العاب / IGN

مراجعة The Smashing Machine

  • 1/2
  • 2/2

من الصعب أن نتحدث عن مسيرة دواين جونسون في هوليوود دون أن نتوقف عند الشخصية التي رافقته دائمًا: “الصخرة”. سواء كان في أفلام الأكشن أو الكوميديا أو حتى الأعمال العائلية، ظلّ جونسون محاصرًا داخل صورة البطل الخارق، الواثق، الذي لا يُهزم أبدًا. لكن The Smashing Machine جاء ليكسر هذه الصورة التي التصقت به لعقود، ويكشف لنا عن ممثل مختلف كليًا، ممثل يجرؤ لأول مرة على أن يتخلى عن بريقه، ليغوص في قلب شخصية إنسانية هشّة ومتناقضة، هي شخصية المقاتل الشهير مارك كير.

منذ المشاهد الأولى ندرك أننا أمام دواين جونسون آخر. الجسد ما زال حاضرًا، لكن خلف تلك العضلات يقبع رجل محطم، مدمن على المسكنات، مهزوم من الداخل أكثر من أي هزيمة عرفها في الحلبة. الفيلم يترك الكاميرا تراقب كير في لحظاته اليومية، في منزله، مع شريكته، في صراعه مع ذاته، أكثر مما يركز على نزالاته الشهيرة. جونسون هنا لا يمثل بطلاً، بل يعيش شخصية مأزومة لا تخجل من الظهور ضعيفة، متناقضة، وحتى مثيرة للشفقة أحيانًا. وهذه النقلة هي ما جعلت أداؤه أعظم ما قدّمه حتى الآن.

شخصية كير كما قدمها جونسون تفضح جانبًا لم نعتده منه: رجل خسر أهم نزالاته، لا يقوى على مقاومة إدمانه، ويعيش حياته على حافة الانهيار. كانت هذه المرة الأولى التي أشعر أن دواين جونسون بذل جهدًا حقيقيًا في التقمص، وأنه لم يعد يكتفي بكاريزمته المعتادة كدرعٍ يغطي ضعف النص أو الشخصية. هنا لم يترك لنفسه مهربًا، بل واجه الدور بكل ما يحمله من آلام وتناقضات، وأثبت أنه قادر على أن يكون ممثلًا دراميًا بكل معنى الكلمة.

لكن الأداء العظيم لا يولد من فراغ. وجود إيميلي بلانت في دور دون ستيبلز، حبيبة مارك كير، كان حاسمًا في نجاح الفيلم. بلانت قدّمت شخصية متقنة، تمزج بين صورة الحبيبة المخلصة ورفيقة الدرب من جهة، والمرأة الأنانية المتعبة من جهة أخرى. علاقتها بجونسون أضفت على القصة وزنًا إنسانيًا قويًا، وجعلت كل لحظة بينهما مشحونة بالعاطفة والتوتر. بلانت لم تكن مجرد ممثلة مساعدة، بل كانت عنصرًا أساسياً جعل جونسون يظهر بأفضل صورة ممكنة. الكيمياء بينهما كانت صادقة إلى درجة جعلتني أنسى أنني أشاهد فيلمًا، بل كأنني أعيش تفاصيل علاقة مليئة بالحب والتضحية والانكسار.

وهنا تكمن براعة بلانت في كونها ليست فقط جزءًا من القصة، بل انعكاسًا مباشرًا لانهيار كير الداخلي. كل لحظة ضعف عند جونسون كانت تجد صداها في نظرات بلانت، وكل محاولة يائسة للتماسك كان يفضحها وجودها بجانبه. هي المرآة التي أظهرت هشاشته بوضوح، إذ لم يكن بإمكانه أن يختبئ خلف الكاريزما المعتادة أو القوة الجسدية، لأن وجودها كان يكشف المستور ويضعه أمام حقيقة نفسه. بلانت لم تلعب دورًا داعمًا فقط، بل كانت الأداة التي فضحت تناقضاته، وأعطت أداؤه وزنًا مضاعفًا، لتجعل رحلة الانهيار أكثر إيلامًا وواقعية.

من الناحية الأخرى، جاء أداء رايان بيدر في دور المقاتل مارك كولمان جيدًا ومقنعًا، لكنه ظل في حدود الضرورة الدرامية، دون أن يترك أثرًا قويًا. المشكلة لم تكن فيه بقدر ما كانت في معالجة الفيلم لجوهر القصة: الإدمان. على الرغم من أن الإدمان يمثل المحور الأساسي لانهيار مارك كير، إلا أن الفيلم لم يمنحه العمق الكافي. لم نشعر كمتفرجين بخطورة هذا الإدمان على حياته، ولم نرَ مشاهد تُظهر حجم الكارثة التي يعيشها. بل إن غياب أي تصوير له داخل مصحة علاجية كان خسارة كبيرة للفيلم، إذ كان من الممكن أن يمنح هذه الحكاية المأساوية بُعدًا إضافيًا يزيد من قوتها.

أما على مستوى القتالات، فقد جاءت مشاهد الـMMA متكررة ومتشابهة. لم يكن الإخراج مبتكرًا فيها، بل اعتمد على الزوايا المعتادة والتقطيع المألوف، وكأن الهدف كان فقط إكمال الصورة الرياضية. ما أنقذ الفيلم من الرتابة هو تركيزه على حياة كير الشخصية، وعلى خلافاته المنزلية وصراعاته مع ذاته، والتي كانت أكثر أهمية وأثرًا من أي قتال داخل الحلبة.

رغم ذلك، الفيلم كان رائعًا في إحياء أجواء التسعينيات. التفاصيل البصرية، الفلاتر المستخدمة، السيارات، وحتى الموسيقى، كلها رسمت لوحة زمنية دقيقة. أكثر المشاهد جمالًا كانت تلك التي دارت في ، خصوصًا داخل منظمة PRIDE، حيث بدا كل شيء نابضًا بالحياة وممتعًا، من أجواء طوكيو الليلية إلى طقوس القتال التي ميزت تلك الفترة.

إخراج بيني سافدي كان جريئًا في لحظات، حذرًا في أخرى. اختار أن يقدّم فيلمًا لا يحتفي بالبطولات بقدر ما يفتش عن الجروح، لا يبحث عن صورة البطل، بل عن الإنسان الممزق داخليًا. أسلوبه المختلف في تصوير القتالات وزوايا الكاميرا منح الفيلم هوية خاصة، لكنه أضاع فرصة تقديم مأساة الإدمان بما تستحق من عمق. ومع ذلك، يظل اختياره صادقًا لفكرته الأساسية: كشف الوجه الآخر للبطل الذي ينهار بعيدًا عن الأضواء.

وما يميز العمل أكثر هو رتمه العام؛ فلم يكن فيلمًا يلهث وراء الإثارة المفتعلة أو التصاعد الدرامي المبالغ فيه، بل التزم بإيقاع متزن يليق بعمل يُصنّف ضمن السير الذاتية. هذا الرتم سمح للمشاهد أن يرى حياة مارك كير كما هي، دون تزييف أو تجميل أو إدخال عناصر مصطنعة لتضخيم الدراما. هنا يكمن الاحترام الحقيقي لشخصية إنسان عاش هذه التجربة؛ الفيلم لم يبالغ في تقديمه كملحمة بطولية، ولم يحوّل معاناته إلى مادة مبتذلة للفرجة، بل تعامل مع حياته كما تستحق، بكل صدق وبساطة، ليؤكد أن السيرة الذاتية الناجحة لا تحتاج إلى إثارة مختلقة بقدر ما تحتاج إلى عمق إنساني.

وما يجعل الفيلم محطة فارقة أيضًا هو أنه يضع دواين جونسون أمام خيار حاسم لمستقبله المهني. طوال عقدين، بنى جونسون مسيرته على صورة “الصخرة”، الرجل الذي لا يُقهر، نجم الأكشن الجاهز الذي يملأ بعضلاته وكاريزمته. لكن هذه الصورة، رغم نجاحها التجاري، كانت دائمًا تقيّد حضوره الفني، وتضع سقفًا لا يمكن تجاوزه. في The Smashing Machine، كسر جونسون هذا السقف لأول مرة، وقدّم أداءً يُظهر أن لديه القدرة على أن يكون أكثر من مجرد ظاهرة جماهيرية.

التجربة هنا لا يجب أن تبقى مجرد استثناء، بل من المفترض أن تكون بداية لمرحلة جديدة كليًا. جونسون بحاجة إلى أن يبني مسيرته القادمة على هذا النهج، أن يبحث عن الشخصيات الممزقة، المعقدة، التي تكشف هشاشة الإنسان بدلًا من قوته فقط. هذه هي الأدوار التي صنعت مسيرة ممثلين كبار مثل روبرت دي نيرو، شون بن، وحتى ماثيو ماكونهي حين قرر أن يترك الكوميديا الرومانسية لينتقل إلى أدوار أكثر عمقًا. جونسون يمتلك الأدوات، والجمهور بات جاهزًا لرؤيته بعيون مختلفة، وما ينقصه فقط هو الاستمرارية في هذا المسار.

إذا واصل جونسون على هذا الخط، فسيتحول من مجرد نجم شباك إلى ممثل يحظى باعتراف نقدي عالمي. مثل هذه الخطوة يمكن أن تمنحه أعمالًا مرشحة للجوائز، وتجعله يشارك في مشاريع سينمائية أكثر جدية، حيث لا يُنظر إليه فقط كوجه تجاري، بل كموهبة حقيقية قادرة على أن تترك أثرًا. والأهم من ذلك، أن التخلي عن “الصخرة” لا يعني التخلي عن جماهيريته، بل العكس؛ سيجعل جمهوره يرى فيه إنسانًا حقيقيًا، قادرًا على لمس قلوبهم بقدر ما يبهرهم بعضلاته.

هذا الفيلم قد يكون لحظة إعادة تعريف لمسيرته. إذا توقف عنده واكتفى، فسيظل مجرد محطة مثيرة في مسيرة مليئة بالأفلام المتشابهة. أما إذا جعل منه أساسًا يبني عليه باقي اختياراته، فسيكون The Smashing Machine العمل الذي غيّر مستقبل دواين جونسون الفني إلى الأبد.

في ، The Smashing Machine ليس فيلمًا رياضيًا تقليديًا، بل رحلة في أعماق شخصية مأزومة تعيش على حدود الانهيار. دواين جونسون قدّم هنا أفضل أداء في حياته، متخليًا عن صورته القديمة ومثبتًا أنه قادر على أن يكون أكثر من مجرد نجم شباك. إيميلي بلانت أضافت توازنًا عاطفيًا مذهلًا، والمشاهد اليابانية والتفاصيل الزمنية أعطت الفيلم سحره الخاص. ومع أن العمل أخفق في استثمار مأساة الإدمان بالشكل الكامل، ومع أن القتالات لم تقدّم جديدًا، إلا أنه يظل تجربة ممتعة وواقعية، ويستحق التقدير لما قدمه جونسون من شجاعة في مواجهة نفسه قبل مواجهة الجمهور

فيلم صادق أعاد صياغة دواين جونسون كممثل درامي قادر على التخلي عن صورته الأسطورية، مقدّمًا أداءً يضعه في خانة جديدة كليًا. رغم بعض العثرات في إبراز مأساة الإدمان وتكرار القتالات، إلا أن العمل يظل خطوة شجاعة وتحترم تصنيف السيرة الذاتية.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة IGN ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من IGN ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا