تم النشر في: 14 مايو 2025, 2:41 مساءً على مدى تسعة عقود، شكّل التعاون السعودي الأمريكي في مجال الآثار أنموذجًا علميًا وثقافيًا متميزًا أسهم في كشف جزء كبير من تاريخ الجزيرة العربية، وعزز الوعي بأهمية التراث الوطني للمملكة. بدأت هذه المسيرة مبكرًا، وذلك حين أبدى الجيولوجيون العاملون في شركة أرامكو اهتمامًا ملحوظًا بالآثار السعودية، وذلك خلال أعمالهم في التنقيب عن النفط، وخلال أوقات فراغهم، استثمروا وجودهم على أرض المملكة لتوثيق المواقع الأثرية بدءًا من عام 1935م. ومن الأسماء التي ارتبطت بهذه البدايات، الطيار "جو مارتن" الذي التقط في عام 1934م صورًا جوية لمواقع أثرية في المنطقة الشرقية، وسجّل ملاحظات مهمة عنها، تمثّل اليوم مرجعًا أرشيفيًا نادرًا، وفي عام 1940م، وثق قرية "الفاو"، إذ لفتت أنظار موظفي الشركة كموقع ذي قيمة حضارية بارزة. وفي عام 1952م وثق عالم الآثار والأنثروبولوجي "ريك فيدال" مدافن أثرية في مدينة الظهران، ما شكّل خطوة مؤسسة في التوثيق الأثري الحديث للمملكة كما أسهم الباحث الأمريكي "ألبرت جام" في إثراء الدراسات حول النقوش الأثرية، من خلال كتابه الذي أصدره بين عامي 1963 و1968م حول النقوش القديمة في المملكة، وهو ما أسهم في فهم أعمق لحضارات الجزيرة العربية قبل الإسلام. ومع نهاية السبعينيات أطلقت المملكة أول بعثة أثرية سعودية أمريكية مشتركة بقيادة "يوريس زارينس" وتحديدًا خلال العام 1977م، حيث قامت البعثة بمسح ميداني لمواقع ما قبل التاريخ في المنطقة الشرقية، بما في ذلك جزيرتا دارين وتاروت، وتواصلت نتائج هذا المشروع حتى عام 1984م. وشهدت الأعوام الأخيرة في سياق متصل تعزيزًا لهذا التعاون من خلال بعثات ميدانية متقدمة، كان أبرزها مشروع جامعة ميامي الأمريكية للتنقيب في موقع "جرش" بمنطقة عسير منذ العام 2009م، إذ تم توثيق مواقع مهمة، منها وحدات معمارية وطرق مرصوفة ومكونات دفاعية. وأكدت هيئة التراث، أن شراكاتها الدولية، وعلى رأسها الشراكة العلمية مع الجامعات والمؤسسات الأمريكية، تأتي ضمن استراتيجيتها الشاملة لتوثيق ودراسة التراث الوطني بجميع مكوناته، وذلك لإبرازه، وتعزيزه، وتطويره، من خلال المشروعات البحثية، والمعارض، ومختلف البرامج الثقافية، مبيّنة أن هذه الجهود تُسهم في إبراز البعد الحضاري العميق للمملكة، وتدعم مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للثقافة المنبثقة من رؤية المملكة 2030، جاعلةً التراث مصدرًا للفخر الوطني والمعرفة وتعزيز الهوية.