مرة أخرى تتجه الأنظار إلى الرياض، بعد نشاط دبلوماسي محموم يستهدف جمع الفرقاء على طاولة واحدة، من أجل الحد من احتمالات قيام حرب عالمية ثالثة، في حال تصاعدت الأزمة الأوكرانية وتحوّلت إلى صراع يقوده «حلف الناتو» في مواجهة روسيا.الأخبار الواردة تؤكد أن هنالك حلولاً تلوح في الأفق، ولعل أهمها تثبيت الهدنة من أجل فتح الأبواب أمام المسارات الدبلوماسية، واحتواء الصراع من أن يتطور في منطقة لا يزال الاستقرار فيها هشاً، وبعيد المنال. كما أن الدور الأمريكي الراغب في إيجاد حل لهذه الأزمة يدفع الجهود قدماً بشكل سريع، وتقريب وجهات النظر بين الإدارة الأمريكية والرئيس الأوكراني سيكون لها فوائد مهمة على مسيرة مفاوضات السلام المنتظرة.من مصلحة الجميع أن تنجح المساعي في تحقيق هذه المصالحة، فهي وسيط محايد تجنّب أن ينحاز إلى أي طرف في الأزمة، ولدى قيادته مصداقية وعلاقة شخصية مع قيادات الدول المنخرطة في هذا الصراع. وأثبتت الأحداث أن هذا الصراع غير قابل للحسم خلال الوقت المنظور، وسوف يكون ساحة استنزاف روسي، ومعاناة أوكرانية أكبر، لذلك هناك حاجة ملحة لحسم دبلوماسي في وقت سريع.تصاعد الأزمة الأوكرانية-الروسية يهدد العلاقات بين روسيا والغرب، خاصة مع أوروبا، بعدة طرق، حيث يؤدي استمرار الصراع إلى تصعيد المواجهة بين روسيا وحلف الناتو، مما يعزز سباق التسلح ويزيد من المخاطر الأمنية. كما أن فرض المزيد من العقوبات على روسيا قد يفاقم الأزمات الاقتصادية في أوروبا بسبب الاعتماد على الطاقة الروسية. وبعض الدول الأوروبية قد تتأثر بشكل أكبر من العقوبات، مما قد يخلق خلافات داخل الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.وقد يدفع التوتر روسيا نحو تعزيز علاقاتها مع الصين ودول أخرى لمواجهة العزلة الغربية، وهذا يعني ان استمرار التصعيد يزيد من زعزعة الاستقرار الإقليمي والعالمي، ويؤثر على النظام الدولي بشكل عميق. كما أنه سيتمخض عن اصطفافات عالمية، قد تتسبّب في تعقيد الحالة أكثر في ذلك الجزء من العالم.هل التسوية مستحيلة ؟ في العلاقات الدولية، يمكن الوصول إلى تسوية بين دولتين من خلال الدبلوماسية والتفاوض، حيث يتم التباحث بين الأطراف للوصول إلى حل يرضي الجميع. تشمل الأدوات المستخدمة الوساطة الدولية عبر طرف ثالث محايد، التحكيم الدولي إذا كان هناك اتفاق قانوني مسبق، والمعاهدات والاتفاقيات التي تضمن تنفيذ التسوية. كما تلعب الضغوط الاقتصادية والسياسية دوراً في دفع الأطراف نحو الحل. وهذا كله مطروح على طاولة التفاوض وبين المتفاوضين، ولدى الرياض الكثير من الأوراق التي تستطيع استخدامها لتوجيه سير هذه المفاوضات حتى نجاحها.ولا ننسى أن أوروبا تنظر إلى عودة ترمب للبيت الأبيض بكثير من القلق، ما يجعلها تفكر في تعزيز شراكاتها العالمية بشكل مستقل تجنّباً للمفاجآت. محاولة القيادة الفرنسية للكتلة الأوروبية هدفها التعامل مع قضايا العالم بشكل مستقل، تجنّباً لمزيد من التصعيد، وخصوصاً في الشرق الأوسط. لكن هذ الدور يواجه العديد من التعقيدات.وتحاول فرنسا أيضاً أن تستفيد من الدور السعودي في المنطقة من خلال تفعيل شراكتها مع السعودية لتعزيز دورها وفاعليته في الشرق الأوسط، فما تحاول فعله الدبلوماسية الفرنسية في المنطقة هو التعاون مع القوى المؤثرة لاحتواء الأزمات ومنعها من الخروج عن دائرة السيطرة. وهذا لن ينجح بدون الدور السعودي الذي يتفق مع الجانب الفرنسي في أن المنطقة تحتاج إلى التهدئة بشكل كبير. أخبار ذات صلة