حين تُحسم مباراة في دوري روشن بكل ما يُمثّله من رمزية اقتصادية وسمعة دولية من خلال قرار قانوني، فإن القرارات المرتبطة بالمنافسة قد تكون أحياناً أكثر أثراً من نتيجة المباراة نفسها، خاصةً حين تُصدر في توقيت حرج أو بأساس متضارب. وقضية نقاط العروبة التي أُعيدت إلى النصر لم تكن مجرد تفصيل عابر في جدول الترتيب، بل كشفت ضبابية مقلقة في منظومة الانضباط والتحكيم الرياضي، تستحق وقفة نظامية جادة.
ليست القضية في النتيجة فحسب، بل في توقيت القرار، وتناقضاته، وتداعياته على عدالة المنافسة. وبين لجنة انضباط تُصدر قراراً، واستئناف تؤيده، ثم مركز تحكيم ينقضه لاحقاً، تتجلّى فجوة مؤسسية تُهدد بثقة الأطراف في منظومة العدالة الرياضية.
هذا المقال ليس طعناً في أحد، بل دعوة لإعادة النظر بجرأة وهدوء في أداء اللجان ذات العلاقة بالفصل في النزاعات الرياضية، إن أردنا لدوري روشن أن يُعامل عالمياً كما نُريد له أن يُرى عالمياً.
في 28 فبراير 2025، التقى النصر والعروبة ضمن الجولة 23 من دوري روشن، وانتهت المباراة بفوز العروبة 2-1. تقدّم النصر باحتجاج رسمي على أهلية مشاركة حارس العروبة رافع الرويلي، استناداً إلى كونه لا يزال على وظيفة حكومية، في مخالفة لما تنص عليه لائحة الاحتراف بشأن شرط التفرغ الكامل. رفضت لجنة الانضباط الاحتجاج، وأيّدته لجنة الاستئناف. ثم لجأ النصر إلى مركز التحكيم الرياضي؛ الذي أصدر قراره في 25 مايو 2025؛ أي بعد قرابة ثلاثة أشهر من تاريخ المباراة بقبول الاحتجاج واعتبار النتيجة 3-0 لصالح النصر، مع تغريم نادي العروبة 50 ألف ريال.
ورغم أن مركز التحكيم الرياضي قام بإعادة النقاط لصالح النصر بقرار نهائي، فإن ما يثير القلق ليس فقط محتوى القرار، بل الرحلة المؤسسية التي سبقت صدوره. فالملف بدأ من لجنة الانضباط، التي مارست اختصاصها الابتدائي ورفضت الاحتجاج، ثم عُرض على لجنة الاستئناف داخل الاتحاد السعودي، التي ثبتت القرار السابق دون معالجة معمقة لأصل الإشكال، ليُنقل بعد ذلك حسب التسلسل النظامي الصحيح إلى مركز التحكيم الرياضي السعودي بوصفه الجهة العليا والنهائية في المنازعات الرياضية داخل المملكة.
ومن زاوية قانونية بحتة، فإن تباين المخرجات بين لجنة الانضباط، ولجنة الاستئناف، ومركز التحكيم لا يُعد فقط اختلافاً في التقدير، بل يُسلّط الضوء على غياب مبدأ توحيد التفسير القضائي في المجال الرياضي، وهو مبدأ أساسي في النُظم القضائية الراسخة.
إذ جرى العُرف في المحاكم النظامية أن تتّسق الاجتهادات القضائية في تفسير النص الواحد، حمايةً لمبدأ «الاستقرار القانوني» (Legal Certainty)، وضماناً لتكافؤ الأطراف.
أما أن تُفسَّر لائحة واحدة بثلاث قراءات متضاربة من ثلاث جهات مختصة، فذلك لا يُهدد فقط مبدأ عدالة المنافسة، بل يُضعف الثقة في مرجعية التفسير النظامي داخل البيئة الرياضية.
أخبار ذات صلة
حين تُفسَّر ذات الواقعة بثلاثة قرارات متناقضة من ثلاث جهات رسمية، فإن الإشكال لا يكمن في النص، بل في أداء المؤسسة القانونية ذاتها. لجنة الانضباط تعاملت مع المسألة بمنطق إجرائي ضيق، دون قراءة متأنية لأثر القرار على النزاهة الرياضية. لجنة الاستئناف مرّت على الاعتراض مروراً إدارياً شكلياً، وافتقرت إلى اجتهاد جاد في التحليل. أما مركز التحكيم فجاء متأخراً بعد أن استقرت النتائج، فأعاد تصويب النتيجة لكن بعد أن اختلطت أوراق الترتيب والمراكز.
وهنا تكمن الإشكالية: حين تأتي العدالة بعد فوات أوانها، فإنها -رغم صحتها- قد تربك المشهد التنافسي أكثر مما تُعيد اتزانه.
قضية العروبة والنصر ليست الوحيدة هذا الموسم. بل هي واحدة من سلسلة قرارات أثارت الجدل، من أبرزها تفاوت في العقوبات الإعلامية على تصريحات متقاربة، وتأخر واضح في إصدار قرارات مصيرية، ما أفقدها فاعليتها، فضلاً عن اختلاف جذري في تفسير اللوائح بين اللجان المختلفة.
هذه التكرارات لا تُعبّر عن خلل فردي، بل تُشير إلى هشاشة مؤسسية في البنية العدلية الرياضية، وتضعنا أمام ضرورة تطوير شامل في طريقة إدارة النزاعات، بدءاً من فلسفة لجنة الانضباط، ومروراً بجرأة الاستئناف، وانتهاءً باستقلالية مركز التحكيم دون أن يُستخدم هذا الأخير كأداة لتصحيح ما فات بل كضامن استباقي للاتساق.
المملكة لا تُراهن على كرة قدم، بل على مشروع رياضي تنموي متكامل، يُراد له أن يكون منصة دولية، ومحركاً اقتصادياً، وأداة ناعمة للتأثير الإقليمي والعالمي. وفي مثل هذا المشروع، لا تُقبل الثغرات المؤسسية في العدالة التنافسية، حتى إن أتت من باب الاجتهاد أو النوايا الطيبة.
إذا كنا نُريد لدوري روشن أن يُعامل بين الدوريات العالمية الكبرى، فلا بد أن تُدار لجانه بنفس مستوى الاحتراف والبناء المؤسسي.
المطلوب اليوم ليس ترقيعاً في النصوص، ولا تبسيطاً في الإجراءات، بل إعادة بناء منظومة عدلية رياضية، تُدار بروح قضائية محترفة، وسرعة محسوبة، ومنهجية مُحكمة.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.