اختُتمت الأسبوع الماضي ورشة العمل التي نظمتها جمعية كتّاب الرأي، والتي توزّعت على ثلاث مدن رئيسية: جدة، الرياض، والخبر. وقد حملت الدورة الأخيرة عنوان «تحديات كاتب الرأي وما يجب عليه معرفته»، وجاءت غنية بتجارب نخبوية ونقاشات صريحة. لكن ما لفت الانتباه حقًا هو سؤال تكرّر بصوتٍ خافتٍ تارة، ومباشرٍ تارة أخرى: هل لا تزال مساحة التعبير محفوظة للكاتب حين يطرح رأياً صريحاً في شأنٍ عام؟الإجابة لم تأتِ من القاعة، بل من خارجها، حين أدلى معالي وزير الإعلام بتصريح بالغ الأهمية قال فيه: «طالما نتحدث عن الحرية المنضبطة، بالعكس، نحن نشجع الإعلام على كشف العيوب، ومن حقهم على المواطنين أن يتحدثوا بالطريقة المناسبة التي يرونها في خدمة بلدهم. وسائل الإعلام عندما تتناول أداء جهة أو خدمة، فهذا جزء من واجبها، وهو يقدم خدمة للحكومة. نحن لا نعتبره سلوكًا سلبيًا، بل نراه واجبًا أصيلًا».هذا التصريح، في جوهره، لا يبرّر المساحة المتاحة للرأي، بل يؤصّلها ضمن مفهوم رفيع: أن المسؤولية الإعلامية لا تنفصل عن الأمانة الوطنية، وأن الإشارة إلى أوجه الخلل حين تكون نزيهة، ليست خروجًا عن الصف، بل تماهٍ مع روح الدولة التي تريد أن ترى وتُرى.وفي خضم الجدل الذي يُثار أحيانًا، من المهم التفريق بين «النقد» و«الانتقاد»؛ فالنقد فعلٌ بصيرٌ يُشير إلى الخلل دون أن يُلغِي الإنجاز، بينما الانتقاد نزعة عدميّة لا ترى في المشهد إلا ما يُعكّره. فالأول يبني، والثاني يهدم. الأول إصلاح، والثاني انفعال.ما نعيشه اليوم في المملكة ليس حالة من الانفتاح الإعلامي بالمفهوم الكلاسيكي، بل هو إعادة صياغة العلاقة بين الكاتب والمؤسسة. الكاتب لم يعد كيانًا موازيًا يعلّق من الخارج، بل شريكًا واعيًا يملك أدوات الرؤية، ويُسهم في ضبط المسار. لا يكتب من منطلق المواجهة، بل من رغبة صادقة في التحسين، ومن حسٍّ رفيع بالواجب تجاه وطنه.«الحرية المنضبطة» ليست شعارًا تُكرره البيانات، بل رؤية واعية: تُقدّر الرأي حين يُبنى على معرفة، وتحترم الكلمة حين تُقال بنيّة الإصلاح لا التشهير. إنها ليست قيودًا ناعمة كما يتوهّم البعض، بل آداب ممارسة رفيعة تُحافظ على جمالية الطرح، ومكانة الكاتب، وهيبة الدولة معًا.وفي ظل رؤية المملكة 2030، وما نشهده من انفتاح فكري وإعلامي غير مسبوق، تتّضح ملامح مرحلة جديدة: حرية الرأي ليست فقط مكفولة، بل موجهة نحو البناء، لا نحو التشهير. نحو كشف أوجه القصور دون طمس الإنجاز. فالمسؤولية لا تكتمل بالإشارة إلى الخلل فحسب، بل بتقديم الرؤية التي تُحسّن وتُضيف.إننا نكتب لأننا ننتمي. نُشير لأننا نؤمن أن الأفضل ممكن. وفي ظل هذا الوعي، تصبح حرية الكاتب ليست امتيازًا ممنوحًا، بل مسؤولية وطنية تُمارَس بصدق، وبصيرة، ووفاء. أخبار ذات صلة