واقع جديد ومتغيرات داخلية
ما يميز هذه الحكومة أنها لم تخضع لمنطق التسويات، التي كانت تفرض نفسها على الحكومات السابقة، بل جاءت نتيجة متغيرات داخلية فرضت واقعاً جديداً. شراكة رئيس الجمهورية مع رئيس الحكومة تجسدت في توازن داخلي واضح، وعكست نفسها في توزيع الحصص الوزارية، وبات الثنائي «عون - سلام» الممسك الفعلي بزمام الأمور، مقابل انحسار نفوذ القوى التقليدية التي كانت تهيمن على القرار الحكومي.
التحولات لم تتوقف عند حدود تقاسم السلطة، بل تجاوزتها إلى إعادة تموضع القوى السياسية. فتقدمت القوات اللبنانية إلى موقع التيار الوطني الحر، والكتائب حلّت مكان تيار المردة، فيما شهدت الحكومة حضوراً غير مسبوقٍ لوزراء من خارج المنظومة التقليدية، ما عزز معيار الكفاءة على حساب الولاءات الحزبية والطائفية. والأبرز كان الحضور القوي للمرأة، الذي قاربت نسبته الثلث، ما يشير إلى تحولات أعمق في المشهد السياسي.
إعادة تموضع لبنان إقليمياً
على الضفة المقابلة، وجد حزب الله نفسه مضطراً إلى تقديم تنازلات سياسية، ليس فقط بسبب التوازنات الجديدة، بل نتيجة الضغوط العسكرية التي فرضتها تداعيات الحرب. ورغم ذلك، لم يكن رئيس مجلس النواب نبيه بري خارج المشهد تماماً، إذ نجح في الاحتفاظ بوزارة المالية عبر ياسين جابر، ولو بثمن سياسي تمثل في تراجع حجم تأثيره داخل الحكومة؛ إذ لم يعد الثنائي الشيعي «حزب الله وحركة أمل» يمتلك إلا خمسة أصوات من أصل 24، ما يضعه أمام اختبار جديد في إدارة نفوذه السياسي داخل السلطة التنفيذية.
أما التيار الوطني الحر، فكان الخاسر الأكبر في هذه المعادلة، إذ انتقل إلى صفوف المعارضة بعد أن فقد مكانته لاعباً أساسيّاً في السلطة، إلى جانب تيار المردة وبعض القوى السنية واليسارية. هذه التحولات لم تكن مجرد إعادة توزيع للأدوار، بل شكّلت نقطة انعطاف تمنح الرئيس جوزف عون فرصة لتثبيت نهجه السياسي بعيداً عن تأثيرات القوى التقليدية، ما يفسر توجهه نحو إعادة تكوين السلطة عبر تعيينات واسعة تشمل المناصب الأمنية والمالية والإدارية، بالتوازي مع تحركات خارجية تهدف إلى إعادة تموضع لبنان إقليميّاً.
بيان وزاري خارج المألوف
في المقابل، كان صعود نواف سلام إلى رئاسة الحكومة مؤشراً على دخول لبنان مرحلة «حكومات ما بعد الطائف»؛ إذ تمكن من فرض إيقاعه الخاص منذ اللحظة الأولى، متجاوزاً أعراف المحاصصة الطائفية التي لطالما قيدت رؤساء الحكومات السابقين. ومع انتهاء معركة التشكيل، يبدو أن حصول الحكومة على ثقة المجلس النيابي لن يكون عقبة أمام سلام، خصوصاً أن البيان الوزاري المنتظر سيعكس نهجاً جديداً، مختلفاً نصّاً وروحاً عن بيانات الحكومات السابقة.
المؤشرات الأولية توحي بأن البيان سيبتعد عن العموميات والمقاربات الإنشائية التي ميزت البيانات السابقة، وسيركز على أولويات عملية تتناسب مع التحديات الطارئة.
في الشق الاقتصادي، ستتصدر خطة التعافي المالي العناوين، خصوصاً مع الحاجة إلى إعادة هيكلة القطاع المصرفي وإقرار إصلاحات ضرورية لضمان استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ومكافحة الفساد، التي لطالما وردت شعاراً في الحكومات السابقة.
أما في السياسة الخارجية، فمن المرجح أن يعتمد البيان لغة متوازنة تكرس سياسة «الحياد الإيجابي»، مستنداً إلى توجه رئيس الجمهورية الجديد لإعادة ضبط تموضع لبنان الإقليمي، وهذا قد يترجم بإعادة ترتيب العلاقات مع الدول الخليجية، وتعزيز الانفتاح على العواصم الغربية دون استثارة حساسيات الداخل.
على المستوى الأمني، سيكون البيان أمام اختبار دقيق، خصوصاً في ظل التحديات التي فرضتها تداعيات الحرب على لبنان. فمن جهة، هناك حاجة لتأكيد دور الدولة بصفتها ضامناً وحيداً للأمن، ومن جهة أخرى، لا يمكن تجاهل وجود حزب الله طرفاً أساسيّاً في المعادلة الداخلية؛ لذا قد يتبنى البيان مقاربة «الواقعية السياسية»، بحيث يراعي التوازنات الداخلية مع التأكيد على سلطة المؤسسات الشرعية في ضبط الأمن والسيادة.
كل هذه العوامل تجعل من البيان الوزاري محطة مفصلية تحدد طبيعة المرحلة القادمة، إذ سيكون بمثابة خارطة طريق تعكس طبيعة الحكومة الجديدة، ليس فقط حكومةً انتقاليةً، بل حكومة تأسيسية تمهد لإعادة هيكلة الدولة وفق قواعد سياسية مختلفة عن السابق.
ورغم أن هذه الحكومة لن تستمر طويلاً، إلا أن دورها يتجاوز المهمات التقليدية للحكومات الانتقالية. فهي أشبه بحكومة تأسيسية تهدف إلى وضع أسس جديدة لإدارة الدولة، في ظل توازنات داخلية متغيرة وتحديات إقليمية معقدة، نجاحها أو فشلها لن يُقاس فقط بقدرتها على إدارة الملفات الاقتصادية والأمنية، بل بمدى قدرتها على تثبيت معادلة الحكم الجديدة، وتجاوز إرث الأزمات التي راكمتها المرحلة السابقة.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.