لا شك أن الهاجس الأمني هو أحد أهم القضايا التي تشغل بال كل مواطن في أي دولة في العالم، بل لعله الهاجس الأكثر أهمية من بين جميع القضايا الأخرى التي يأمل في تحقيقها كتأمين معيشته ومسكنه وعلاجه وغيرها، فانعدام الأمن يعني أن جميع المزايا الأخرى لا قيمة لها، فما قيمة الثراء إن افتقد المواطن الأمن والاستقرار في موطنه، والأمن يعني أن يأمن المواطن على دمه وماله وعرضه من كافة الأخطار التي قد تتهدده، وكلما شعر المواطن بالأمن في بلده زاد شعوره بالحرية والولاء، فلا مستقبل لبلد لا ينعم بالأمن والاستقرار.توجد العديد من المؤشرات التي توضح مدى تمتع الدولة بالأمن والأمان، لعل أهمها هو معدل ارتكاب الجرائم سنوياً، فمن المسلّم به أنه لا يمكن محو الجريمة تماماً من أي بلد مهما بلغت قوة وحزم أجهزتها الأمنية، فزيادة أو انخفاض معدل الجريمة يعكس مدى نفوذ وقوة وحزم أجهزتها الأمنية، وهل هي في حالة استنفار دائم واستعداد وجاهزية لحماية المواطنين على مدار الساعة، أم أن أداءها يتّسم بالفتور والتأخر في الاستجابة حال تعرض المواطن للخطر.ومن أهم التحديات التي تواجه الأجهزة الأمنية في أي دولة مساحتها الجغرافية، فالمساحة الجغرافية الشاسعة تزيد من معدل التحديات التي تواجه الدولة، كما أنها تتطلب توفر الكثير من التجهيزات والتقنيات الحديثة والمعدات والموارد البشرية والمالية اللازمة لبسط الأمن والاستقرار في ربوع الدولة المترامية، لذلك فغالباً ما يكون معدل ارتكاب الجرائم أعلى داخل الدول الكبيرة مساحة عن تلك الدول الصغيرة، والتي يسهل ضبط الأمن فيها نظراً لمحدودية العوامل التي قد تؤثر في معدل ارتكاب الجرائم.وباستعراض هذه الظروف والعوامل نجد أن المملكة العربية السعودية -بفضل الله- تتمتع بمعدلات عالية من الأمان والاستقرار على الرغم من كبر مساحتها الجغرافية وتعدد مناطقها المأهولة، فعلى الرغم من أن المملكة تمتد من الخليج شرقاً إلى البحر الأحمر غرباً، إلا أن كافة مناطقها تقع تحت السيطرة الشاملة لأجهزة الدولة الأمنية، فكافة بيانات المواطنين الإلكترونية متوفرة داخل قاعدة بيانات حكومية ضخمة يصعب اختراقها، بخلاف تمتع المملكة بشبكة قوية واسعة من أجهزة الرصد الإلكتروني المتطورة والكاميرات الحديثة والبنى التحتية المتكاملة ومنظومات الاتصالات التي تغطي كل شبر في كافة قرى ومدن المملكة، وهو ما يجعل المواطن يشعر بالأمن داخل المدن أو خلال تنقله من منطقة لأخرى عبر شبكة الطرق المنتشرة.من المؤكد أن ضعف البنى التحتية وضعف التواصل مع الأجهزة الأمنية يعد من أهم العوامل التي من شأنها رفع معدل الجرائم في أي دولة، فالشبكات الإجرامية عادة ما تستهدف المناطق النائية التي يصعب استنجاد ضحاياها بالشرطة عند تعرضهم للخطر، ولذلك اهتمت المملكة اهتماماً خاصاً بتطوير شبكة اتصالاتها بحيث تغطي كافة مناطقها لحماية قاطنيها من الجريمة، وهو ما يعكس مدى اهتمام المسؤولين وولاة الأمر بكافة التفاصيل الأمنية التي تحمي حياة كل مواطن.غير أن الخطر الحقيقي هو الإرهاب الخارجي الذي يبث سمومه عبر الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، ويحرّض على الإساءة للدولة ولقياداتها، كما يسعى لممارسة الإرهاب الفعلي داخل المملكة من خلال تجنيد بعض ضعاف النفوس ليقوموا بارتكاب العمليات الإرهابية بالداخل لهز صورة الدولة أمام مواطنيها، وحتى يفقد المواطن العامل الأهم في حياته وهو الشعور بالأمن على نفسه وأسرته.هذه الخلايا الخبيثة التي يتم القبض عليها تنال عقابها العادل والذي يصل أحيانا إلى القتل، وهو ما تعلنه نشرات وزارة الداخلية عند إصدارها بيانات توضح نجاح أجهزتها في القبض على أزلام الفتن والمتعاونين مع أطراف خارجية لإيذاء المواطنين، وهو العمل الذي يثمنه كل مواطن يدرك مدى صعوبة التحديات الأمنية التي تواجهها المملكة ولاسيما في هذا الوقت العصيب الذي تمر به منطقة الشرق الأوسط التي تعيش فوق صفيح ساخن، وتفرز فيه العديد من الأطراف الكثير من السموم والأحقاد تجاه الاستقرار والرخاء والأمن الذي تنعم به المملكة.هناك بعض الدول تحاول تحقيق نجاحات أمنية لمواجهة غزوات الإرهاب الخارجية ولكنها لم تجد أمامها من حل سوى إضعاف سرعة الإنترنت أو حتى حظر الشبكة العنكبوتية بالكامل، وهو ما أثر -بطبيعة الحال- على المواطنين بالسلب، غير أن المملكة العربية السعودية حافظت على تطور شبكة الاتصالات التي تهم كل مواطن بل زادت من فعاليتها وسرعتها لإدراكها بأن ذلك ينعكس إيجابياً على رفاهية المواطن، ولم تدع تلك التحديات تؤثر على جاهزيتها الأمنية وذلك من خلال جعل كل مواطن هو رجل الأمن الأول في بلده.قبل أيام أعلنت رئاسة أمن الدولة عن توجيه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بالعفو عن المواطنين ممن تم التغرير بهم وقاموا بمهاجمة المملكة وهم بالخارج «ممن لم يتورطوا في ارتكاب عمليات إرهابية»، وهو ما يجسّد رؤية المملكة في العفو والصفح عند المقدرة، والتشديد على أن العفو مرتبط بعدم ارتكاب جرائم إرهابية نتج عنها قتل المواطنين الأبرياء، فالمغريات الخارجية قد تستهدف بعض الشباب لانعدام خبراتهم، غير أن قيادة المملكة على استعداد لأن تمد يدها لهم ليعودوا لوطنهم وأسرهم آمنين مطمئنين. أخبار ذات صلة