من الصعب أن نتخيل اليوم، وسط ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وزيادة معدلات البطالة، وجمود الأجور، أن هناك من كان مستعدًا لدفع أكثر من السعر الرسمي لجهاز PlayStation 5. قبل 5 سنوات من الآن! والأصعب من ذلك أن نفهم كيف كان البعض على استعداد لإنفاق جزء كبير من راتبهم أو حتى إيجار منزلهم لمجرد لعب Spider-Man 2 لكن لسنوات قليلة بعد إطلاق جهاز سوني، إذا أردت أن تحصل على أحدث تقنيات الكونسول، كان عليك أن تدفع ما لا يقل عن ألف دولار. فمن كانوا هؤلاء الأشخاص؟ وأين هم الآن؟ ما هي الأسباب التي جعلت جهاز بلايستيشن 5 يُباع بألف دولار؟ لنعد إلى البداية. أزمة نقص أجهزة PS5 بدأت في نوفمبر 2020، عند طرح الجهاز الأبيض لأول مرة في الأسواق – أو ربما قبل ذلك، نظرًا لصعوبة الحصول على الطلبات المسبقة. العقبة الأولى كانت الطلب الهائل. كثير من اللاعبين المتحمسين أرادوا أن يكونوا من أوائل من يمسك بيدهم وحدة تحكم DualSense، لكن المواقع الإلكترونية انهارت تحت ضغط الزوار، حتى أصبح الضغط على زر “شراء” مهمة شبه مستحيلة. ثم جاء الخطر الأكبر: المضاربون. هؤلاء التجار المسلحون بالروبوتات الإلكترونية كانوا يقتحمون المواقع ويشترون عشرات الأجهزة في لحظة، قبل أن يتمكن أي إنسان عادي من إتمام عملية الشراء. الأمر لم يكن جديدًا، فكل سلعة ثمينة تُباع عبر الإنترنت – من تذاكر الحفلات إلى بطاقات البوكيمون – واجهت المصير نفسه. لكن حجم المشكلة مع PS5 كان غير مسبوق. فقد أعلنت وول مارت أنها تعرضت لـ20 مليون محاولة من هذه الروبوتات للاستيلاء على الأجهزة خلال نصف ساعة فقط من طرحها. أما المضاربون، فقد جمعوا آلاف الأجهزة وتباهوا بذلك علنًا على الإنترنت. الجشع لم يكن العامل الوحيد. شركات تصنيع الكونسول واجهت أزمة نقص في أشباه الموصلات، وهي الشرائح التي تشغّل كل أنواع التكنولوجيا. خلال جائحة كورونا، ارتفع الطلب عليها بشكل هائل، خصوصًا مع بقاء الناس في منازلهم بحثًا عن وسائل ترفيه. وفي بعض المناطق، كان لدى الناس فائض من المال لإنفاقه على الألعاب. لكن الطلب لم يقتصر على الألعاب، بل شمل السيارات وأجهزة الكمبيوتر المحمولة أيضًا. وزاد الطين بلة أن عام 2020 شهد طفرة في تعدين العملات الرقمية وتطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، وكلاهما يحتاج إلى إمدادات ضخمة من الشرائح. المصانع كانت تعمل بأقصى طاقتها، ولا يمكن ببساطة إنتاج المزيد بين ليلة وضحاها. ومع مشاكل سلاسل التوريد التقليدية، مثل أزمة الحاويات والموانئ، أصبح الحصول على جهاز PS5 مهمة شبه مستحيلة. بالنسبة للمضاربين، كانت هذه فرصة ذهبية. وفقًا لموقع eBay، بلغ متوسط أسعار إعادة بيع الجهاز في الأشهر الأولى نحو ألف دولار – أي ضعف سعره الرسمي البالغ 499.99 دولار. قد يظن البعض أن الناس سيرفضون هذا السعر الفاحش، لكن الواقع أن كثيرين دفعوا، ولأسباب مختلفة. ما هي الدوافع التي جعلت اللاعب يدفع هذا السعر الباهظ؟ العامل الحاسم كان الوقت والتوقيت. كان من الممكن الحصول على جهاز، لكن الأمر تطلب جهدًا كبيرًا: متابعة تنبيهات على وسائل التواصل، الانضمام إلى خوادم Discord، والاعتماد على مواقع متخصصة في مراقبة توفر الأجهزة. الانتظار كان خيارًا منطقيًا، لكن الأمر استغرق سنوات حتى أصبح الجهاز متاحًا بسهولة، والناس لا يستطيعون مقاومة خوفهم من تفويت الفرصة. أحد المشترين قال: “شعرت بالذنب في البداية، لكن لم يعد الأمر يهمني. كان لدي المال الإضافي، وسئمت من الفوضى الإلكترونية.” من الواضح أن من اشتروا الجهاز بأسعار مضاعفة كانوا قادرين ماليًا على ذلك. لكن الأمر لم يقتصر على اللاعبين المتشددين. وفقًا لشهادات عديدة على الإنترنت عام 2020، كان هناك طرف آخر مهم: الآباء والأشخاص العاديون. مثل كثير من الأجهزة السابقة، أُطلق PS5 في موسم الأعياد، وسرعان ما أصبح رمزًا للعطاء، وسيلة لإظهار الاهتمام الحقيقي بالأبناء والأحباء. كتب أحد الآباء في نقاش على الإنترنت: “أعلم أن ابني البالغ من العمر تسع سنوات سيكون سعيدًا إلى الأبد إذا حصل على PS5 في عيد الميلاد. وهو يستحق أن يكون سعيدًا.” قصص مشابهة انتشرت بكثرة على Reddit، حيث أكد مستخدمون أنهم اشتروا الجهاز تحديدًا لأن أحد الوالدين أراد أن يمنح أبناءه لحظة فرح. المفارقة أن كثيرًا من هؤلاء الأطفال شعروا بعدم الارتياح تجاه الظروف التي ارتبطت بجهازهم الجديد، وكأن فرحتهم كانت مشوبة بثمن باهظ دفعه الأهل. قال أحد مالكي جهاز PS5: “كنت أعلم أنها اشترته من مضارب وأدركت أنها تعرضت للاستغلال، لكنها رفضت إلغاء الطلب وقالت إنها أرادت أن تجعلني سعيدًا.” شخص آخر يروي أن والدته اشترت له الجهاز عبر Rent-A-Center، مؤكدة أنها “مضطرة” للحصول عليه في عيد الميلاد، رغم أن السعر كان مرتفعًا لجهاز مستعمل وليس جديدًا. هذه الظاهرة – أن يقوم الأحبة بشراء جهاز PS5 ثم يُقابلون بخيبة أمل – امتدت إلى ما بعد موسم الأعياد. إحدى الفتيات تحكي كيف أصبح صديقها مهووسًا بمحاولة شراء الجهاز وفشل مرارًا، فقررت مفاجأته في عيد الحب بشرائه بسعر يزيد 60% عن السعر الأصلي. لكن ردة فعله كانت غاضبة لدرجة أنه رفض حتى النظر إلى العلبة. كتبت لاحقًا على منتدى “Am I The Asshole”: “طلبت رأي أمي وأختي، لكنهما قالتا إنه يجب أن يكون ممتنًا لأنني كنت حريصة وأنفقت مئات الدولارات عليه.” وكان الحكم النهائي: هي ليست المخطئة. بالنسبة لهؤلاء، الندم كان شبه فوري. لكن بالنسبة لآخرين، بدا أن مرور الوقت غيّر الموقف. كثيرون ممن دفعوا ألف دولار أو أكثر عام 2020 أكدوا أنهم لا يندمون، بل كانوا سيشترون الجهاز مرة أخرى لو عاد بهم الزمن. هل شعر من اشترى الجهاز بـ 1000 دولار بالندم الآن؟ ولماذا؟ بعد خمس سنوات، تغيّر المشهد كليًا. يمكنك الآن دخول أي متجر كبير وشراء أكثر من جهاز بسهولة، رغم أن ارتفاع الأسعار ما زال حاضرًا. أما الذين دفعوا مبالغ طائلة في البداية، فعليهم مواجهة حقيقة أن الجهاز أصبح متاحًا للجميع. بعضهم كتب لاحقًا: “أنا نادم حقًا على شراء PS5، دفعت مئات إضافية ولا أستخدمه كثيرًا.” وأضاف آخر: “الألعاب الحصرية نادرة، ومعظمها سيصل إلى Steam على أي حال.” المشهد الأوسع تغيّر أيضًا. أجهزة الكونسول باتت أغلى من الأجيال السابقة، والرسوم الجمركية زادت الطين بلة. ورغم أن PS5 ما زال يتصدر الجيل الحالي، إلا أن الإنفاق على الأجهزة تراجع مقارنة بفترة جائحة كورونا. ورغم بعض الألعاب المميزة، فإن الجيل الحالي غارق في خيبة أمل، إذ استغرق الأمر سنوات حتى شعر اللاعبون أنهم حصلوا على لعبة “حقيقية” تبرر شراء جهاز جديد. اليوم، الجهاز الذي كان يُباع بألف دولار بالكاد يحقق سعره الرسمي على مواقع مثل eBay، بل يمكن الحصول عليه بمئات قليلة فقط حسب الحالة والطراز. السوق المستعملة مليئة بالأجهزة، وكثير منها بالكاد استُخدم. حتى من لم يشتروا بأسعار مضاربة بدأوا يشعرون بالندم. الفرق الأكبر بين 2020 و2025 هو أن كل شيء تقريبًا أصبح يشبه الـPS5: أي سلعة يمكن أن تتأثر بمشاكل سلاسل التوريد أو تُباع بأسعار مبالغ فيها عبر الإنترنت. كما حدث حين باع بعض المحتالين صورًا لجهاز PS5 على eBay، يمكن لأي منتج اليوم أن يتحول إلى عملية احتيال مشابهة. ربما لهذا السبب تتعامل مايكروسوفت بحذر مع الجيل القادم من الألعاب، وربما ليس من قبيل الصدفة أن سوني جعلت جهاز PlayStation Portal يعمل أخيرًا دون الحاجة إلى PS5. بعض المحللين، مثل مايكل باتشر، يذهبون إلى القول إن هذا قد يكون آخر جيل حقيقي من أجهزة الكونسول كما نعرفها. وربما كان جنون الـPS5 الذي وصل سعره إلى ألف دولار عام 2020 هو الأخير من نوعه. كاتب أعشق ألعاب الفيديو منذ أيام جهاز العائلة، و أفضل ألعاب المغامرات أمثال Tomb Raider و Assassins Creed (قبل التحول للـRPG)، ليس لدي تحيز لأي جهاز منزلي بالنسبة لي الأفضل هو الذي يقدم الألعاب الأكثر تميزاً. ما يهمني هو التجارب ذات السرد القصصي المشوق فالقصة هي أساس المتعة أكثر من الجيمبلاي.