عرب وعالم / السعودية / عكاظ

زيجات مرهقة !

الزواج وثمرته تكوين أسرة مستقلة جديدة تنضم للمجتمع عن طريق عقد شراكة بين رجل وامرأة، في رباط ملزم مدى الحياة، فالعلاقة بين الزوجين لا بد أن تقوم على التفاهم والاحترام المتبادل والالتزام والمسؤولية في جو صحي سليم، مفعم بالتفاعل الاجتماعي والإيجابية، ويربطهما الحب والتعاون.. لكن الذي ظهر في المجتمع، أخيراً، الارتفاع والمغالاة في تكاليف ما قبل وما بعد، الأمر الذي يضع الزوج في حيرة من أمره في بداية حياته، علاوة على استحداث دخيل من أهل الزوجة لمراسم عقد القران بإضافة أعباء جديدة مع المهر؛ منها الاحتفال بالعروس بعد العودة من شهر العسل، وتكاليفه وأجرة رحلاته الخارجية التي تمتد أياماً وأحياناً وأسابيع.

يأس وإحباط وعنوسة

التربوي المتقاعد في وزارة التعليم الدكتور يحيى الفيفي يقول لـ«عكاظ»: إن التكاليف المرتفعة للزواج تُعد من القضايا الاجتماعية المهمة التي تؤثر على الشباب في مختلف المجتمعات، والتي تشمل مصاريف مختلفة تتمثل في حفلات الزفاف، والمهر، وتأثيث المنزل، وغيرها من النفقات التي قد تكون عبئاً كبيراً على الأفراد وعائلاتهم. ومن آثار التكاليف المرتفعة شعور كثير من الشباب بأنهم غير قادرين على تحمل تكاليف الزواج، ما يدفعهم إلى تأجيل الخطوة، وبالتالي هذا التأجيل قد يؤدي إلى مشاعر الإحباط واليأس، خصوصاً إذا كانوا يرغبون في تكوين أسرة، كما أن بعض الشباب يختارون العزوف عن الزواج بالكامل، ما يؤثر على التوازن الاجتماعي والأسري، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة معدلات العنوسة، وخلق مشكلات مجتمعية. ويقترح الفيفي عدداً من الحلول؛ منها وجوب أن يكون هناك جهد جماعي لتغيير المفاهيم المتعلقة بالزواج، مثل تقليل حفلات الزفاف الباهظة، والتركيز على المعاني الحقيقية للزواج، كما يمكن تقديم خيارات بديلة للزواج التقليدي، مثل حفلات الزفاف الهينة، أو حتى الزواج العائلي مما يساعد في تقليل التكاليف، وينعكس إيجاباً على الشباب، فعندما يتمكن الشباب من الزواج دون ضغوط مالية كبيرة، فإن ذلك يعزز العلاقات الأسرية والاجتماعية، فالزواج هو أساس بناء الأسرة، والأسرة القوية تساهم في استقرار المجتمع، مما يعود بالنفع على الجميع، كما تعد مساهمة الجمعيات الخيرية في تنظيم حفلات الزفاف المشتركة خطوة فعالة؛ لتخفيف أعباء الزواج عن الشباب، ومن خلال هذه المبادرات يمكن تعزيز العلاقات الأسرية والاجتماعية، وتوفير بيئة ملائمة للشباب لإقامة أسر جديدة. ويضيف الفيفي: بناء على ما سبق، يجب أن نتعاون جميعاً لتوفير بيئة مناسبة لزواجات الشباب، مما يسهم في بناء مجتمع متماسك وقوي، إذ إن تخفيف التكاليف المرتفعة سيساعد في تعزيز العلاقات الأسرية ويعزز من الروابط الاجتماعية، مما يجعل المجتمع أكثر استقراراً وازدهاراً.

ليس مهرجاناً عابراً

التربوي سعيد بن جفشر يرى أن مشكلة عزوف الشباب عن الزواج تُعد من أبرز التحديات الاجتماعية التي تستوجب معالجة شاملة تنطلق من جذور المشكلة لا من ظاهرها فقط، فالأمر لا يقتصر على ارتفاع تكاليف الزواج أو تعقيد إجراءاته، بل يمتد إلى غياب ثقافة التأسيس الحقيقي للأسرة لدى كثير من الشباب والفتيات. وقال: إن من أعظم العوامل التي تساهم في نجاح الشاب والفتاة في حياتهما العلمية والعملية استقرارهما الأسري، وتكوينهما بيتاً مبنيّاً على الوعي، والبساطة، والتفاهم، لا على البذخ والمظاهر والتمسك بالشكل دون الجوهر، ويجب أن ندرك أن كثيراً من الاتفاقات، التي عُقدت على مستوى القرى والقبائل والمجتمعات بهدف تقنين تكاليف الزواج لم تحقق الأهداف المعلنة منها، بل إن الواقع يشير إلى فشلها في إحداث تغيير ملموس؛ لأنها ظلت شكلية تفتقر إلى التطبيق الصادق، والوعي الحقيقي؛ لذا، من الأجدر أن تُربط المساعدات المادية التي تُمنح للمقبلين على الزواج -سواء من الأهل أو من الجهات الداعمة- باشتراطات واضحة، في مقدمتها أن يكون الزواج مختصراً وعائليّاً، دون بهرجة أو مظاهر استعراضية، وليس المقصود بالمختصر والعائلي أن يكون محصوراً في الأسرة الضيقة، بل أن يكون في إطار الأقارب والمعارف المقربين، وأولئك الذين لا غنى عن وجودهم في مثل هذه المناسبات، ويكفي حضورهم دون دعوة عامة تُثقل كاهل العريس وأهله.

البسيط أكثر بركة

التربوي بن جفشر يلخص فكرته لـ«عكاظ» من واقع تجارب منها بعض الزيجات الكبرى التي أرهقت أصحابها. رأينا الزواجات البسيطة المختصرة التي كانت أهدأ وأفضل أثراً وأبقى، بل إن الأخيرة كانت أكثر بركة ونجاحاً من تلك التي رُهنت بالمبالغات؛ ولهذا، فإن الحل الحقيقي يكمن في نشر ثقافة جديدة تُغرس في وجدان كل شاب وشابة، وكل أب وأم، حتى تصبح هذه الثقافة قناعة راسخة، بل عقيدة اجتماعية نابعة من الإيمان بضرورة العودة إلى البساطة، وإعلاء قيمة الزواج ليكون لبنةً أولى في بناء حياة مستقرة، لا مهرجاناً عابراً يُنسى أثره بعد أيام.

مظاهر وأقساط وطلاق

أستاذ الأنظمة المشارك بجامعة الملك خالد الدكتور محمد آل ظفران، قال لـ«عكاظ»: إن ارتفاع تكاليف حفلات الزواج تتعلق بثقافة المجتمع المليء بالمظاهر، التي تثقل كاهل الزوج، وغلاء تكاليف الزواج تعتبر ظاهرة اجتماعية قديمة في مجتمعنا، وأصبحت أكثر وضوحاً مع وجود منصات التواصل الاجتماعي، وتمثل شبحاً للشاب متوسط الحال وأسرته، ومنزلقاً إلى الديون التي ترافقه وزوجته سنواتٍ طوالاً، وتنهار معها حياته الاقتصادية.

وأضاف آل ظفران: إن غلاء الزواجات تسبب في عزوف الشباب عن الزواج، وهو مسار لوضع مادي لا يساعد على حياة زوجية آمنة في المستقبل، وزاد الاهتمام بأمور المهر وتكاليف ليلة الزواج، وإظهار مظاهر البذخ في الزواجات، وأصبحت مطلباً اجتماعياً في أغلب الزواجات، كما بات حديث المجتمع وشغلهم الشاغل المظاهر الخارجية للزواج طمعاً في إرضاء المعازيم، حتى إن كان الأمر سيكلفهم مبالغ طائلة سيدفعونها على شكل أقساط شهرية لسنوات طوال. وارتفاع تكاليف حفلات الزواج تتعلق بثقافة المجتمع المليء بالمظاهر التي تثقل كاهل الزوج، ويمكن اختصار تكاليف حفل الزواج بالتفاهم بين الزوجين وجعله عائلياً، وتوفير المبالغ لتأثيث بيت الزوجية، فيما قد يتسبب غلاء تكاليف الزواج في عزوف الشباب والغرق في الديون والأقساط، فتزداد الأزمات وترتفع نسب الطلاق بسبب تراكم الديون التي تكبدها الزوج، خصوصاً إذا كانت عن طريق الاقتراض من البنوك لسداد المهر، كما ينتج عن ذلك مشكلات عائلية، والحلول في التوعية قبل الزواج للمقبلين عليه، وطرق البداية بحياة سعيدة بعيدة عن التكلف والبذخ.

إسراف يتجاوز حدود المعقول

أستاذ الأنظمة المشارك بجامعة الملك خالد الدكتور عبدالإله الشهراني، قال لـ«عكاظ»: إن حفلات الزواج من أهم المناسبات الاجتماعية، وغالباً ما تُرافقها مظاهر احتفالية تتضمن ولائم كبيرة تُظهر الفرح والكرم، غير أن الولائم قد تتحول إلى مظهر من مظاهر الإسراف والتبذير، حين يتجاوز الإنفاق حدود المعقول. وهنا يبرز التساؤل: ما موقف الشريعة الإسلامية والقانون من الإسراف في ولائم العرس، وهل هناك ضوابط تحكم مثل هذا السلوك؟..

ويجيب: الإسلام دين يركز على الاعتدال في جميع نواحي الحياة، ويحث على عدم التبذير في الموارد، ويشمل ذلك أيضاً ولائم الأعراس، فالمبالغة والإسراف يعتبران مخالفة واضحة لتعاليم الإسلام؛ التي تحث على التوازن والاعتدال. كما وردت أحاديث نبوية شريفة تذم الإسراف وتدعو إلى التيسير في النفقات. فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: «ما أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة من نسائه أكثر مما أولم على زينب، فإنه أولم عليها شاة». وهذا يبين لنا سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الوليمة، إذ كانت تتسم بالبساطة والتخفيف. وأوضح قائلاً: الإسراف في ولائم العرس يتجلى في صور متعددة، منها: المبالغة في كميات الطعام وأنواعه، إذ يتم إعداد أصناف فاخرة بكميات تفوق حاجة المدعوين، ما يؤدي إلى هدر الطعام. والتكاليف الباهظة للقاعات والديكورات، التي تتمثل في إنفاق مبالغ طائلة على مظاهر الاحتفال التي لا ضرورة لها. والمفاخرة والتباهي ويتضحان في السعي لإظهار الثراء والوجاهة من خلال حجم الإنفاق، مما يخلق ضغوطاً على الآخرين.

كيف نمنع البذخ؟

الشهراني يضيف مختتماً: على الرغم من عدم وجود تجريم قانوني مباشر للإسراف في ولائم العرس، إلاّ أن المبادئ والقيم التي تحث عليها الشريعة الإسلامية تتكامل مع الأهداف الاجتماعية والاقتصادية التي يسعى القانون إلى تحقيقها. فكلاهما يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة والحفاظ على استقرار المجتمع وتنمية موارده. وأضاف: إن التوعية بأحكام الشريعة الإسلامية التي تنهى عن الإسراف، وتعزيز القيم الاجتماعية التي تدعو إلى التيسير والاعتدال، يمكن أن يكون لها تأثير كبير في الحد من هذه الظاهرة، كما أن سن تشريعات تنظيمية غير مباشرة، مثل وضع ضوابط على بعض مظاهر البذخ في القاعات أو تشجيع البدائل الاقتصادية للاحتفال، قد يساهم في تحقيق هذا الهدف.

أخبار ذات صلة

 

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا