تم النشر في: 01 مايو 2025, 5:13 صباحاً "ليس كل ألم نحمله نريده، أحيانًا فقط اعتدنا عليه." في حياتنا، هناك جراح قديمة نحملها دون أن نشعر. ليست لأنها لطيفة أو مريحة، بل لأنها أصبحت مألوفة. كأنها جزء من هويتنا التي نخشى أن نفقدها إذا تخيلنا يومًا بدون هذا الألم. ما هو الألم المألوف؟ الألم المألوف هو ذاك الشعور المتراكم الناتج عن جراح قديمة أو تجارب مؤلمة، والذي يصبح بمرور الزمن جزءًا من نظرتنا لأنفسنا، حتى أننا نخشى التخلي عنه رغم وعيِنا بألمه، فقط لأنه أصبح جزءًا مما نعرفه ونتعايش معه. كثيرون يتشبثون بجراحهم، ليس خوفًا من الشفاء، بل رهبةً مما قد يأتي بعده. المجهول مخيف، حتى لو كان يحمل شفاءً. وهذا ما يجعلنا نفضل أحيانًا الألم المعروف على الحرية المجهولة. ماذا يخبرنا علم النفس عن علاقتنا بالألم المألوف؟ يميل الإنسان بطبيعته إلى التعلق بكل ما هو مألوف، حتى لو كان مؤلمًا. علم النفس يفسر هذه الظاهرة بعدة طرق: يشير مفهوم منطقة الراحة إلى أن الأشخاص غالبًا يفضلون البقاء في أوضاع مألوفة بدلاً من المغامرة نحو المجهول، مهما كان الواقع الحالي مؤلمًا. فالألم المعروف، رغم قسوته، يبدو أقل تهديدًا من مستقبل لا نعرف تفاصيله. أما نظرية التعلق، فتوضح كيف قد نرتبط عاطفيًا حتى بالجراح، لأنها قد تمثل صلة بشخص فقدناه، أو بمرحلة من حياتنا نخشى نسيانها. ويتحدث علماء النفس أيضًا عن رهبة التغيير، حيث يسبب التغيير قلقًا داخليًا يجعل الإنسان يفضل الإقامة في معاناة يعرفها، على اقتحام طريق جديد لا يعرف أين ينتهي. وفي النهاية، يصبح الألم أحيانًا جزءًا من هويتنا الذاتية. نرى أنفسنا من خلال معاناتنا وتجاربنا القاسية، ونخشى أن نفقد الإحساس بذواتنا لو تخلينا عن هذا الألم. حين يصبح الألم رفيقًا مألوفًا أحيانًا، دون أن ننتبه، يصبح الألم رفيقًا دائمًا لنا. لا لأنه مريح، بل لأن وجوده الطويل علّمنا كيف نعيش في ظله. هناك إشارات خفية تخبرنا أننا قد وقعنا في فخ الألم المألوف، منها: •أن تصبح المعاناة جزءًا معتادًا من تفاصيل يومنا. •أن نتمسك بمواقف مؤلمة وكأنها آخر ما يربطنا بذواتنا القديمة. •أن نخشى التغيير، حتى لو كان يحمل لنا خيرًا جديدًا. •أن نشعر أن الشفاء يعني فقدان شيء عزيز، أو توديع مرحلة من حياتنا لم نستعد لتركها. •أن نتردد أمام أي فرصة للراحة أو بداية جديدة، وكأننا نخشى الفرح بقدر ما نخشى الألم. وقد يظهر هذا الخوف بأوضح صوره حين نتردد أمام خوض تجارب جديدة بعد جراح قديمة. فمن عاش ألم الانفصال مثلًا، قد يخشى فكرة الزواج مرة أخرى، لا لأن الحب لم يعد ممكنًا، بل لأن الألم أصبح مألوفًا، والفرح بات يبدو مغامرة غير مأمونة. هذه المشاعر لا تعني أننا ضعفاء، بل تعني أننا بشر نحاول أن نحمي أنفسنا بما اعتدنا عليه. لكن التغيير الحقيقي يبدأ حين نسمح لأنفسنا بأن نحلم بحياة أقل ألمًا وأكثر امتلاءً بالفرص الجديدة. حين نقرر التحرر من الألم المألوف التحرر من ألم اعتدنا عليه لا يحدث فجأة. إنه قرار داخلي يتشكّل بصمت، ثم يخرج إلى السطح على هيئة سؤال صادق: هل يمكنني أن أعيش بشكل مختلف؟ هل أستحق حياة أكثر خفة؟ حين تبدأ هذه الأسئلة في الظهور، تكون بداية التحوّل قد بدأت. وقد لا تكون الخطوات التالية مثالية أو سريعة، لكنها ممكنة، وواقعية، وقادرة على فتح نافذة جديدة على أنفسنا. إليك بعض المسارات التي قد تسهّل هذه الرحلة: ١. اسمح لنفسك بالاعتراف لا تنكر وجود الألم، ولا تحاول تقليله. الاعتراف به هو أول خطوة لتحريره. ٢. اسأل بصدق: ماذا أخشى أن أفقد لو شفيت؟ في كثير من الأحيان، التعلق بالألم ليس عجزًا، بل ارتباطًا بهوية نعتقد أنها ستضيع بدونه. ٣. أعد اكتشاف ذاتك من دون هذا الألم ذكّر نفسك بمن أنت: بطموحاتك، بقيمك، بما تحب، بما تمنحه للآخرين. ٤. تقبّل لحظات الفراغ بين التخلّي والبدء الفراغ مؤلم أحيانًا، لكنه أيضًا مساحة ولادة جديدة. ٥. امنح نفسك الحق في أن تعيش حياة أخف الشفاء ليس خيانة للماضي، بل امتنان له، وشجاعة للاستمرار بوجه مختلف. وأخيرًا... التشبث بالألم مفهوم إنساني عميق، لكنه ليس قدرًا محتومًا. في بعض الأحيان، تكون أعظم شجاعة هي أن تودّع الألم الذي ألفته، وتفتح ذراعيك لحياة ربما لم تتخيلها يومًا. كل بداية جديدة تبدأ بخطوة واحدة: أن تؤمن أنك تستحق أن تتنفس حريةً بدون ألم.