01 يناير 2025, 1:56 مساءً
في عالم يتسارع فيه التطور التكنولوجي بخطى حثيثة، يبرز سؤال حاسم: كيف نضمن استدامة هذا التقدم؟ فمع الانتشار المتزايد للروبوتات وأنظمة الذكاء الاصطناعي في شتى مناحي الحياة، من المصانع إلى المنازل، يزداد استهلاكها للطاقة بشكل ملحوظ، مُلقيًا بظلاله على البيئة وكوكب الأرض. هنا يظهر مفهوم جديد يُبشّر بحلٍّ واعد: "الروبوتات الكسولة"، ولا يُقصد بهذا المصطلح التباطؤ عن العمل، بل على العكس تمامًا، يُشير إلى تصميم آلات تعمل بكفاءة فائقة من خلال التركيز على المهام الضرورية وتجنب معالجة البيانات غير المُجدية، فهل يُمكن لهذا النهج الثوري أنْ يُعيد تعريف مستقبل التكنولوجيا في العالم، ويُساهم في بناء عالم أكثر استدامة؟
استهلاك متزايد
وعلى أرض ملعب كرة قدم داخلي في "آيندهوفن" بهولندا، يتدرّب فريق روبوتي مُبهر، كل لاعب فيه عبارة عن آلة مُبرمجة على أعلى مستوى. يُشرف على هذا الفريق "رينيه فان دي مولينجرافت" رئيس قسم الروبوتات في جامعة آيندهوفن للتكنولوجيا، الذي يأمل في استخدام هذا الفريق كنموذج لحلّ معضلة استهلاك الطاقة المُتزايد للروبوتات. يُشارك هذا الفريق في بطولة روبوكوب، وهي مسابقة عالمية للروبوتات. تُشبه هذه الروبوتات من حيث تعقيدها، تلك المستخدمة في المصانع والمستودعات، ولكنها تُواجه تحديًا كبيرًا: استهلاك الطاقة؛ فخلال مباراة مدتها 30 دقيقة يحتاج كل روبوت إلى بطاريتين ليثيوم أيون جديدتين في الشوط الواحد. يُعدّ هذا الاستهلاك المُفرط للطاقة مُشكلة حقيقية تُعيق التوسع في استخدام الروبوتات على نطاق أوسع؛ وفقًا لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.
وتجاوزت الروبوتات ونماذج الذكاء الاصطناعي مرحلة التخيل العلمي، وأصبحت واقعًا ملموسًا يُساهم في تخفيف أعباء العمل البشري. لكن هذا التقدم يأتي بتكلفة باهظة من الطاقة. يعمل العديد من الروبوتات بواسطة برمجيات ونماذج لغوية مُخزّنة في مراكز بيانات ضخمة؛ ما يزيد الطلب على هذه المراكز التي تستهلك كميات هائلة من الكهرباء. تشترك الروبوتات ونماذج الذكاء الاصطناعي في خاصية أساسية: استيعاب كميات ضخمة من البيانات وحسابها باستمرار لإنجاز المهام، سواء كانت حركة أو محادثة أو حلّ مشكلات. تُعدّ هذه الطريقة في التشغيل الآلي مُرهقة جدًّا من ناحية استهلاك الطاقة، لدرجة أن التلوث الناتج عنها قد يُفوق أي فوائد تُقدمها هذه التقنيات.
البصمة الكربونية
وتُساهم مراكز البيانات في جميع أنحاء العالم بنحو 1% من انبعاثات الغازات الدفيئة المُتعلّقة بالطاقة. لكن من المُتوقع أن يتضاعف استهلاك هذه المراكز للكهرباء بحلول عام 2026 مقارنة بعام 2022، وذلك مع تزايد الطلب على معالجة البيانات والحوسبة. تُشير تقديرات الوكالة الدولية للطاقة إلى أنه للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، يجب خفض البصمة الكربونية للبيانات إلى النصف خلال السنوات الخمس المُقبلة. هذا يُسلّط الضوء على الحاجة المُلحة لإيجاد حلول تُقلل من استهلاك الطاقة في عالم التكنولوجيا.
ويعتقد "مولينجرافت" أن الحل يكمن في "الروبوتات الكسولة"، وهو مصطلح ساخر يُشير إلى الآلات التي "تفعل أقل وتأخذ الاختصارات"، أي تتصرف بكفاءة أكبر مثل البشر. يعمل "مولينجرافت" وطلابه على جعل روبوتات كرة القدم أكثر "كسلًا" من خلال إعادة هندستها لتصبح أكثر كفاءة. هذا تحدٍّ مُعقد، حتى في مجال محدود مثل كرة القدم الروبوتية، فما بالك بعالم الروبوتات الصناعية والذكاء الاصطناعي. قد تكون هناك حدود لـ"الكسل"، أي حدود لكمية الطاقة الزائدة التي يُمكن التخلص منها قبل أن تتوقف الروبوتات عن العمل بشكل صحيح، ومع ذلك يُؤكد "مولينجرافت" أن "الروبوتات لا تزال تفعل الكثير من الأشياء التي لا ينبغي أن تفعلها".
تقليل العمليات
ولتقليل استهلاك الطاقة، تحتاج الروبوتات إلى تقليل كل شيء: الحركة والتفكير والإحساس. يجب أن تُركّز فقط على ما هو مهم في لحظة معينة، وهو ما يفعله البشر بشكل طبيعي. في الوقت الحالي تُشغّل روبوتات "مولينجرافت" أنظمتها المُختلفة، استقبال البيانات من أجهزة الاستشعار والكاميرات، والحسابات، والحركات، والتواصل المُتبادل، عشرات المرات في الثانية. من خلال تجميع كل هذه الإشارات يبني كل روبوت تمثيلًا عقليًّا لبيئته، أي نموذجًا لموقعه بالنسبة لكل شيء آخر.
وتعتمد قدرات روبوتات "مولينجرافت" ومعظم الروبوتات الأخرى، على هذه "نماذج العالم". ظهر مفهوم نموذج العالم في السبعينيات، ولكن في ذلك الوقت كانت البرمجيات محدودة وتعمل على كمية أقل من البيانات؛ ما يعني استهلاكًا أقلّ للطاقة. مع تطور الروبوتات أصبحت نماذج العالم الخاصة بها تُدمج المزيد من البيانات من البيئة المُحيطة. استمرّ الباحثون في تصميم الروبوتات لتُولي اهتمامًا لكل تفصيل في نماذج العالم الخاصة بها، وهي طريقة غير فعالة ومُعقدة للغاية.
قرارات فعّالة
وحتى الآن يُشكّل كل روبوت من روبوتات "مولينجرافت" فرضية عن مكانه في الملعب، ويختبر هذه الفرضية بالتفاصيل التي يجمعها، ويُحدّث نموذج العالم الخاص به، ويُرسل هذا النموذج إلى كل روبوت آخر في الملعب. مباراة كرة القدم ديناميكية للغاية، وإذا لم ينظر الروبوت حوله لجزء من الثانية، فقد يتغير عالمه تمامًا. لكن البشر يتخذون القرارات بشكل مُختلف، حتى في حالات عدم اليقين الشديد. تستقبل أنظمتنا الحسية حوالي مليار بت من المعلومات كل ثانية، لكن التفكير البشري يُعالج حوالي 10 بت في الثانية؛ حيث يُصفّي المُدخلات الأكثر أهمية فقط.
ويُحاول فريق البحث التابع لمولينجرافت غرس هذا المبدأ في روبوتاته. إذا وجد أحد الروبوتات نفسه يدافع عن مُنافس يحمل الكرة، فهو يحتاج إلى حساب موقعه بالنسبة لهذا المُنافس فقط، وليس بالنسبة للمُهاجمين البعيدين. على مسافات قصيرة يُمكن للروبوت أيضًا تتبُّع موقعه بطرق أبسط، مثل استخدام عداد المسافات على عجلاته. يُمكن أيضًا إيقاف تشغيل الكاميرا التي تُصوّر المنطقة المُحيطة بشكل مُستمرّ لفترات وجيزة. يعني التواصل الأقل أيضًا استهلاك طاقة أقل. في الوقت الحالي تتواصل الروبوتات مع بعضها البعض باستمرار، لكن إذا ركّزت على الكرة، فستتمكّن من رؤيتها وهي تقترب.
وبدأت الروبوتات الكسولة بالانتشار خارج المختبرات الجامعية وتتجه إلى أقسام البحث والتطوير في الشركات. تُقدّم شركة أفولار في آيندهوفن روبوتات مُخصّصة لتنظيف المطارات والمُستودعات، أو لقياس كثافة الغطاء الشجري. هذه الروبوتات أرخص من العمالة البشرية وأكثر صديقة للبيئة. يسعى "ألبرت ماس" الرئيس التنفيذي لشركة أفولار، إلى تطوير روبوت مُتعدّد الأغراض يُمكنه القيام بمهام مُتنوّعة، مثل تحميل غسالة الصحون وتنظيف المرحاض ووضع المُنتجات على الرفوف.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة سبق الإلكترونية ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة سبق الإلكترونية ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.