدي، ليصبح انعكاسًا لصراع أكبر: صراع مجتمع مع نفسه. لا يوجد ابتذال، لا يوجد تكرار، بل تجربة بصرية وصوتية حقيقية، تجعل حتى أكثر مشاهد الأكشن استهلاكًا يولد من جديد.

الأداءات في هذا الفيلم تستحق أن تُدرَّس. ليوناردو ديكابريو اعاد اكتشاف نفسه في هذا الدور . شخصية بوب فيرغسون التي يؤديها ليست بطلاً كاملاً ولا ضحية كاملة. هو أب يحاول أن يحمي ابنته لكنه لا يثق بنفسه، ثائر سابق يعيش على أنقاض أحلامه، ومدمن ينهار عند أول مواجهة مع ماضيه. ديكابريو يتعامل مع الشخصية كأنه يعيشها فعلًا: طريقة تنفسه تتغير من مشهد لآخر، جسده يترنح بين القوة والانكسار، عينيه تفضحان قلقًا أكبر من كل الكلمات. هناك لحظة يقف فيها أمام ابنته، يحاول أن يظهر شجاعًا، لكن صوته يختنق قبل أن ينطق جملة كاملة. في لحظة أخرى يتحول إلى رجل متهور يصرخ كأنه عاد شابًا ثوريًا. هذا التناقض هو ما جعل الشخصية ثرية ومتضادة ، وهو ما يثبت أن ديكابريو لم يعد يبحث عن “دور عظيم” بل يعيش الأدوار العظيمة كأنها قدره. حتى في لحظات الكوميديا الصغيرة، حين يتعثر في كلمة أو يخطئ في رد فعل، يخفف من توتر المشهد ويمنحنا ضحكة صادقة. ديكابريو هنا ليس نجمًا فقط، بل ممثل يضع كل خبرته في شخصية واحدة، ليجعلها أكبر من مجرد دور.

تيانا تايلور رغم حضورها القصير، لكنها كانت المفاجأة الأكبر بعد ديكابريو. بمجرد أن تظهر على الشاشة، الكاميرا تنجذب إليها. هناك وجوه يلتقطها الضوء بشكل مختلف، وتايلور واحدة منها. ملامحها وحدها قادرة على خطف الانتباه، تجعل المشاهد يترك أي شيء آخر ليتابعها. شخصيتها كتبت بتناقض جميل: ثورية حينًا، أنانية حينًا آخر، مستعدة للوفاء وللخيانة في اللحظة نفسها. ما فعلته تايلور أنها لم تشرح هذا التناقض بالكلام، بل جسّدته بالنظرات، بالصمت، بابتسامة تنكسر قبل أن تكتمل. لحظة قصيرة لها وهي تختار قرارًا خائنًا، كانت أقوى من مشاهد مطولة لشخصيات أخرى. حضورها رغم محدوديته كان بمثابة توقيع لا يُمحى. شخصيا لم أكن اتوقع كل ذلك الابداع منها لضيق وقتها في عمل امتد لأكثر من ساعتين

بينسيو ديل تورو بدوره كان العقل الحكيم داخل الفوضى. أداؤه يمزج بين خفة دم عفوية وقرارات مصيرية تُغير مجرى الأحداث. شخصيته بدت وكأنها تعرف كل شيء قبل الآخرين، ومع ذلك لم تفقد إنسانيتها. ديل تورو جعل من كل وقفة وكل جملة حدثًا صغيرًا في حد ذاته، وأضاف طبقة من العمق والواقعية.

أما شون بن، فقدّم شخصية الشرير كما كُتبت: قاسية، باردة، متغطرسة. أحيانًا كان أداؤه صامتًا كليًا، مجرد نظرة تكفي لتجعل المشاهد يتوتر، لكن في أحيان أخرى بالغ في الأداء وفقد شيئًا من قوته حيث لجأ بشكل غير منطقي للأداء المسرحي المبالغ به . ومع ذلك، يبقى حضوره ضروريًا كخصم رئيسي يوازن ديكابريو ويعطي الفيلم ثقله الدرامي ووجهه العنصري القبيح بكامل تفاصيله.

تشيس إنفينيتي في أول ظهور لها أثبتت أنها موهبة تستحق الانتظار. صحيح أن أداءها لم يكن كاملًا دائمًا، لكنها أظهرت وعيًا بالشخصية وحضورًا قويًا بالنسبة لممثلة مبتدئة. كانت تعرف كيف تصمت وكيف تنظر، وهذا بحد ذاته مؤشر على بداية مشوار واعد.

ولا أريد أن أتجاهل دور قولدوين الذي لطالما أجاد الأدوار السياسية لكنه أضاف الجانب العنصري والاستحقاقية المستفزة بجدارة وكانه اصبح وجه العملة لليمين الأمريكي المتطرف

لغة أندرسون السينمائية هي ما جعلت الفيلم يتجاوز كونه مجرد قصة. الكاميرا عنده لا تلاحق الأحداث فقط، بل تصنع المعنى. الإضاءة في الأحياء المهمشة باردة وقاسية، بينما في اللحظات العائلية دافئة وناعمة، لتجعلنا نشعر بالفارق بين القسوة والملاذ. الصوت مصمم بعناية: وقع الأقدام، أنفاس متقطعة، صمت أطول مما نتوقع. هذه التفاصيل تجعل التوتر ينبع من الصورة نفسها قبل أن تضيف الموسيقى. وحتى حين تأتي الموسيقى، فهي لا تقود المشهد بل ترافقه. أندرسون يعامل المشاهد باحترام، يثق أن الصورة تكفي، وأن العين أذكى من أن تحتاج شرحًا.

أما الرمزية، فهي حاضرة لكنها ليست متكلفة. الطائر الذي يتكرر، جواز السفر، الحواجز الأمنية، كلها علامات واضحة، لكنها بسيطة بما يكفي لأن يفهمها أي متابع دون أن يشعر أنه يُدرّس في فصل سياسي. هذه الرمزية هي ما جعل الفيلم قادرًا على أن يكون ممتعًا وذكيًا في الوقت نفسه.

الإسقاط السياسي في الفيلم شديد الوضوح. القصة عن الثورة ضد الحكومة ليست مجرد حبكة، بل انعكاس للواقع الأمريكي الذي يتعامل مع المهاجرين وكأنهم خطر وجودي. صعود اليمين المتطرف، الخوف من الآخر، استخدام الخطر كذريعة للقمع، كلها عناصر تعيشها أمريكا الآن، والفيلم يعرضها في سينمائي ممتع دون أن يفقد جدّيته. هو عمل يجمع بين الترفيه والتحليل السياسي، بين المتعة البصرية والتفكير في المستقبل.

الفيلم يبدو هاربا من أواخر السبعينيات لأنه يستعيد روح زمنٍ كانت فيه السينما أكثر شجاعة، أكثر صدقًا، أكثر رغبة في مواجهة المجتمع بلا خوف. لكنه في الوقت نفسه حديث جدًا، لأنه يضع يده على جرح لم يلتئم بعد. كان يمكن أن يُصنع قبل أربعين عامًا ويبدو في مكانه، لكنه اليوم يبدو أكثر ضرورة، لأنه يواجه حاضره مباشرة.


إن One Battle After Another هو عمل يبرهن بما لا يدع مجالا للشك أنك لا تحتاج قصة معقدة غارقة في الرسائل المبطنة لتقدم تحفة فنية مبدعة. حيث يقدم أندرسون قصة واضحة لكنها غنية بكل ما نحتاجه من فيلم سينمائي، ووظف كل رسائله في قوالب واضحة وبسيطة لكنها شديدة الإيقاع والتمكن وهذا هو خليط الفيلم المتكامل.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة IGN ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من IGN ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا